الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وذكر أبو بكر البيهقي
(1)
أن حديث عمرو هذا لم يثبت، وحديث أبي هريرة:«فليأت الذي هو خير، فهو كفارته» لم يثبت.
قال أبو داود: الأحاديث كلها عن النبي صلى الله عليه وسلم: «وليكفر عن يمينه» إلا ما لا يُعبأ به.
قال ابن القيم رحمه الله: وأخرج ابن ماجه
(2)
منه: «من حلف على يمينٍ فرأى غيرَها خيرًا منها فليتركها، فإنّ تركَها كفارتُها» ، وترجم عليه: من قال تَرْكها كفارتها.
4 -
النذر في المعصية
366/ 3158 - عن القاسم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه» .
وأخرجوه سوى مسلم
(3)
.
367/ 3159 - وعن الزهري، عن أبي سلمة ــ وهو ابن عبد الرحمن ــ، عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لا نَذْرَ في معصيةٍ، وكفَّارتُه كفَّارةُ يمين» .
وأخرجه ابن ماجه والترمذي
(4)
، وقال: هذا حديث لا يصحّ، لأن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة.
(1)
في «السنن الكبرى» (10/ 33 - 34) و «معرفة السنن» (14/ 160).
(2)
برقم (2111)، وفي إسناده عَون بن عُمارة، وهو ضعيف منكر الحديث.
(3)
أبو داود (3289)، والبخاري (6696)، والترمذي (1526)، والنسائي (3806)، وابن ماجه (2126).
(4)
أبو داود (3290)، وابن ماجه (2125)، والترمذي (1524). وأخرجه النسائي (3834 - 3838) أيضًا.
وقال غيره: لم يسمعه من أبي سلمة، إنما سمعه من سليمان بن أرقم، وهو متروك.
368/ 3160 - وعن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عنها رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نذرَ في معصيةٍ، وكفَّارتُه كفارةُ يمينٍ» .
وأخرجه الترمذي
(1)
.
وفيه سليمان بن أرقم، وقال الإمام أحمد: ليس بشيء، لا يُروى عنه الحديث. وقال ابن معين: ليس بشيء
(2)
، لا يساوي فلسًا. وقال البخاري: تركوه. وتكلم فيه عمرو بن علي، والسَّعدي، وأبو داود، وأبو زرعة، وابن حبان، والدارقطني
(3)
.
وقال الخطابي
(4)
: لو صحّ هذا الحديث لكان القول به واجبًا، والمصير إليه
(1)
أبو داود (3292)، والترمذي (1525)، وأخرجه النسائي (3839) أيضًا؛ كلهم من طريق محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، عن الزهري، عن سليمان بن أرقم، عن يحيى بن أبي كثير به.
قال أبو داود: قال أحمد بن محمد المرُّوذي: «إنما الحديث حديث علي بن المبارك، عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن الزبير، عن أبيه، عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم» ، أراد أن سليمان بن أرقم وهم فيه، وحمله عنه الزهري وأرسله عن أبي سلمة عن عائشة رحمها الله.
وقال الترمذي: هذا حديث غريب.
وقال النسائي: سليمان بن أرقم متروك الحديث، خالفه غير واحدٍ من أصحاب يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث.
(2)
من قوله: «لا يُروى عنه» إلى هنا ساقط من (هـ) لانتقال النظر.
(3)
انظر: «الجرح والتعديل» (4/ 100)، و «تهذيب التهذيب» (4/ 168).
(4)
«معالم السنن» (4/ 372).
لازمًا، إلا أن أهل المعرفة بالحديث زعموا أنه حديث مقلوب، وهِم فيه سليمان بن أرقم، فرواه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة، فحمله عنه الزهري وأرسله عن أبي سلمة، ولم يذكر فيه سليمان بن أرقم ولا يحيى بن أبي كثير ــ وساق الشاهد على ذلك ــ
(1)
.
قال ابن القيم رحمه الله: وقال البيهقي
(2)
: هذا حديث لم يسمعه الزهري من أبي سلمة، إنما سمعه من سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة، كذلك رواه محمد بن أبي عتيق وموسى بن عقبة، عن الزهري.
وسليمان بن أرقم متروك، والحديث عند غيره عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن الزبير الحنظلي، عن أبيه، عن عمران بن حصين، عن النبي صلى الله عليه وسلم
(3)
. كذلك رواه علي بن المبارك عن يحيى بن أبي كثير
(4)
.
