الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد روى تمام الرازي في «الفوائد» ، وابن أبي داود في «المصاحف» «7/ 2» ، وأبو نعيم في «أخبار أصبهان» «1/ 104» ، والحاكم «2/ 231» قراءة:{مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} بإسناد صحيح. ووافقه الذهبي.
«وهذه القراءة متواترة؛ كالأولى: {مَالِكِ}» .
[أصل صفة الصلاة (1/ 297)]
رُكنيةُ {الفَاتِحَة} وفضائلُها
وكان صلى الله عليه وسلم يُعَظّم من شأن هذه السورة؛ فكان يقول: «لا صلاة لمن لم يقرأ [فيها] بـ: «فاتحة الكتاب» [فصاعداً]». وفي لفظ: لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها بـ: «فاتحة الكتاب» . وتارة يقول: «من صلى صلاة لم يقرأ فيها بـ: «فاتحة الكتاب» ؛ فهي خِداج، هي خِداج، هي خِداج؛ غير تمام».
خداج: أي: ناقصة، وقد أكد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:«غير تمام» .
قال ابن عبد البر: «والخداج: النقصان والفساد. من ذلك قولهم: أخدجت الناقة وخدجت: إذا ولدت قبل تمام وقتها، وقبل تمام الخلق، وذلك نتاج فاسد» .
فالحديث دليل على فساد صلاة من لم يقرأ «الفَاتِحَة» ؛ وإنْ قرأ فيها بغيرها من القرآن. ويدل على ذلك أيضاً الحديث الذي قبله؛ فإنه نفى الصلاة بترك «الفَاتِحَة» ، والظاهر أن المراد: نفي كلها لا كمالها؛ لما سيأتي. ثم قال ابن عبد البر: وقد زعم من لم يوجب - أي: يفرض - قراءة «فاتحة الكتاب» في الصلاة أن قوله: «خداج» . يدل على جواز الصلاة؛ لأنه النقصان، والصلاة الناقصة جائزة.
وهذا تحكم فاسد، والنظر يوجب أن لا تجوز الصلاة؛ لأنها صلاة لم تتم، ومن خرج من صلاته قبل أن يتمها؛ فعليه إعادتها. اهـ من «الاستذكار» ؛ نقلاً من «التعليق الممجد» «93» .
وقد ذهب إلى فرضية «الفَاتِحَة» ، وأنه لا يجزئ غيرها: مالك، والشافعي،
وأحمد، وجمهور العلماء؛ من الصحابة والتابعين ومن بعدهم - كما في «المجموع» «3/ 327» -، واحتجوا بهذا الحديث، وبالحديث الذي قبله، وقالوا: إن المراد به: نفي ذات الصلاة أو صحتها، لا: كمالها، وأيدوا ذلك باللفظ الآخر:«لا تجزئ» . فنفى إجزاءها؛ وهو المراد.
وخالف في ذلك أبو حنيفة، ومحمد فقالا بوجوب قراءة «الفَاتِحَة» ؛ لا فرضيتها - بناءً على اصطلاحهم في التفريق بين الواجب والفرض -، وقالوا بصحة الصلاة بتركها، وأجابوا عن الحديث بأن المراد به: نفي الكمال؛ أي: لا صلاة كاملة.
وأجاب الجمهور بأنه خلاف الحقيقة، وخلاف الظاهر والسابق إلى الفهم، وأجابوا أيضاً عن الحديث الثاني بما ذكرناه عن ابن عبد البر - وسمعت الجواب عنه -، وقالوا: إن فرض القراءة التي لا تصح الصلاة إلا بها: ثلاث آيات قصيرات. وفي رواية عن أبي حنيفة: آية واحدة؛ ولو نحو قوله تعالى: {ثُمَّ نَظَرَ} . واحتجوا على ذلك بقوله: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ} .
وفي هذا الاستدلال نظر من وجوه: الأول: أن الآية وردت في قيام الليل؛ لا في تقدير القراءة - كما هو المتبادر من سياق الآية -؛ قال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ. .. } الآية.
ويدل لذلك أيضاً سبب نزولها؛ وهو ما أخرجه مسلم «2/ 168 - 169» ، وابن نصر «2 - 3» وغيرهما في حديث عن سعد بن هشام بن عامر - عن عائشة - قال: قلت: يا أم المؤمنين! أنبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ألست تقرأ: {يَا أَيُّهَا المُزَّمِّلُ} ؟ قلت: بلى.
قالت: فإن الله عز وجل افترض قيام الليل في أول هذه السورة؛ فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم.
وأصحابه حولاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً في السماء حتى أنزل الله في آخر هذه السورة التخفيف؛ فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة. .. الحديث.
فعلى هذا؛ فمعنى الآية: فصلوا ما تيسر لكم من صلاة الليل؛ عبر عن الصلاة بالقراءة، كما عبر عنها بسائر أركانها. قاله الآلوسي الحنفي في «روح المعاني» .
