الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراءة في صلاة العصر
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الأُوليين بـ: «فاتحة الكتاب» ، وسورتين؛ وُيطَوِّلُ في الأولى ما لا يُطَوِّلُ في الثانية، وكانوا يظنون أنه يريد بذلك أن يدركَ الناسُ الركعةَ.
وكان يقرأ في كل منهما قدر خمس عشرة آية؛ قدر نصف ما يقرأ في كل ركعة من الركعتين الأُولَيين في الظهر.
وكان يجعل الركعتين الأَخيرتين أقصر من الأُولَيين؛ قدر نصفهما.
وكان يقرأ فيهما بـ: «فاتحة الكتاب» .
وكان يُسمعهم الآية أحياناً.
ويقرأ بالسور التي ذكرنا في «صلاة الظهر» .
[أصل صفة الصلاة (2/ 471)]
القراءة في صلاة المغرب بقصار المفصل
وكان صلى الله عليه وسلم يقرأ فيها أحياناً بقصارِ المُفَصّل. حتى إنهم كانوا إذا صلَّوا معه، وسلَّم بهم؛ انصرف أحدهم وإنه ليُبْصِرُ مَواقعَ نَبْلِه.
وقرأ في سفر بـ: {التِّينِ وَالزَّيْتُونِ} «95: 8» في الركعة الثانية.
[أصل صفة الصلاة (2/ 472)]
القراءة في صلاة المغرب بطوال المفصل وأوساطه
وكان أحياناً يقرأ بطوال المفصل وأوساطه؛ فـ «كان تارة يقرأ بـ: {الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} «47: 38» . وتارة بـ: «الطُّوْر» «52: 49» . وتارة بـ:
«المُرْسَلات» «77: 50» ؛ قرأ بها في آخر صلاة صلاها صلى الله عليه وسلم.
والحديث دليلٌ على أن المغرب لا يختص بقصار المفصل -كما هو المشهور- بل يستحب القراءة فيه أحياناً بطوال المفصل، وبأطول من ذلك -كما يأتي في الكتاب- وقد ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي وغيره، وخالف فيه مالك، وأكثر علمائنا.
قال الترمذي «2/ 113» : «وقال الشافعي: وذكر عن مالك أنه كره أن يُقرأ في صلاة المغرب بالسور الطوال نحو: «الطُّور» و «المُرْسَلَات» .
قال الشافعي: لا أكره ذلك، بل أستحب أن يُقرأ بهذه السور في صلاة المغرب.
قال الحافظ: «وكذا نقله البغوي في «شرح السنة» عن الشافعي. والمعروف عند الشافعية: أنه لا كراهية في ذلك، ولا استحباب».
قلت: وهذا غير معقول، فإن القراءة عبادة؛ فإما أن تكون مستحبة؛ إذا وافقت السنة. وإما أن تكون مكروهة؛ إذا خالفتها. وأما أن تكون غير مستحبة وغير مكروهة: فهذا غير معقول في شيء من العبادات مطلقاً؛ فتأمل.
وقال الإمام محمد - بعد أن ساق الحديث -: «العامة على أن القراءة تُخَفَّف في صلاة المغرب؛ يُقرأ فيها بقصار المفصل، ونرى أن هذا كان شيئاً فتُرك! ولعله كان يقرأ بعض السورة ثم يركع» . ثم قال: «وبهذا نأخذ، وهو قول أبي حنيفة» .
وذكر المعلق عليه عن العلماء جواباً ثالثاً؛ وهو أن هذا بحسب اختلاف الأحوال؛ قرأ بالطِّوال لتعليم الجواز، والتنبيه على أن وقت المغرب ممتدٌ، وعلى أن قراءة القصار فيه ليس بأمر حتمي. ثم قال المعلق أبو الحسنات: وأقول: الجوابان الأولان مخدوشان: أما الأول: فلأن مبناه على احتمال النسخ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال، ولأن كونه متروكاً إنما يثبت لو ثبت تأخر قراءة القصار على قراءة الطوال من حيث التاريخ، وهو ليس بثابت، ولأن حديث أم الفضل -الآتي- صريح في أنها آخر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم هو سورة «المُرْسَلَات» في المغرب؛ فدلَّ ذلك على أنه صلى الله عليه وسلم قرأ بـ:«المُرْسَلَات» في المغرب في يوم قبل يومه
الذي توفي فيه، ولم يصل المغرب بعده، وقد ورد التصريح بذلك في «سنن النسائي» ؛ فحينئذٍ إنَّ سَلْكَ مسلكِ النسخ يُثْبِتُ نسخَ قراءة القصار، لا العكس.
وأما الثاني: فلأن إثبات التفريق في جميع ما ورد في قراءة الطوال مشكل، ولأنه قد ورد صريحاً في رواية البخاري وغيره ما يدل على أن جُبَير بن مُطْعِم سمع «الطُّور» بتمامه؛ قرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المغرب؛ فلا يفيد حينئذٍ ليت ولعل، ولأنه قد ورد في حديث عائشة في «سنن النسائي»: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ سورة «الأَعْرَافِ» في المغرب؛ فَرَّقَها في ركعتين. ومن المعلوم أن نصف «الأَعْرَافِ» لا يبلغ مبلغ القصار؛ فلا يفيد التفريق لإثبات القصار.
وإن الجواب الصواب هو الثالث. اهـ كلامه.
والحديث دليل -كغيره- على استحباب قراءة طِوَالِ المفصل أحياناً في المغرب - كما سبق في الذي قبله-.
وقد أجاب عنه الحنفية بأنه محمول على أنه قرأ بعض هذه السورة لا كلها، أو أنه منسوخ -كما سبق عن الإمام محمد-: والأول خلاف الظاهر -ولا يُخرج عنه إلا بدليل- وغاية ما تمسك به علماؤنا في ذلك حديث أبي هريرة المتقدم في أول الفصل؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في المغرب بقصار المفصل، فعارض به الطحاوي وغيره هذه الأحاديثَ القاضية باستحباب قراءة طواله، وأولوها بما تقدم، ولا مبرر لذلك؛ فالجمع ممكن بما هو أقرب إلى الالتئام من هذا التأويل، وهو حمل هذه الأحاديث على اختلاف الأحوال -كما سبق- لا سيما وأن في بعض هذه الأحاديث ما لا يقبل هذا التأويل مطلقاً - كما مضى عن اللكنوي -.
وأما دعوى النسخ؛ فباطلة بشهادة هذا الحديث الصحيح؛ فإنه صريح في أنه قرأ بذلك في آخر صلاة صلاها صلى الله عليه وسلم، فلو كان هناك مُبَرِّرٌ للمصير إلى النسخ؛ لكان ادعاء العكس أقربَ إلى الصواب، وأحقَّ بالقبول عند ذوي الألباب، ولكن لا مسوِّغ لذلك طالما أن الجمع ممكن بما سبق. والله الموفق.
[أصل صفة الصلاة (2/ 479)]