وبمعناه رواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، إلا أنَّ في حديث الأوزاعي:«لا نذر في غضب، وكفارته كفارة يمين»
(5)
.
(1)
كلام المنذري على أحاديث الباب مثبت من (هـ)، وفيه تصرُّف يسير من المؤلف.
(2)
«وقال البيهقي» ساقط من ط. الفقي، والنقل من «معرفة السنن» (14/ 199 - 201).
(3)
هذا هو المحفوظ في إسناد الحديث، والإسناد الآخر عن عائشة خطأ ووهم من سليمان بن أرقم. وهذا الإسناد عن عمران أيضًا ضعيف جدًّا، فإن مداره على محمد بن الزبير الحنظلي، وهو ضعيف منكر الحديث. وبه ضعَّفه الحاكم (4/ 305)، والبيهقي كما سيأتي، وابن عبد البر في «التمهيد» (6/ 96).
(4)
أخرجه النسائي (3840).
(5)
أخرجه البيهقي في «الكبرى» (10/ 70) بهذا اللفظ، وأخرجه النسائي (3841) بلفظ: «لا نذر في معصية
…
».
وكذلك رواه حماد بن زيد عن محمد بن الزبير
(1)
.
ورواه ابن أبي عروبة عن محمد بن الزبير وقال: «لا نذر في معصية الله»
(2)
.
ورواه عبد الوارث بن سعيد عن محمد بن الزبير عن أبيه أن رجلًا حدّثه أنه سأل عمران بن حصين عن رجلٍ حلف أنه لا يصلي في مسجد قومه، فقال عمران: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نذر في معصية الله، وكفارته كفارة يمين»
(3)
. وفي هذا دلالة على أن أباه لم يسمعه من عمران.
ورواه محمد بن إسحاق عن محمد بن الزبير، عن رجلٍ صحبه، عن عمران
(4)
.
ورواه الثوري عن محمد بن الزبير، عن الحسن، عن عمران إلا أنه قال:«لا نذر في معصية أو في غضب»
(5)
. قال: فهذا حديث مختلف في إسناده ومتنه كما ذكرنا، ولا تقوم الحجة بأمثال ذلك. وقد روينا عن محمد بن إسماعيل البخاري
(6)
أنه قال: محمد بن الزبير الحنظلي منكر الحديث وفيه نظر.
(1)
أخرجه النسائي (3844)، والبيهقي (10/ 70).
(2)
أخرجه البيهقي (10/ 70).
(3)
أخرجه أحمد (19955)، والنسائي (3846)، والبيهقي (10/ 70) واللفظ له.
(4)
أخرجه البيهقي (10/ 70) هكذا. وأخرجه النسائي (3845) والطبراني في «الكبير» (18/ 201) بزيادة: «عن أبيه» بين محمد بن الزبير والرجل المبهم.
(5)
أخرجه أحمد (19985)، والنسائي (3847)، والبيهقي (10/ 70).
(6)
أسنده البيهقي عنه في «السنن الكبرى» (10/ 71)، من طريق ابن عدي في «الكامل» (6/ 203). وهو مجموع من قول البخاري في كتابه «الضعفاء» (ص 120)، و «التاريخ الكبير» (1/ 86).
قال البيهقي: وإنما الحديث فيه عن الحسن عن هيَّاج بن عمران البُرْجُمي، أن غلامًا لأبيه
(1)
أبق، فجعل لله عليه لئن قدر عليه ليقطعنَّ يده، فلما قَدَر عليه بعثني إلى عمران بن حصين فسألته؟ فقال: إني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهى عن المُثلة. فقل لأبيك: فليكفِّرْ عن يمينه، وليتجاوز عن غلامه. قال: وبعثني إلى سمرة، فقال مثل ذلك
(2)
.
وهذا أصح ما روي فيه عن عمران. واختلف في اسم الذي رواه عنه
(3)
الحسنُ، فقيل هكذا، وقيل: حيّان بن عمران البرجمي. والأمر بالتكفير فيه موقوف على عمران وسمرة.
والذي روي عن ابن عباس مرفوعًا: «من نذر نذرًا في معصية الله فكفارته كفارة يمين، ومن نذر نذرًا لم يُطِقْه فكفارته كفارة يمين»
(4)
(1)
في الأصل و (هـ) وط. الفقي: «لابنه» هنا، و «لابنك» فيما سيأتي، وهو تصحيف.