فالآية من إطلاق الجزء وإرادة الكل، وهذا منه كثير في نصوص الشرع؛ كقوله تعالى:{وَقُرْآنَ الفَجْرِ} أي: صلاة الفجر. ثم قال الآلوسي: «وقيل: الكلام على حقيقته؛ مِنْ طلب قراءة القرآن بعينها. وفيه بُعْدٌ عن مقتضى السياق» . اهـ.
وقال ابن نصر رحمه الله: «وقد احتج بعض أصحاب الرأي في إيجاب القراءة في الصلوات المكتوبات «بهذه الآية» ؛ فأسقطوا فرض قراءة «الفَاتِحَة» متأولين لهذه الآية، فقالوا: إنما عليه أن يقرأ مما تيسر من القرآن، ولا عليه أن لا يقرأ بـ:«فاتحة الكتاب» . ثم ناقضوا؛ فقالوا: لا بد أن يقرأ بثلاث آيات فصاعداً، أو بآية طويلة نحو: آية الدين، أو آية الكرسي، فإن قرأ بآية قصيرة نحو:{مُدْهَامَّتَانِ} ، و {لَمْ يَلِدْ} ؛ لم يجز، وليست هذه الآية من القراءة في الصلوات المكتوبات في شيء؛ إنما أنزلت الآية - على ما أعلمتك - بقيام الليل، وإنما أخذت القراءة في الصلوات المكتوبات عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ كما أخذ عدد الركوع، والسجود، وسائر ما في الصلاة عن النبي عليه السلام، ويقال لهم: خبرونا عمن لم يتيسر عليه قراءة شيء من القرآن في الصلاة، ولم يخف؛ هل توجبون عليه أن يتكلف مقدار ما حددتم؛ من قراءة ثلاث آيات، أو آية طويلة؛ وإن ثقل ذلك عليه، ولم يتيسر؟ ! فإن قالوا: نعم. قيل: من أين أوجبتم عليه قراءة ما لم يتيسر عليه، وإنما أمره الله بقراءة ما تيسر في زعمكم؟ ! ويلزمكم أن تجيزوا للمصلي إذا افتتح الصلاة أن يقول:«ألف» ويركع، ويقول: لم يتيسر علي أكثر من ذلك. فإذا أجازوا ذلك؛ خالفوا السنة، وخرجوا من قول أهل العلم». اهـ[بتصرف].
قلت: وهذا الإلزام الأخير لهم أن يجيبوا عنه بقولهم: إن قول المصلي: «ألف» .
ليس بقراءة عرفاً؛ فلا تشمله الآية، فلا يلزمنا ما ذكرتَ.
وأما الإلزام الذي قبله؛ فهو إلزام قوي، لا جواب لهم عليه.
الوجه الثاني: سلمنا - جدلاً - أن الآية واردة في تقدير القراءة - كما زعموا -؛
فمن أين لهم تقدير ذلك بآية، أو ثلاث آيات؟ فلو عارضهم معارض، فقدرها بآيتين، أو بأربع، أو بست؛ فبماذا يجيبونه؟ وما الفرق بينه وبينهم؟ ! والنظر الصحيح يقتضي - بناء على هذا التسليم - أن المفروض ما تيسر من القراءة؛ بدون تحديد، وذلك يختلف باختلاف المصلين، فمن كان ميسوراً عليه أن يقرأ بسورة «البَقَرَة» - مثلاً -؛ فيفترض عليه أن يقرأ بها. وهذا مما لا يقولون به.
الوجه الثالث: أن يقال: هَبُوا أن ما فهمتموه من الآية صحيح؛ فغاية ما تفيد فرضيةَ القراءة، لا ركنيتها؛ فمن أين لكم القول بركنيتها، المستلزم لبطلان الصلاة بتركها؟ ! فإن قالوا: هو قوله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بقراءة» . - أخرجه مسلم «2/ 10» وغيره من حديث أبي هريرة -.
قلنا: هذا مطلق، قيده أبو هريرة في أحاديثه الأخرى - وقد مضت -؛ فلا حجة لكم فيه.
ولعله من أجل هذا ذهب بعض علمائنا الحنفية إلى أنها ليست بركن؛ ومنهم الغزنوي صاحب «الحاوي القدسي» - كما في «البحر الرائق» «1/ 308، 309» -
ثم نقول - وهو -: الوجه الرابع: قد تبين مما سلف أنهم قيدوا الآية بآرائهم، ولم يدعوها مطلقة، وإلا؛ لزمهم ما ذكرنا. فحينئذٍ يقال: إذا كان ولا بد من تقييدها؛ فتقييدها بالنص الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم خير من تقييدها بالرأي المحض. وقولهم: إن ذلك لا يجوز؛ لأنه خبر آحادي، ولا يجوز الزيادة به على القرآن. لا يفيدهم شيئاً؛ لأننا نقول:
إن هذا الخبر ليس شيئاً زائداً على القرآن؛ بل هو بيان له، وقد قال تعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهُمْ} .
