الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الاعتدال من الركوع، وما يقولُ فيه
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة 80:
ثم يرفع صلبه من الركوع، وهذا ركن.
ويقول في أثناء الاعتدال: سمع الله لمن حمده، وهذا واجب.
وقال في أصل الصفة:
ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع صُلبه من الركوع قائلاً: «سمع الله لمن حمده» . «وأمر بذلك «المسيء صلاته» ؛ فقال: «لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى. .. يكبر. .. ثم يركع. .. ثم يقول: سمع الله لمن حمده. حتى يستوي قائماً» .
وكان إذا رفع رأسه استوى؛ حتى يعود كل فَقارٍ مكانه».
ثم كان يقول وهو قائم: «ربنا [و] لك الحمد» .
وأمر بذلك كلَّ مُصَلٍّ؛ مُؤتماً أو غيره؛ فقال: «صلوا كما رأيتموني أُصلي» . وكان يقول: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به. .. وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» ؛ فقولوا: «[اللهم] ربنا ولك الحمد» ».
زاد في حديث آخر: «يسمع اللهُ لكم؛ فإن الله تبارك وتعالى قال على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: سمع الله لمنَ حمده» .
وفي هذه الأحاديث دلالة على أن السنة للإمام أن يجمع بن التسميع والتحميد؛ فيقول الأولَ حالَ ارتفاعه، والآخر إذا استوى قائماً.
وهو مذهب جمهور العلماء، وبه قال عطاء، وأبو بردة، ومحمد بن سيرين، وإسحاق، وداود - كما في «المجموع» «3/ 419» -، وأحمد أيضاً - كما في «الترمذي» ، ورواه عنه أبو داود في «مسائله» «33» ، ولعلنا نذكر نصه قريباً -، وهو قول الإمام أبي يوسف، ومحمد - كما ذكر الطحاوي «1/ 140 - 142» -، واختاره
«1» ؛ خلافاً لأبي حنيفة -، ومالك وغيرهما: أن الإمام يقتصر على التسميع فقط. واحتجوا بحديث أبي هريرة الآتي، ولا حجة فيه - كما سنبينه إن شاء الله تعالى -.
ومن الحجة للأولَين الحديث المذكوُر بعد هذا؛ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» .
فهو نص عام، يشمل كل مُصَلٍّ؛ أن يقول ويصلي كما كان صلى الله عليه وسلم يصلي، ولا يجوز رد حديث - لا سيما إذا - بلغ مبلغ التواتر، أو كاد؛ كحديث أبي هريرة هذا الذي نحن في صدد الكلام عليه .. لا يجوز رده لحديث آخر؛ طالما يمكن الجمع بينهما - كما في الأصول قد تقرر.
قواه: «إنما جُعل الإمام ليؤتم به. .. وإذا قال: «سمع الله لمن حمده» ؛ فقولوا: «اللهم ربنا ولك الحمد» هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقد مضى في أوائل الكتاب في «الصلاة قاعداً» [ص 87]، وقد أخرجه مسلم «2/ 19 - 20» من طرق عنه.
ومن حديث أنس أيضاً، وعائشة: عند الشيخين. وقد سبق تخريجهما هناك.
وفي الباب عن أبي موسى الأشعري، وقد مضى في «التأمين» .
وعن أبي سعيد. وتقدم في الأوائل.
وكلها أحاديث صحيحة، وقد احتج بها من خَصَّ المؤتم بالتحميد دون الإمام، وهم من ذكرنا آنفاً. كما أنهم احتجوا بها على أنه ليس للمؤتم أن يقول:«سمع الله لمن حمده» .
قال الحافظ في «الفتح» «2/ 143» : «وليس في السياق ما يقتضي المنع من ذلك؛ لأن السكوت عن الشيء لا يقتضي ترك فعله. نعم؛ مقتضاه أن المأموم يقول: «ربنا! لك الحمد» عقب قول الإمام: «سمع الله لمن حمده» . فأما منع الإمام من قول: «ربنا! ولك الحمد» ؛ فليس بشيء؛ لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بينهما». اهـ.
قلت: وكذلك مَنْعُ المأموم من قول التسميع ليس بشيء أيضاً، ولعموم قوله
- صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» . وللحديث الذي بعده: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» .
فإن من الائتمام به أن يقول بقوله، إلا ما استثناه الدليل؛ كالقراءة وراء الإمام في الجهرية - على ما سبق بيانه في محله -.
ولذلك قال الخطابي في «المعالم» «1/ 210» : «قلت: وهذه الزيادة - يعني: التسميع - وإن لم تكن مذكورة في الحديث نصاً؛ فإنها مأمور بها الإمامُ. وقد جاء: «إنما جعل الإمام ليؤتم به» . فكان هذا في جميع أقواله وأفعاله، والإمام يجمع بينهما، وكذلك المأموم، وإنما كان القصد بما جاء في هذا الحديث مداركةَ الدعاء والمقارنة بين القولين؛ ليستوجب بها دعاء الإمام، وهو قوله:«سمع الله لمن حمده» ليس بيان كيفية الدعاء، والأمر باستيفاء جميع ما يقال في ذلك المقام؛ إذ قد وقعت الغُنْيَةُ بالبيان المتقدم».
ونحوه - وأوضح منه - قول النووي في «المجموع» «3/ 420» : «إن معنى الحديث: «قولوا: «ربنا لك الحمد» مع ما قد علمتموه من قول: «سمع الله لمن حمده» . وإنما خص هذا بالذكر؛ لأنهم كانوا يسمعون جهر النبي صلى الله عليه وسلم بـ: «سمع الله لمن حمده» . فإن السنة فيه الجهر، ولا يسمعون قوله:«ربنا لك الحمد» ؛ لأنه يأتي به سراً - كما سبق بيانه -. وكانوا يعلمون قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» .
مع قاعدة التأسي به صلى الله عليه وسلم مطلقاً، وكانوا يوافقون في:«سمع الله لمن حمده» ؛ فلم يحتج إلى الأمر به، ولا يعرفون:«ربنا لك الحمد» ؛ فأمروا به.
قال الحافظ «2/ 225» : «وهذا الموضع يقرب من مسألة التأمين - كما تقدم -؛ من أنه لا يلزم من قوله: «إذا قال: {وَلَا الضَّالِّينَ}؛ فقولوا: آمين» . أن الإمام لا يُؤَمّن بعد قوله: {وَلَا الضَّالّيِنَ} .
وليس فيه أن الإمام يؤمن، كما أنه ليس في هذا أنه يقول:«ربنا لك الحمد» . لكنهما مستفادان من أدلة أخرى صحيحة صريحة؛ كما تقدم في «التأمين» ، وكما مضى في هذا الباب؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين التسميع والتحميد.