(2)
أخرجه أحمد (19846)، وأبو داود (2667)، وابن حبان (4473) دون ذكر الهيّاج، والبيهقي في «الكبرى» (10/ 71 - 72). قال الحافظ في «الفتح» (7/ 459): إسناده قوي.
(3)
في الأصل و (هـ) وط. الفقي: «عن» ، خطأ يفسد المعنى.
(4)
أخرجه أبو داود (3322)، وابن ماجه (2128)، والطبراني في «الكبير» (11/ 412)، والبيهقي (10/ 72)، من طرقٍ فيها ضعف، عن بكير بن الأشج، عن كريب، عن ابن عباس مرفوعًا.
وقد أعلّه أبو داود بالوقف، وكذا الحافظان الرازيان وقالا: الموقوف الصحيح، كما في «العلل» (1326). والموقوف أخرجه ابن أبي شيبة (12313) عن وكيع، عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند، عن بكير به، وإسناده جيّد.
لم يثبت رفعه، والله أعلم
(1)
.
قال الموجبون للكفارة في نذر المعصية ــ وهم أحمد وإسحاق والثوري وأبو حنيفة وأصحابه
(2)
ــ: هذه الآثار قد تعددت طرقها، ورواتها ثقات.
وحديث عائشة احتج به الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه
(3)
. وإن كان الزهري لم يسمعه من أبي سلمة، فإن له شواهد تقويه؛ رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم سوى عائشة: جابر
(4)
، وعمران بن حصين، وعبد الله بن عمر
(5)
، قاله الترمذي
(6)
. وفيه حديث ابن عباس رفعه
(7)
: «من نذر نذرًا في معصية، فكفارته كفارة يمين» رواه أبو داود
(8)
.
(1)
هنا انتهى النقل الطويل لكلام البيهقي من «معرفة السنن» .
(2)
انظر: «مسائل أحمد وإسحاق» رواية الكوسج (1/ 625 - 626)، و «الموطأ» برواية محمد بن الحسن (751)، و «المبسوط» (8/ 142)، و «المغني» (13/ 624).
(3)
كما في «المسائل» برواية الكوسج.
(4)
أخرجه عبد الرزاق (15823، 15839، 15840)، وابن أبي شيبة (12275، 12289) عن جابر موقوفًا عليه.
(5)
أخرجه البيهقي (10/ 74) عن ابن عمر موقوفًا عليه، وضعَّفه بقوله:«هذا منقطع» ، وذلك لأن في إسناده راويين مُبهمَين.
(6)
عقب الحديث (1524).
(7)
(هـ): «يرفعه» .
(8)
سبق تخريجه، وبيان أن الصواب فيه الوقف.
ورواه ابن الجارود في «مسنده»
(1)
، ولفظه: عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: «النذر نذران: فما كان لله فكفارته الوفاء به، وما كان للشيطان فلا وفاء فيه، وعليه كفارة يمين» .
وروى أبو إسحاق الجوزجاني حديث عمران بن حصين في كتابه «المترجم»
(2)
وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «النذر نذران فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله فلا وفاء فيه، ويُكفِّره ما يكفّر اليمين» .
وروى الطحاوي
(3)
بإسناد صحيح عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه، وليُكفِّرْ عن يمينه» ، وهو
(1)
«المنتقى» لابن جارود (935) ــ وعنه البيهقي (10/ 72) ــ من طريق محمد بن موسى بن أعين، عن خطاب بن القاسم، عن عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن ابن عباس.
رواته ثقات من رجال البخاري، إلا خطّاب بن القاسم، قال عنه أحمد: لا بأس به، ووثَّقه ابن معين، وقال أبو حاتم: يُكتب حديثه، وقال أبو زرعة في رواية ابن أبي حاتم: ثقة، ولكن قال في رواية البرذعي:«منكر الحديث، يقال: إنه اختلط قبل موته» ، ولذا ففي صحّته مرفوعًا نظر، لاسيما وقد صحَّ مثله عن ابن عباس من طريق آخر موقوفًا عليه. أخرجه ابن أبي شيبة (12544).
(2)
هو كتاب شرح فيه الجوزجاني مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي عن الإمام أحمد. والمؤلف صادر عن «المغني» (13/ 625). والحديث قد سبق الكلام عليه، وهو بهذا اللفظ عند النسائي (3845) أيضًا.
