الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
باب ما يجوز من السن في الضحايا
296/ 2680 - وعن زيد بن خالد الجُهني، قال: قَسَم رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه ضحايا، فأعطاني عَتُودًا جَذَعًا، قال: فرجعتُ به إليه. فقلت: إنه جَذَع، قال:«ضَحِّ به» ، فضحَّيتُ به
(1)
.
في إسناده محمد بن إسحاق، وقد تقدم الكلام عليه.
ورواه أحمد بن خالد الوهبي عن ابن إسحاق، وقال فيه:«فقلت: إنه جَذَع من المعز»
(2)
.
وقد أخرج البخاري ومسلم في «صحيحيهما»
(3)
من رواية عقبة بن عامر الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه غنمًا يقسمها على أصحابه ضحايا فبقي عَتُود، فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال:«ضحِّ به أنت» .
وقد وقع لنا حديث عقبة هذا من رواية يحيى بن بُكير عن الليث بن سعد، وفيه:«لا رخصة لأحد فيها بعدك»
(4)
.
(1)
«سنن أبي داود» (2798)، ورواه أحمد (21690)، وابن حبان (5899)، والطبراني (5217 - 5220)، من طرق عن محمد بن إسحاق، عن عُمارة بن عبد الله بن طُعمة، عن سعيد بن المسيب، عن زيد.
(2)
أخرجه الطبراني في «الكبير» (5217)، والبيهقي (9/ 270).
(3)
البخاري (2300، 2500)، ومسلم (1965) من ثلاثة طرق، عن الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه.
(4)
أخرجه البيهقي (9/ 270) من طريق يحيى بن بُكير، عن الليث به. وهذه الزيادة منكرة، قد تفرد يحيى بها دون غيره ممن رواه عن الليث. ويحيى وإن كان ثقة في روايته عن الليث، لكنه متكلم فيه، قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يُحتج به. ثم إن لحديث عقبة طريقًا آخر، يرويه يحيى بن أبي كثير، عن بَعجة الجهني، عن عقبة، وليس فيه هذه الزيادة. أخرجه البخاري (5547)، ومسلم (1965/ 16)
قال البيهقي
(1)
: وهذه الزيادة إذا كانت محفوظةً كانت رخصة له، كما رخّص لأبي بُردة بن نِيار، وعلى مثل هذا يُحمَل معنى حديث زيد بن خالد الجهني الذي أخرجه أبو داود هاهنا.
وقال غيره: حديث عُقبة منسوخ بحديث أبي بردة، لقوله:«ولن تَجزي عن أحد بعدك» . وفيما قاله نظر، فإن في حديث عقبة أيضًا:«ولا رخصة لأحد فيها بعدك» . وأيضًا فإنه لا يُعرف المتقدّم منهما من المتأخر.
وقد أشار البيهقي
(2)
إلى أن الرخصة ايضًا لعقبة وزيد بن خالد، كما كانت لأبي بُردة.
قال ابن القيم رحمه الله: وهذا لا يصح، فإن قوله لأحد هؤلاء:«ولن تَجزي عن أحد بعدك»
(3)
و «لا رخصة فيها لأحد بعدك» ينفي تعدد الرخصة. وقد كنا نستشكل هذه الأحاديث إلى أن يسر الله بإسفارِ صُبْحِها
(4)
وزوالِ إشكالها، فله الحمد، فنقول:
أما حديث أبي بردة بن نيار فلا ريب في صحته، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: في الجَذَعة من المعز: «ولن تَجزي عن أحدٍ بعدك» ، وهذا قطعًا ينفي أن
(1)
«السنن الكبرى» (9/ 270).
(2)
«السنن الكبرى» (9/ 270)، وقد سبق نص كلامه آنفًا.
(3)
قاله صلى الله عليه وسلم لأبي بُردة بن نيار في قصته المشهورة حين استعجل الذبح قبل الصلاة فلم يُعتدّ بها نُسُكًا، فأراد أن يضحّي بعد الصلاة بِعَناقٍ جَذَعةٍ لم يكن عنده غيرها. أخرجها البخاري (955، ومواضع) ومسلم (1961) من حديث البراء بن عازب.
(4)
في الطبعتين: «بإسناد صحتها» ، تحريف.
تكون مُجزئةً عن أحد بعده.
