الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جدًّا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن الوفاء بالمعصية، وعيَّن عليه الكفارة عينًا، فلا يخرج من عهدة الأمر إلا بأدائها. وبالله التوفيق.
5 -
باب فيمن نذر أن يتصدق بماله
369/ 3176 - عن كعب بن مالك قال: قلت: يا رسول الله، إنَّ من توبتي أن أنخلع من مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أمسِكْ عليك بعضَ مالِك فهو خير لك» . قال: فقلت: إني أُمسك سهمي الذي بخيبر.
وأخرجاه في الحديث الطويل، والنسائي
(1)
مختصرًا.
370/ 3177 - وعنه ــ في قصته ــ قال: قلت: يا رسول الله، إنّ من توبتي إلى الله أن أخرج من مالي كله إلى الله وإلى رسوله صدقةً، قال:«لا» . قلت: فنصفه؟ قال: «لا» . قلت: فثلثه؟ قال: «نعم» . قلت: فإني سأُمسك سهمي من خيبر
(2)
.
فيه ابن إسحاق.
قال ابن القيم رحمه الله: المحفوظ في هذا الحديث ما أخرجه أصحاب الصحيح من قوله: «أمسك عليك بعض مالك» .
وأما ذكر الثلث فيه، فإنما أتى به ابنُ إسحاق
(3)
، ولكن هو في حديث أبي لبابة بن عبد المنذر لما تاب الله عليه قال: يا رسول الله، إن من توبتي أن
(1)
أبو داود (3317)، البخاري (4418)، ومسلم (2769)، والنسائي (3824).
(2)
«سنن أبي داود» (3321) من طريق ابن إسحاق، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب، عن أبيه، عن جدّه.
(3)
وقد خالف بذلك أوثقَ أصحاب الزهري: عُقيلًا ويونس الأيليَّين، ومعمرًا، وغيرهم.
أَهجُر دارَ قومي وأُساكِنَك وأنخَلِع من مالي صدقةً لله عز وجل ولرسوله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«يجزئ عنك الثلث»
(1)
.
ولعل بعض الرواة وهم في نقله هذا إلى حديث كعب بن مالك في قصة توبته، ولكن ليس في هذا أنه نذر الصدقة بماله، ولا تعلُّق في قوله:«ويجزئك الثلث» على أنه كان نذرًا، فإن «يُجزئ» رباعيٌّ بمعنى «يكفي» ، والمعنى: يكفيك مما عزمت عليه وأردته الثلث. وليس في هذا ما يدل على أن الناذر للصدقة بماله يُجزئه ثُلثُه.
والقياس: أنه إن كان حالفًا بالصدقة أجزأه كفَّارة يمين، وإن كان ناذرًا متقرّبًا تَصدَّق به وأبقى له
(2)
ما يكفيه ويكفي عياله، على الوجه الذي قلنا به في الحج
(3)
.
وقال ربيعة: يتصدق منه بقدر الزكاة، لأنها هي الواجب شرعًا، فينصرف النذر إليها
(4)
.
وقال الشافعي
(5)
: إن حلف به [ق 175] فكفارةُ يمين، وإن نذر قربةً تصدق به كلِّه.
(1)
أخرجه أحمد (15750)، وابن حبان (3371)، والحاكم (3/ 632)، وإسناده ضعيف. انظر تعليق محققي «المسند» (طبعة الرسالة) على الحديث.
(2)
«له» ساقطة من الطبعتين.
(3)
لم يسبق في كتاب الحج، ولعله في القدر الذي لم ينقله المجرّد.
(4)
«المغني» (13/ 630).
(5)
في «الأم» (3/ 658).
وقال مالك: يخرج ثلثه في الوجهين
(1)
.
وقال أبو حنيفة: إن كان ماله زكويًّا تصدق به كله. وعنه في غير الزكوي روايتان، إحداهما: يخرجه كله، والثانية: لا تجب الصدقة بشيء منه
(2)
.
وأصح هذه الأقوال: ما دل عليه حديث كعب المتفق عليه، أنه يتصدق به ويمسك عليه بعضَه وهو ما يكفيه ويكفي عيالَه. والله أعلم.
* * *
(1)
وهذا إذا لم يُسمِّ شيئًا بعينه، بل قال: لله عليّ أن أتصدق بمالي، أو بجميع مالي، أما لو سمَّى شيئًا بعينه كأن يقول: لله عليّ أن أتصدّق بناقتي، أو بعبدي، وجب التصدّق به ولو كان المسمَّى هو جميعَ ماله. انظر:«الموطأ» (1386)، و «المدونة» (2/ 474، 3/ 94 - 97).
(2)
انظر: «المبسوط» (4/ 134 - 135).