(3)
«شرح مشكل الآثار» (1514، 2144) من طريق عبد الرحمن بن مجبَّر، عن القاسم بن محمد، عن عائشة. رجاله ثقات، إلا أن قوله:«يكفر عن يمينه» مشكوك في رفعه، ولعله من قول القاسم. انظر:«بيان الوهم» (2/ 288 - 289).
عند البخاري
(1)
إلا ذكر الكفارة. قال الإشبيلي
(2)
: وهذا أصح إسنادًا وأحسن من حديث أبي داود» ــ يعني حديث [ق 174] الزهري عن أبي سلمة المتقدم.
(3)
: عن يحيى بن أبي كثير، عن رجل من بني حنيفة، وعن أبي سلمة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا
(4)
: «لا نذر في غضب ولا في معصية الله، وكفارته كفارة يمين» .
قالوا: وقد روى مسلم في «صحيحه»
(5)
من حديث عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «كفارة النذر كفارة اليمين» . وهذا يتناول نذر المعصية من وجهين:
أحدهما: أنه عام لم يَخُصَّ منه نذرًا دون نذر
(6)
.
(1)
برقم (6696) من طريق طلحة بن عبد الملك، عن القاسم، عن عائشة.
(2)
«الأحكام الوسطى» (4/ 38).
(3)
برقم (15815). قوله: «رجل من بني حنيفة» هكذا قال معمر عن يحيى، واستظهر الحاكم في «المستدرك» ــ كما في «البدر المنير» (9/ 495) ــ أنه هو محمد بن الزبير الحنظلي (وهو منكر الحديث كما سبق)، وأن معمرًا أراد أن يقول: مِن بني حنظلة، فأخطأ وقال: من بني حنيفة.
وأما رواية يحيى عن أبي سلمة، فرواها عبد الرزاق عن ابن جريج قال: حُدِّثتُ عن يحيى
…
إلخ.
(4)
في الأصل: «مرسل» ، والمثبت من الطبعتين.
(5)
برقم (1645).
(6)
«دون نذر» من (هـ).
الثاني: أنه شبّهه باليمين، ومعلوم أنه لو حلف على المعصية وحَنِث لزمته كفارة يمين، بل
(1)
وجوب الكفارة في نذر المعصية أولى منها في يمين المعصية لما سنذكره.
قالوا: ووجوب الكفارة قول عبد الله بن مسعود
(2)
، وجابر بن عبد الله، وعمران بن حصين، وسمرة بن جندب، ولا يُحفَظ عن صحابي خلافهم.
قالوا: وهب أن هذه الآثار لم تثبت، فالقياس يقتضي وجوب الكفارة فيه، لأن النذر يمين، ولو حلف ليشربن الخمر، أو ليقتلنَّ فلانًا، وجبت عليه كفارة اليمين وإن كانت يمين معصية، فهكذا إذا نذر المعصية.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم تسمية النذر يمينًا، كما قال لأخت عقبة
(3)
لمّا نذرت المشيَ إلى بيت الله فعجزت: «تُكفِّر يمينها» ، وهو حديث صحيح وسيأتي
(4)
.
(1)
في الأصل وط. المعارف: «بلى» ، ولعل المثبت من ط. الفقي هو الصواب.
(2)
أخرجه عبد الرزاق (15813)، وابن أبي شيبة (12288)، وأما آثار سائر الصحابة فقد سبق تخريجها.
(3)
بعده في (هـ): «وهي أم حِبَّان، أسلمت فبايعت، لم يذكرها أبو عمر، استُدركت عليه» ، وفوقه ممدودًا عليه:«حاشية» . وهو من كلام المنذري في «المختصر» عقب الحديث (3165).
(4)
في «المختصر» (3162)، وفي «السنن» (3295)، من حديث كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفي إسناده شريك القاضي، وهو سيئ الحفظ.
