الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال الشافعي
(1)
: أخبرنا مالك، عن نافع، عن ابن عمر أنه باع بعيرًا له بأربعة أبعِرَةٍ مضمونةٍ عليه بالرَّبَذَة.
3 -
باب في ذلك يدًا بيد
(2)
روى الترمذي
(3)
من حديث حجاج بن أرطاة، عن أبي الزبير، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحيوانُ: اثنان بواحدٍ لا يَصلحُ نَساءً، ولا بأس به يدًا بيد» . قال الترمذي: هذا حديث حسن.
وفي «مسند أحمد»
(4)
عن ابن عمر: أن رجلًا قال: يا رسول الله، أرأيت
(1)
«الأم» (4/ 69، 243)، وهو في «الموطأ» (1902)، ومن طريق الشافعي أخرجه البيهقي في كتابَيه.
(2)
كان هذا التبويب في «السنن» و «مختصره» عند حديث جابر السابق أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى عبدًا بِعَبدين، ولكن أثبته المؤلف في هذا الموضع بخطّه كما نصّ عليه المجرّد. والظاهر أن المؤلف أخّر التبويب لأن حديث جابر ليس صريحًا أن ذلك كان يدًا بيد، ولأن المؤلف أيضًا أتبعه بذكر آثارٍ في بيع البعير بالأبعرة نسيئةً.
(3)
برقم (1238)، وأخرجه أحمد (15063)، وابن ماجه (2271)، وأبو يعلى (2025، 2223)، كلهم من طرق عن الحجاج بن أرطاة به.
الحجاج مدّلس وفيه ضعف، وقد توبع، تابعه أشعث بن سوَّار في «شرح معاني الآثار» (4/ 60)، وسعيد بن بشير الأزدي في «مسند الشاميين» (2801)، ولكنهما أيضًا ضعيفان، والسند إلى سعيد بن بشير فيه مقال.
(4)
برقم (5885) من طريق خلف بن خليفة، عن أبي جَناب الكلبي، عن أبيه، عن ابن عمر، وفي أوّله قول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تبيعوا الدينار بالدينارين
…
».
أول الحديث صحيح مرفوعًا دون آخره المتضمن سؤال السائل وإجابته، فالصواب فيه الوقف، وذلك أن خلف بن خليفة صدوق ربّما يهم في شيء، وقد خالفه الحافظ المتقن الثبت أبو نُعيم الفضل بن دُكين، فرواه عن أبي جناب به، فجعل أوّله مرفوعًا، ثم قال: «فقال رجل: يا أبا عبد الرحمن الرجل يشتري النجيبة
…
» إلخ الإجابة موقوفًا على ابن عمر. أخرجه الطبراني في «الكبير» (13/ 196)، وإسناده حسن من أجل الكلام في أبي جناب الكلبي، وهو صدوق حسن الحديث إن شاء الله إذا صرّح بالتحديث كما هنا.
الرجل يبيع الفرس بالأفراس، والنَّجِيبَة
(1)
بالإبل؟ قال: «لا بأس إذا كان يدًا بيد» .
قال الإمام أحمد والبخاري: حديث ابن عمر هذا، المعروف مرسل
(2)
.
فاختلف أهل العلم في هذه المسألة على أربعة أقوال، وهي أربع روايات عن أحمد
(3)
:
إحداها: أن ما سوى المكيل والموزون من الحيوان والنبات ونحوه يجوز بيع بعضه ببعضٍ متفاضلًا ومتساويًا، وحالًّا ونَساءً، وأنه لا يجري فيه الربا بحال، وهذا مذهب الشافعي
(4)
وأحمد في إحدى رواياته، واختارها القاضي وأصحابه، وصاحب «المغني» .
والرواية الثانية عن أحمد: أنه يجوز التفاضل فيه يدًا بيد، ولا يجوز
(1)
ط. الفقي: «البُختيّة» خلافًا للمسند، وإن كان رسم الأصل يحتمله لإهماله. والنجيبة: النفيسة من الإبل.
(2)
لم أجد كلامًا للإمامين في هذا الحديث، وإنما كلامُهما في حديث زياد بن جبير عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئةً، وقد سبق قريبًا.
(3)
انظر: «المغني» (6/ 64 - 66).
(4)
انظر: «الأم» (4/ 70، 245)، و «المجموع شرح المهذّب» (9/ 504).
نسيئة، وهي مذهب أبي حنيفة
(1)
، كما دل عليه حديث جابر وابن عمر.
والرواية الثالثة عنه: أنه يجوز فيه النساء إذا كان متماثلًا، ويحرم مع التفاضل.
وعلى هاتين الروايتين: فلا يجوز الجمع بين النسيئة والتفاضل، بل إن وُجد أحدهما حَرُم الآخر.
وهذا أعدل الأقوال في المسألة، وهو قول مالك
(2)
، فيجوز عبد بعبدين حالًّا، وعبد بعبد نَساءً، إلا أن لمالك فيه تفصيلًا، والذي عقد عليه أصل قوله: أنه لا يجوز التفاضل والنساء معًا في جنس من الأجناس، والجنس عنده معتبر باتفاق الأغراض والمنافع، فيجوز
(3)
بيع البعير النجيب
(4)
بالبعيرين من الحمولة ومن
(5)
حاشية إبله إلى أجل، لاختلاف المنافع. وإن أشبه بعضها بعضًا ــ واختلفت أجناسها أو لم تختلف ــ، فلا يجوز منها اثنان بواحدٍ إلى أجل.
