الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا كناية عن اهتمام الرسول عليه السلام بابن مسعود وتعليمه إياه التشهد، وجرى ابن مسعود على هذا النسق فيمن بعده من أصحابه من التابعين.
فيقول علقمة فيما أذكر: بأن ابن مسعود رضي الله عنه كان يأخذ علينا الحرف الواحد، أي: كان إذا أخطأ أحدهم في الحرف الواحد يخطئه ويبين له وجه الصواب فيه، وهذه المجموعة هي التي جعلت علماء الحديث قاطبة لا خلاف بينهم وبين من كان محدثًا لا مذهب له أو مذهبيًا شافعيًا أو حنفيًا، كلهم أجمعوا على أن حديث تشهد ابن مسعود هو أصح أحاديث التشهد.
فالملاحظة التي أنت لاحظتها هي قوة واحدة من جانب أنه أعلنها، لكن ذلك لا يعني الصحة من حيث الرواية ووصول هذا التشهد إلينا بنفس القوة والمتانة التي جاء إلينا حديث ابن مسعود رضي الله عنه، فتلك قوة موضعية، ولا شك أن عمر حينما يعلن شيئًا أمام الناس فهي قوة مهمة جدًا، لكن ما الذي يعرفنا بذلك؟ إنما هو الإسناد، لا شك حينذاك أن إسناد ابن مسعود وإجماع العلماء كما ذكرنا على أنه أقوى إسناد يبقى الفضيلة الراجحة لحديث ابن مسعود.
(فتاوى جدة (6) /00: 31: 54)
حول صيغ التشهد
الشيخ: إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله:
لقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يعرفون التشهد في جلوس التشهد؛ ولذلك فقد كانوا يقرؤون بعض الكلمات من عند أنفسهم يمجدون الله تبارك وتعالى كما يبدو لهم، فكان أحدهم إذا جلس في التشهد يقول: السلام على الله .. السلام على جبريل .. السلام على عباد الله الصالحين، فقال لهم عليه الصلاة والسلام: إن الله
هو السلام فقول المصلي: السلام على الله فهذا لا يناسب مقام الله تبارك وتعالى؛ لأن السلام اسم من أسماء الله، ولذلك علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن تعليمهم فقال لهم:«إذا جلس أحدكم في التشهد فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين» قال عليه السلام: «ثم ليتخير أحدكم من الدعاء ما شاء» ، فمن هنا فرض التشهد على المصلين ولم يكن قبل ذلك مفروضًا.
وقد جاء في حديث مختصر عن ابن مسعود نفسه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم فرض قراءة التشهد في الصلاة فمن يومئذ أصبح التشهد فريضة من فرائض الصلاة، وقد اختلف العلماء قديمًا في حكم هذا التشهد فمن قائل لما جاء في الحديث: إنه فرض ومن قائل: إنه واجب، ولا أريد أن أخوض الآن ببيان الفرق بين الفرض والواجب؛ لأنه أولًا: قول مرجوح الفرض هو الواجب والواجب هو الفرض، وإنما هو مجرد اصطلاح من بعض المذاهب، وقد علمتم وهذا ثانيًا: أنه خلاف ما عليه جماهير العلماء، وخلاف الحديث السابق أن التشهد في الصلاة فرض أي: فرضه الرسول على وحي من رب العالمين.
فبعد هذا التشريع الجديد لم يجز لأحد أن يتساهل بترك التشهد في جلوس التشهد، وهذه الصيغة التي سمعتموها لا بد من أن نذكر حولها أمرين اثنين:
أولهما: هو الجواب عن سؤال السائل أي: إن هذه الصيغة هي أفضل الصيغ وأصح الصيغ التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانت هناك صيغ أخرى كنت أحصيتها وجمعتها في كتاب: صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، وإنما ذلك أعني: إنما أصح هذه التشهدات هي: تشهد ابن مسعود من هذا؛ لأنه اتفق على إخراجه البخاري ومسلم في صحيحيهما؛ ولأن علماء الحديث قاطبةً يذهبون إلى أصحية هذه الصيغة على الصيغة الأخرى.