وروي من حديث عكرمة عن ابن عباس بلفظ: «
…
فلتركبْ، ولتهدِ بدنة». أخرجه أحمد (2134)، وأبو داود (3296، 3303)، وابن خزيمة (3045)، والضياء في «المختارة» (12/ 205)، وصححه الحافظ في «التلخيص» (4/ 178). وفي صحته نظر، فإن الرواة اختلفوا فيه على عكرمة، وليس في أكثر الطرق وأصحّها ذكر الهدي، ثم إن بعضهم يرويه عن عكرمة مرسلًا دون ذكر ابن عباس. وقال البخاري: لا يصحّ فيه الهدي، يعني في قصة أخت عقبة. انظر:«سنن البيهقي» (10/ 79 - 80)، و «معرفة السنن» (14/ 206 - 208)، و «التاريخ الكبير» للبخاري (5/ 204). وأصل الحديث في «الصحيحين» من حديث عقبة، ولفظه:«لتمشِ ولتركبْ» دون ذكر الهدي أو الكفّارة. البخاري (1866)، ومسلم (1644). وفي رواية عن عُقبة عند أبي داود (3293) وغيره زيادة:«ولتصم ثلاثة أيام» ، وإسناده ضعيف. ومما يدل على بطلانه أن رواية «الصحيحين» هي من طريق أبي الخير مرثد بن عبد الله اليَزَني عن عقبة، وكان ملازمًا لعقبة لا يُفارقه، وكان مفتي أهل مصر في زمانه، فيبعد أن يكون ذكر الكفارة ثابتًا في حديث عقبة ثم هو لا يرويه، والله أعلم.
وعن عقبة مرفوعًا وموقوفًا: «النذر حَلْفة»
(1)
.
وقال ابن عباس في امرأة نذرت ذبح ابنها: «كفري يمينكِ»
(2)
.
فدل على أن النذر داخل في مسمَّى اليمين في لغة من نزل القرآن بلغتهم. وذلك أن حقيقته هي حقيقة اليمين فإنه عَقَده لله ملتزمًا له، كما أن الحالف عقد يمينه بالله ملتزمًا لما حلف عليه، بل ما عُقِد لله أبلغ وألزم مما عُقِدَ به، فإن ما عُقِدَ به من الأَيمان لا يُصيّر اليمينَ واجبًا، فإذا حلف على قربة
(1)
لم أجده مسندًا بهذا اللفظ، وقد ذكره الإمام أحمد في «مسائله» برواية صالح (1/ 396) موقوفًا على عقبة من قوله.
وذكره شيخ الإسلام في مواضع من تصانيفه، تارةً مرفوعًا كما في «مجموع الفتاوى» (25/ 277، 35/ 258، 271)، وتارةً موقوفًا كما في «الرد على السبكي في مسألة تعليق الطلاق» (ص 118، 364، 531، وغيرها).
(2)
أخرجه مالك في «الموطأ» (1364)، وابن أبي شيبة (12654)، والبيهقي (10/ 72) وقال: هذا إسناد صحيح.
مستحبة لِيفعَلَها لم تَصِرْ واجبةً عليه وتجزئه الكفارة، ولو نَذَرها وجبت عليه ولم تجزئه الكفارة، فدلّ على أن الالتزام بالنذر آكدُ من الالتزام باليمين، فكيف يقال: إذا التزم معصيةً بيمينه وجبت عليه الكفارة، وإذا التزمها بنذره الذي هو أقوى من اليمين فلا كفارة فيها؟! فلو لم يكن في المسألة إلا هذا وحدَه لكان كافيًا.
ومما يدل على أن النذر آكد من اليمين: أن الناذر إذا قال: لله عليّ أن أفعل كذا، فقد عَقَد نذرَه بحُرمةِ إيمانِه
(1)
بالله والتزامِه تعظيمَه، كما عقدها الحالف بالله كذلك، فهما من هذه الوجوه سواء، والمعنى الذي يقصده الحالف ويقوم بقلبه هو بعينه مقصود للناذر قائم بقلبه، ويزيد النذر عليه أنه التزمه لله، فهو ملتزم من وجهين: له وبه، والحالف إنما التزم ما حلف عليه به خاصةً، فالمعنى الذي في اليمين داخل في حقيقة النذر، فقد تضمن النذرُ اليمينَ وزيادةً، فإذا وجبت الكفارة في يمين المعصية فهي أولى بأن تجب في نذرها.
ولأجل هذه القوة والتأكيد قال بعض الموجبين للكفارة فيه: إنه إذا نذر المعصية لم يَبَرَّ
(2)
بفعلها، بل تجب عليه الكفارة عينًا ولو فعلها؛ لقوة النذر، بخلاف ما إذا حلف عليها، فإنه إنما تلزمه الكفارة إذا حنث، لأن اليمين أخف من النذر. وهذا أحد الوجهين لأصحاب أحمد
(3)
، وتوجيهه ظاهر
(1)
ط. الفقي: «بجزمه أيمانه» ، وفي ط. المعارف:«بجزمه إيمانه» ، ولعل الصواب ما أثبت.
(2)
في الطبعتين: «يبرأ» خلافًا للأصل.
(3)
انظر: «المغني» (13/ 626).