فسِرُّ مذهبه: أنه لا يجتمع التفاضُل والنَّساء في الجنس الواحد عنده، والجنسُ ما اتفقت منافعه وأشبه بعضُه بعضًا، وإن اختلفت حقيقته.
(1)
انظر: «الأصل» للشيباني (2/ 420، 439)، و «بدائع الصنائع» (5/ 185).
(2)
انظر: «الموطأ» (1904 - 1906)، و «الكافي» لابن عبد البر (2/ 657)، و «القوانين الفقهية» لابن جُزَي (ص 169).
(3)
من هنا إلى آخر الفقرة لفظ مالك في «الموطأ» (1905) بتصرف يسير.
(4)
ط. الفقي: «البختيّ» خلافًا للأصل، وقد سبق مثله.
(5)
في «الموطأ» : «من» دون واو العطف، أي أن البعيرَين من الحمولة كائنان من حاشية إبله، أي مِن أَدْوَنها. انظر:«المنتقى» للباجي (6/ 355).
فهذا تحقيق مذاهب الأئمة في هذه المسألة المعضلة ومآخذُهم.
وحديث عبد الله بن عمرو
(1)
صريح في جواز المفاضلة والنساء، وهو حديث حسن. قال عثمان بن سعيد
(2)
: قلت ليحيى بن معين: أبو سفيان الذي روى عنه محمد بن إسحاق ــ يعني هذا الحديث ــ ما حاله؟ قال: مشهور ثقة. قلت: عن مسلم بن كثير
(3)
، عن عمرو بن حَرِيش الزُّبَيدي؟ قال: هو حديث مشهور.
ولكن مالك يحمله على اختلاف المنافع والأغراض، فإن الذي كان يأخذه إنما هو للجهاد، والذي جعله عوضه مِن إبل الصدقة، قد يكون من بني المخاض ومن حواشي الإبل ونحوها.
وأما الإمام أحمد، فإنه كان يُعلّل أحاديثَ المنع كلَّها، قال
(4)
: ليس فيها حديث يُعتمد عليه، ويعجبني أن يتوقاه.
وذُكر له حديث ابن عباس وابن عمر، فقال: هما مرسلان.
وحديث سمرة عن الحسن، قال الأثرم: قال أبو عبد الله: لا يصح سماع
(1)
في ابتياعه البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سبق في أول الباب السابق.
(2)
هو الدارمي في «سؤالاته» لابن معين في «التاريخ» (ص 199)، ومن طريقه ابن أبي حاتم في «الجرح والتعديل» (8/ 193، 9/ 383).
(3)
هكذا وقع اسمه في بعض طرق الحديث، وفي غيرها:«مسلم بن جُبير» ، كما عند أحمد وأبي داود وغيرهما. وقد سبق أن الرواة اختلفوا على ابن إسحاق في إسناد الحديث.
(4)
كما في «المغني» (6/ 66)، وفيه أيضًا الأقوال الآتية لأحمد.
الحسن من سمرة.
وأما حديث جابر رواية حجّاجٍ عن أبي الزبير عنه، فقال الإمام أحمد: هذا حجاج زاد فيه: «نَساءً» ، والليث بن سعد سمعه من أبي الزبير لا يذكر فيه:«نساءً»
(1)
.
وهذه ليست بعلة في الحقيقة، فإن قوله:«ولا بأس به يدًا بيد» يدل على أن قوله: «لا يصلح» يعني نساء، فذِكْر هذه اللفظة زيادة إيضاحٍ، لو سكت عنها لكانت مفهومةً من الحديث، ولكنه معلَّل بالحجاج، فقد أكثرَ الناسُ الكلامَ فيه، وبالغ الدارقطني في «السنن»
(2)
في تضعيفه وتوهينه.
وقد قال أبو داود
(3)
: «إذا اختلفت الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم نُظِر إلى ما عمل به أصحابُه من بعده» . وقد ذكرنا الآثار عن الصحابة بجواز ذلك متفاضلًا ونسيئة، وهذا كلُّه مع اتحاد الجنس.
وأما إذا اختلف الجنس، كالعبيد بالثياب، والشاء بالإبل، فإنه يجوز عند جمهور الأمة التفاضلُ فيه والنساء، إلا ما حكي رواية عن أحمد: أنه يجوز بيعه متفاضلًا يدًا بيد ولا يجوز نساءً، وحكى هذا أصحابنا عن أحمد روايةً رابعة في المسألة.
واحتجوا لها بظاهر حديث جابر: «الحيوان: اثنان بواحدٍ لا يصلح
(1)
لم أجد رواية الليث التي أشار إليها الإمام أحمد، وقد سبق في تخريج حديث الحجاج أنه توبع.
(2)
(4/ 226 - 228) عقب الحديث (3365).
(3)
في «السنن» عقب الحديث (720)، ونصّه: «إذا تنازع الخبران عن
…
».