وأما حديث عقبة بن عامر، فإنما وقع فيه الإشكال أنه جاء في بعض ألفاظه أنه بقيتْ له جَذَعة
(1)
. وقد ثبت في «الصحيحين» : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه غنمًا يَقسِمها على صحابته ضحايا فبقي عَتُود، فذكره للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:«ضحِّ به أنت» ، فظن من ظن: أن العتود: هو الجَذَع من ولد المعز، فاستشكله وقَوَّى هذا الإشكالَ عنده روايةُ يحيى بن بُكَير عن الليث في هذا الحديث:«ولا رخصة فيها لأحد بعدك» .
ولكن العتود من ولد المعز: ما قوي ورَعَى، وأتى عليه حول، قاله الجوهري
(2)
، وكذلك كلام غيره من أئمة اللغة قريب منه. قال بعضهم
(3)
: ما بلغ السِّفاد. وقال بعضهم
(4)
: ما قوي وشبَّ. وعلى هذا فيكون هو الثَنِيُّ من المعز، فتجوز الضحية به. ومن رواه «فبقي جذَع» لم يقل: فيه جذع من المعز، ولعله ظن أن العتود هو الجذع من المعز فرواه كذلك، والمحفوظ:«فبقي عتود» ، وفي لفظ «فأصابني جذع» ، وليس في «الصحيح» إلا هاتان اللفظتان. وأما «جذع من المعز» ، فليس في حديث عقبة، فلا إشكال فيه.
فإن قيل: فما وجه قوله: «ولا رخصة فيها لأحد بعدك» ؟
قيل: هذه الزيادة غير محفوظة في حديثه، ولا ذكرها أحد من أصحاب «الصحيحين» ، ولو كانت في الحديث لذكروها ولم يحذفوها، فإنه لا يجوز
(1)
هكذا في روايةٍ للبخاري (5547)، ومسلم (1965/ 16).
(2)
«الصحاح» (2/ 505).
(3)
حكاه في «العين» (2/ 29).
(4)
هو أبو عبيد القاسم بن سلَّام في «غريب الحديث» (3/ 213).
اختصار مثلها، وأكثر الرواة لا يذكرون هذه اللفظة.
وأما حديث زيد بن خالد الجهني فهو ــ والله أعلم ــ حديث عقبة بن عامر الجهني بعينه، واشتبه على ابن إسحاق أو من حدثه به
(1)
اسمُه، وأن قصة العتود وقسمة الضحايا إنما كانت مع عقبة بن عامر الجهني، وهي التي رواها أصحاب الصحيح.
ثم إن الإشكال في حديثه: إنما جاء من قوله: «فقلت: إنه جَذَع من المعز» ، وهذه اللفظة إنما ذكرها عن ابن إسحاق
(2)
: أحمدُ بن خالد الوَهبي عنه
(3)
.
297/ 2681 - وعن عاصم بن كُلَيب، عن أبيه، قال: كُنَّا مع رجل من أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم، يقال له: مُجاشِعٌ من بني سُليم، فَعزَّت الغنمُ، فأمر مناديًا فنادى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ الجذَعَ يُوَفِّيممّا يُوَفّي منه الثَّنِيُّ» .
وأخرجه ابن ماجه
(4)
.
(1)
هو عُمارة بن عبد الله بن طعمة، ولعل الحمل عليه في هذا الاشتباه، فإنه وإن كان روى عنه مالك (وهو لا يروي إلا عن ثقة عنده)، إلا أنه ليس معروفًا بالحفظ والضبط، ولم ينصّ معتبر على توثيقه.
(2)
ط. الفقي: «أبي إسحاق السبيعي» ، غلط فاحش.
(3)
أي تفرد بها أحمد عن ابن إسحاق. قلتُ: هو كذلك في هذا الموضع من الحديث، وإلا فقد رويت من غير طريقه في موضع آخر، وهو قوله:«فأعطاني عتودًا جذعًا من المعز» ، رواها عن ابن إسحاق اثنان: إبراهيم بن سعد الزهري عند أحمد (21690) وابن حبان (5899)، وعبد الله بن نمير عند الطبراني في «الكبير» (5220).
(4)
أبو داود (2799)، وابن ماجه (3140)، وأخرجه الحاكم (4/ 226) وصححه.