هناك الصيغة الثانية المشهورة وهي التي أخذ بها الإمام الشافعي وهي تختلف بعض الشيء عن صيغة تشهد ابن مسعود: التحيات الطيبات لله في بعض
الروايات: الزاكيات، فكان من جملة الأسباب التي جعل بعض المحدثين يرجحون رواية ابن مسعود بهذه الصيغة على رواية ابن عباس أن ابن مسعود قديم الصحبة أما ابن عباس فحديث الصحبة؛ لأنه مات النبي صلى الله عليه وسلم وهو قريب من بلوغ سن التكيلف، وأيضًا إن حديث ابن مسعود لم يختلف الرواة عليه ولو في حرف واحد، فكلهم رووا هذه الصيغة كما روت الأمة بالإجماع فاتحة الكتاب ليس فيها اختلاف ولا في حرف واحد، كذلك تشهد ابن مسعود رضي الله عنه كل الرواة الذين رووه خاطبوه عليه بالحرف الواحد ولا جرم ولا غرابة في ذلك؛ لأن ابن مسعود رضي الله عنه كان من اهتمامه في تلقينه وتعليمه لأصحابه من بعد النبي صلى الله عليه وسلم .. أصحاب ابن مسعود الذين لم يدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكان ابن مسعود يعلم أصحابه ومنهم: علقمة، فعلقمة هذا يقول عن ابن مسعود: أنه كان إذا علمنا التشهد يأخذ علينا حتى الحرف الواحد - كان ابن مسعود إذا علمهم التشهد يأخذ عليهم حتى الحرف الواحد.
فلذلك تتابع أصحاب ابن مسعود على رواية صيغة تشهد ابن مسعود بالحرف الواحد لا اختلاف بينهم إطلاقًا بخلاف تشهد ابن عباس، فإذا كان السؤال: أي الصيغ أصح؟ فقد عرفتم الجواب أنه حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وعرفتم الأسباب أنها متعددة وكثيرة.
بقي شيء آخر أشرت إلى أنه لا بد من ذكره وهي فائدة في علمي أعرض عن تطبيقها جماهير المصلين؛ وذلك بأنهم لم تصبهم هذه الفائدة مع أنها جاءت في صحيح البخاري وفي مسند الإمام أحمد رحمهم الله تعالى، لقد قال ابن مسعود فيما روياه أعني: البخاري وأحمد بإسنادهما الصحيح: «علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وكفي بين كفيه» كف ابن مسعود بين كفي الرسول عليه السلام، وهذا كناية عن اهتمامه صلى الله عليه وسلم بصاحبه ابن مسعود حيث وضع كفه. . ولما وصل النبي صلى الله عليه وسلم إلى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قال عليه الصلاة والسلام:«فإنك إذا قلتها أصابت كل عبد صالح في السماء أو في الأرض» وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله،
قال ابن مسعود -وهنا الفائدة- قلنا: السلام عليك أيها النبي والنبي بين ظهرانينا أي: وهو حي يعيش بين ظهراني أصحابه، قال ابن مسعود: فلما مات قلنا: السلام على النبي فلما مات عليه الصلاة والسلام قلنا: السلام على النبي.
فقول ابن مسعود في التفريق في السلام على النبي في التشهد إنما هو تفريق بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم له ولأصحابه، والمقصود بالتوفيق يعني: بإشعار من النبي صلى الله عليه وسلم لهم أن يقولوا في التشهد في السلام عليه بعد وفاته: السلام على النبي، ولذلك استجابة من أصحابه عليه الصلاة والسلام بإيقاف نبي الله إياهم على هذا التشريع الجديد بعد وفاته استجابوا له فصرح ابن مسعود في تشهده هذا أننا قلنا: السلام عليك أيها النبي وهو بين ظهرانينا، فلما مات قلنا: السلام على النبي أي: تركوا كاف الخطاب وانتقلوا إلى لفظة الغيب فقالوا: السلام على النبي.
وقد تناقش بعض العلماء من الشافعية حول قول ابن مسعود هذا: هل هو توقيت من النبي صلى الله عليه وسلم أو باجتهاد من ابن مسعود؟ فقيل وقيل، لكن كان القول الراجح ما ذكره الإمام السبكي من الشافعية أنه قال: إذا صح قول ابن مسعود: فلما مات قلنا: السلام على النبي وجب العدول من لفظة الخطاب: السلام عليك أيها النبي إلى لفظة الغيبة: السلام على النبي، لكن الفرق بين قول السبكي وبين استدراك الحافظ ابن حجر والعسقلاني هو ما يلحظه كل من سمع آنفًا أن هذا الحديث رواه البخاري، فقول السبكي إن صح فتحفظ لا محل له، ولذلك استدرك عليه ذلك الحافظ ابن حجر والعسقلاني فقال: قد صح ذلك كما جاء في رواية البخاري السابقة، فلما مات قلنا: السلام على النبي، فإذًا صح.
