الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: «فإن اللام في «الدعاء» للدعاء الذي يحبه الله ليس لجنس الدعاء». إلى آخر كلامه. ثم قال: «فالأجود أن يقال: إلا بالدعاء المشروع المسنون، وهو ما وردت به الأخبار، وما كان نافعاً» .
قلت: وهو كما قال؛ لكن معرفة ما كان نافعاً من الدعاء يتوقف على العلم الصحيح، وهذا قلَّ من يقوم به؛ فالأولى الوقوف عند الدعاء الوارد؛ لا سيما إذا كان فيه ما يريده الداعي من المطالب. والله أعلم.
[أصل صفة الصلاة (3/ 1002)]
من صيغ الدعاء المأثورة في الصلاة
قوله: «إني أعوذ بك» : قال القاضي عياض رحمه الله: «دعاء النبي صلى الله عليه وسلم واستعاذته من هذه الأمور التي قد عُوْفِيَ منها وعُصِمَ؛ إنما فعله ليلتزم خوف الله تعالى، وإعظامه، والافتقار إليه، ولتقتدي به أمته، وليبين لهم صفة الدعاء، والمهم منه. والله أعلم» . كذا في «شرح مسلم» .
«عذاب القبر» فيه إثبات عذاب القبر وفتنته. وهو مذهب أهل السنة، وأكثر المعتزلة؛ خلافاً لمن نفاه؛ كالخوارج، وبعض المعتزلة.
وهذا الحديث وأمثاله كثير تَرُدّ عليهم؛ بل ثبت ذلك في القرآن الكريم: قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ المَوْتِ وَالمَلآئِكَةُ بَاسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ اليَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} «6: 93» .
وقال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ العَذَابِ. النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} «40: 46» .
وقد تكلم على الآيتين الحافظ في «الفتح» «3/ 180 - 186» ، وفسرهما، وشرح الأحاديث التي ذكرها البخاري في هذا الباب، وأطال في استقصائها الحافظ ابن كثير؛ فراجعها في «تفسيره» «2/ 531 - 538» .
«فتنة المسيح» قال أهل اللغة: «الفتنة» : الامتحان والاختبار.
قال عياض: واستعمالها في العرف لكشف ما يكره. كذا في «الفتح» .
واعلم أن الأحاديث في خروج الدجال في آخر الزمان كثيرة جداً؛ بل هي متواترة، لا يمكن لمطلع عاقل إنكارها، كلا، ولا تأويل معانيها؛ بل تعطيلها؛ لأن مجموع هذه الأحاديث تقطع بمجيئه.
وإنه رجل شاب قَطَطٌ، شَبَّهَه صلى الله عليه وسلم بعبد العُزّى بن قَطَن، وإنه أعور العين مكتوب بين عينيه:«كافر» يقرؤه كل مؤمن؛ كاتب وغير كاتب، وهو يخرج بين الشام والعراق، تَبَعُهُ من يهود أصفهان سبعون ألفاً، عليهم الطيالسة، لَبْثُه في الأرض أربعون يوماً؛ يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامنا، سرعته في الأرض كالغيث استدبرته الريح، وليس من بلد إلا سيطؤه، إلا مكة والمدينة، يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، يجيء ومعه مثل الجنة والنار، وذلك في رَأْيِ العين، ويأخذ رجلاً فينشره بالمنشار، ثم يحييه، ثم يأخذه ليذبحه، فلا يستطيع إليه سبيلاً؛ فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به؛ فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار، وإنما ألقي في الجنة.
ثم يبعث الله تعالى المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق؛ فيطلب الدجال حتى يدركه بـ «باب لُدٍّ» ؛ فيقتله.
كل هذه الأخبار صحيحة ثابتة في «صحيح البخاري» و «مسلم» ، وهي من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها؛ كما قال تعالى:{الم. ذَلِكَ الكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ. الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالغَيْبِ} .
وأما تأويلها، بل تعطيلها - كما فعل غلام أحمد القادياني الذي كان ادعى النبوة - بأن
المراد بالدجال: الديانة المسيحية الباطلة، أو المبشِّرون بها - كما في كثير من كتبه، ومنها:«إعجاز المسيح» «ص 27 - 30» -؛ فذلك واضح البطلان، لا يحتاج إلى بيان.
ومن إعجاز هذا القادياني المخبول: زعمه أن المراد بالشيطان الرجيم في الاستعاذة هو هذا الدجال - يعني: الديانة المذكورة -؛ قال «29» : «ولا يفهم هذا الرمزَ إلا ذو القريحة الوقادة» فأكْبِرْ به من إعجاز ومن وقف على كتبه؛ يعلم أن تفسيره كله أو جله على هذه الطريقة الرمزية الصوفية الغالية، التي لا تستند إلى قاعدة لغوية أو شرعية، وإنما هي الهوى أو الوحي الشيطاني وهو في أثناء تفسيره للاستعاذة يشير إلى إنكار وجود الجن وشياطينهم، وإنما الجن عنده وعند أتباعه الضالين هم زعماء الناس؛ كما صرح لي بذلك بعض أتباعه، وكان قد جرى بيني وبينه مناظرة شفهية في هذا الموضع في جلسات تبلغ العشر، كان نتيجتها أن انسحب منها مذموماً مدحوراً.
ونحن الآن «شعبان سنة 66» في صدد عقد اجتماعات كل يوم جمعة لهم، وبحضور مبشرهم الهندي نور أحمد منير؛ وذلك لوضع شروط المناظرة الكتابية بيننا وبينهم، بعد أن امتنعوا امتناعاً باتاً من المناظرة الشفهية، وها قد مضى أكثر من أربع جلسات، وهم يراوغون في الجواب عن السؤال الأول الذي كتبناه لهم في دَفْتَرَيِ الفريقين، ووقّعوه -كما وقّعناه- بإمضاءاتهم؛ وخلاصته: هل أنتم مستعدون للبحث معنا في اعتقادكم جواز مجيء أنبياء كثيرين غير مشرعين بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم؟ وظاهر أجوبتهم الامتناع عن البحث في هذه العقيدة، ونحن بانتظار الجواب القاطع منهم، وما أُراني أحصل عليه! والله المستعان.
«المأثم» «هو الأمر الذي يأثم به الإنسان، أو هو الإثم نفسه؛ وضعاً للمصدر موضع الاسم، وكذلك «المغرم» : ويريد به الدَّين؛ بدليل تمام الحديث: قالت عائشة: فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم يا رسول الله! فقال: «إن الرجل إذا غرم؛ حدَّث فكذب، ووعد فأخلف» .
[أصل صفة الصلاة (3/ 1003)]