الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القراءة في صلاة الليل
وكان صلى الله عليه وسلم «ربما جهر بالقراءة فيها، وربما أسرَّ» ؛ يقصر القراءة فيها تارة، ويطيلها أحياناً، ويبالغ في إطالتها أحياناً أخرى، حتى قال ابن مسعود:«صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة، فلم يزل قائماً حتى هَمَمْتُ بأمر سوء! قيل: وما هَمَمْتَ؟ ! قال: هَمَمْتُ أن أقعد وأَذَرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم» .
وقال حُذيفة بن اليمان: «صلّيت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح «البَقَرَة» . فقلت: يركع عند المئة. ثم مضى. فقلت: يصلي بها في ركعة. فمضى. فقلت: يركع بها. ثم افتتح «النِّسَاء» ، فقرأها، ثم افتتح «آلِ عِمْرَان» ، فقرأها. يقرأ مترسلاً: إذا مَرَّ بآية فيها تسبيح؛ سبح، وإذا مَرَّ بسؤال؛ سأل، وإذا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ؛ تَعَوَّذَ، ثم ركع. .. » الحديث.
قوله: «يصلي بها في ركعة» : أي: في ركعتين. أفاده النووي؛ فيعاد النظر في ألفاظ الحديث! ثم راجعت ابن نصر؛ فإذا فيه: ركعتين.
قوله: «إذا مَرَّ بآية فيها تسبيح؛ سبح .. إلخ» قال في «شرح مسلم» : «فيه استحباب هذه الأمور لكل قارئ؛ في الصلاة وغيرها. ومذهبنا استحبابه للإمام والمأموم والمنفرد» . زاد في «المجموع» «4/ 66» : لأنه دعاء؛ فاستووا فيه؛ كالتأمين.
قال: وسواء صلاة الفرض والنفل.
قال: وقال أبو حنيفة رحمه الله: يكره السؤال عند آية الرحمة، والاستعاذة في الصلاة.
وقال بمذهبنا جمهور العلماء من السلف فمن بعدهم. اهـ.
وأقول: أذكر أن الإمام محمداً رحمه الله قد صرح بجواز ذلك واستحبابه في كتابه «الآثار» ، ولكنه خصه بالتطوع دون الفرض، والدليل يساعده، وقد أردت أن
أنقل نص كلامه في ذلك، ولكني افتقدت الكتاب؛ فلم أعثر عليه الآن (1).
وقال أبو الحسنات في «عمدة الرعاية» «1/ 142» - بعد أن ساق الحديث -: «حمله أصحابنا على التطوع، وجوزوه للمنفرد، وللإمام في التطوع؛ إن أمن ثقل ذلك على المقتدين؛ كما في «العناية» و «البناية» و «فتح القدير» وغيرها.
قوله: «الحديث» وتمامه: فجعل يقول: «سبحان ربي العظيم» . فكان ركوعه نحواً من قيامه، ثم قال:«سمع الله لمن حمده - زاد جرير: ربنا! لك الحمد -» ، ثم قام قياماً طويلاً؛ قريباً مما ركع، ثم سجد، فقال:«سبحان ربي الأعلى» . فكان سجوده قريباً من قيامه.
قال الحافظ «3/ 15» : «وهذا إنما يتأتى في نحو من ساعتين؛ فلعله صلى الله عليه وسلم أحيا تلك الليلة كلها. وأما ما يقتضيه حاله في غير هذه الليلة؛ فإن في أخبار عائشة أنه كان يقوم قدر ثلث الليل» .
قلت: قد صح عنها أنه صلى الله عليه وسلم ما قام ليلة حتى الصباح. وهو محمول على الغالب من أحواله صلى الله عليه وسلم كما سيأتي -.
ثم إن تقدير الحافظ ذلك بـ: «نحو ساعتين» بعيد عن التجربة؛ وذلك أننا صلينا منذ بضعة أيام صلاة الخسوف - الذي وقع ليلة الاثنين «16/ 1/66 هـ» -، فقرأنا في الركعة الأولى بـ: سورة «إِبْرَاهِيم» ، وفي الثانية بنحوها من سورة «الإِسْرَاء» ، وأطلنا الركوعين في كل من الركعتين، وكذا السجدتين وما بين ذلك -حسب السنة - بعضَ الإطالة، بحيث لا يصح أن يقال: إن كلاً من ذلك كان نحو القيام أو قريباً منه، ومع هذا؛ فقد أخذت هذه الصلاة ساعة كاملة من الزمن.
فأين ذلك من صلاته صلى الله عليه وسلم أربع ركعات - على الراجح من الروايات -؟ ! يقرأ في الأولى بثلاث سور من الطوال؛ يترسل، ويتمهل في قراءته، ويقف يسأل الله،
(1) ونصه في «1/ 141» - منه -: «وهذا في صلاة النهار؛ فلا نرى بأساً أن يقف الرجل على شيء من القرآن مثلَ هذا؛ يدعو لنفسه في التطوع، فأما في المكتوبة: فلا» . [الناشر].