وثانيًا: أن ابن مسعود لم يحك ذلك عن نفسه فقط بل حكاه عن الصحابة؛ لأنه قال: كنا نقول وهو صلى الله عليه وسلم بين ظهرانينا: السلام عليك أيها النبي .. كنا نقول، ليس كنت أقول، فلما مات قلنا: السلام على النبي.
ثم أيد الحافظ ابن حجر رحمه الله هذا البيان الشافي من التفريق بين ما روى البخاري بلفظ: فلما مات قلنا. .. أيد هذه الرواية برواية الأخرى عزاها لمصنف
عبد الرزاق - وقد طبع هذا المصنف والحمد لله منذ بضع سنين أو أكثر - حيث روى عبد الرزاق في مصنفه بإسناد صحيح عن عطاء بن أبي رباح قال: كان أصحاب النبي - هذه الرواية صريحة - كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون في حياته: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبي، فلذلك صار لزامًا علينا أن نقول كما صار إليه أصحابه بعد وفاته: السلام على النبي، وليس السلام عليك أيها النبي.
هذا من أجل هذا المثال نقول دائمًا وأبدًا: لا يكفي الدعوة في هذا الزمان إلى العمل بالكتاب والسنة وهذا واجب ولكن - انتبهوا إلى ما أقول - ينبغي الدعوة إلى الكتاب والسنة ولكن لا ينبغي الاقتصار بالدعوة إلى الكتاب والسنة أن نقف هنا، بل لا بد لنا من أن نضيف إلى ذلك وعلى منهج السلف الصالح أي: نحن ندعو إلى الكتاب والسنة وعلى منهج السلف الصالح، لماذا؟ لأن السلف الصالح وعلى رأسهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين باشروا السماع من فمه غضًا طريًا إلى آذانهم، ونقلوا ذلك واقعًا في حياتهم إلى من بعدهم، وهذا هو المثال بين أيديكم.
ولم نلتفت إلى رواية ابن مسعود هذه المفصلة بين حياته عليه السلام التي كانوا يقولون: السلام عليك أيها النبي، وبين بعد وفاته التي قالوا فيها: السلام على النبي، ما كنا لنصدق الحديث إلا على التعليم النبوي الأول ألا وهو:«إذا جلس أحدكم في التشهد فليقل: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي» إلى آخره، لكن اعتمادنا على هذا الصحابي الذي فرق لنا ليس بلفظ من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما بفهم منه بين السلام لمخاطبته في حياته وبين السلام بترك مخاطبته بعد وفاته، من هنا يتبين لكم كمثال من عشرات بل مئات الأمثلة أننا لا نستطيع أن نفهم الكتاب والسنة فهمًا صحيحًا إلا على منهج أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم الذين جاءوا من بعدهم.
وهذا القيد: على منهج السلف الصالح، قد يستنكره بعض الجماعات الإسلامية التي لم تتفقه ليس فقط بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بل حتى ولا بالقرآن
الكريم؛ لأن هذا القيد الذي ذكرته آنفًا وهو: اتباع أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيما فهموه، وفيما تلقوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو مما أمر به القرآن الكريم، فكلنا يقرأ فيه قول الله تبارك وتعالى:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] فقوله تبارك وتعالى: {وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِين} [النساء: 115] هذه الجملة لها معنى إضافي على الجملة التي قبلها والتي عليها حذفت الجملة التي بعدها حيث قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} لم يقل ربنا عز وجل، ولو أنه قال ذلك لكفى لكنه أراد أن ينبه المسلمين إلى هذه النكتة التي سبق أن ذكرتها وهي اتباع أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فقال:{وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِين} [النساء: 115] لم يقل: «ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى» إلى آخر الآية، وإنما جاء بجملة إضافية على الجملة الأولى كما ذكرت آنفًا وهي:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِين} [النساء: 115].
فإذًا: اتباع سبيل المؤمنين أمر ضروري جدًا، وأساس من أسس الدعوة الإسلامية الحقة التي لا يكون مخالفها على هدًى من ربه تبارك وتعالى، وقد شرح الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الجملة:{وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِين} [النساء: 115] وبينها؛ لأن المقصود ابتداء إنما هم أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث تفرق المسلمين كما تفرقت اليهود والنصارى، لقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قلنا: من يا رسول الله؟ قال: هي الجماعة» لم يقل في هذه الرواية هي: كتاب وسنة رسول الله؛ لأن هذا مفهوم من عديد من الآيات والأحاديث، كمثل قوله تبارك وتعالى:«فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا» [النساء: 59] ..
(رحلة النور: 47 ب/00: 05: 50)