ثم إن سلمنا أنه زيادة على القرآن؛ فما الدليل على أنه لا يجوز الزيادة عليه بالخبر الصحيح؟ ! وأعتقد أن الحنفية هم أول من خالف هذه القاعدة التي قرروها بأنفسهم؛ فكم من أحكام زادت على القرآن، اعتماداً على الحديث الصحيح؛ بل وعلى الرأي المحض في كثير من المواقف؛ ولا يتسع المقام لضرب الأمثلة على ذلك!
ثم إنما ينفعهم قولهم ذلك لو أنهم لم يزيدوا على الآية بآرائهم، أما وقد فعلوا؛ فما أوردوه علينا وارد عليهم من باب أولى - كما لا يخفى -؛ على أنا نقول - وهو -: الوجه الخامس: إننا لا نُسَلِّم أن الحديث آحادي؛ فقد ذكرنا له طرقاً كثيرة عن جمع من الصحابة يخرج بها قطعاً من كونه خبراً آحادياً؛ وإنما قال ذلك الفقهاء، وإنما يؤخذ بقولهم فيما هو اختصاصهم من الفقه، وأما أقوالهم في الحديث؛ فليست بحجة، لاسيما إذا كانوا من الفقهاء الجامدين على الفقه الذين يحتجون بأحاديث ضعيفة؛ بل موضوعة - كأغلب فقهاء الحنفية -، ولا سيما إذا كان قولهم مخالفاً لقول بعض أئمة الحديث، وعلى الأخص إذا كان هذا أمير المؤمنين في الحديث - وهو الإمام البخاري -؛ فقد نص على أن هذا الحديث متواتر؛ فقال في «جزء القراءة» «4»:«وتواتر الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة إلا بقراءة «أم القرآن» .
وحينئذٍ يجوز الزيادة بهذا الخبر على القرآن؛ على قواعد الحنفية أنفسهم.
وقد ذكَّرتني بعض هذه القواعد إيراداً آخر يرِد عليهم، وهو: الوجه السادس: جاء في أصول الحنفية أن الفرض: ما ثبت بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة. فإذا لم يوجد أحد الشرطين؛ لم يثبت الفرض، بل يثبت به الواجب عندهم. والذي يهمنا في هذا المقام انتفاء الشرط الثاني.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} . فقد أمر تعالى بالنحر، فهو بظاهره يفيد فرضية النحر، ولكنَّ العلماء المفسرين اختلفوا في هذا النحر؛ فذهب بعضهم إلى أنه نحر مطلق؛ شكراً لله على ما أعطاه من الخير الكثير، وذهب آخرون إلى أنه النحر في عيد الأضحى؛ بدليل قوله تعالى:{فَصَلِّ} ؛ أي: صلاة العيد. وبهذا قال الحنفية؛ فأوجبوا النحر في عيد الأضحى، ولم يقولوا بفرضيته؛ لهذا الاختلاف الذي جعل مفهوم الآية ظني الدلالة، لا قطعيَّها.
وبناء عليه نقول: إن قوله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ} . هو ظني الدلالة؛ لما سبق - مع أن الصحيح خلاف ما فهم الحنفية -، فلا يستقيم حينئذٍ الاحتجاج بها على فرضية القراءة؛ بل تدل على وجوبها، فقد سلمت الآية من
التعارض مع الحديث، ووجب الأخذ به على ظاهره، وهم لم يأخذوا به؛ خشية التعارض، وهو الذي دفعهم إلى تأويله بأن المراد به: نفي الكمال - كما سبق -. وقد قال أبو الحسن السندي الحنفي في «حاشيته على ابن ماجه» : وأما الكمال؛ فقد حقّق الكمالُ ضعفَه؛ لأنه مخالف، لا يصار إليه إلا بدليل، والوجود في كلام الشارع يحمل على الوجود الشرعي؛ دون الحسي. فمؤدى الحديث نفي الوجود الشرعي للصلاة، التي لم يقرأ فيها بـ:«فاتحة الكتاب» ؛ فتعين نفي الصحة. وما قاله أصحابنا أنه من حديث الآحاد - وهو ظني، لا يفيد العلم؛ وإنما يوجب الفعل -؛ فلا يلزم منه الافتراض.
ففيه: أنه يكفي في المطلوب أنه يوجب العمل بمدلوله، لا بشيء آخر، ومدلوله عدم صحة صلاة لم يقرأ فيها بـ:«فاتحة الكتاب» ، فوجوب العمل به؛ يوجب القول بفساد تلك الصلاة، وهو المطلوب.
فالحق أن الحديث يفيد بطلان الصلاة إذا لم يقرأ فيها بـ: «فاتحة الكتاب» . نعم؛ يمكن أن يقال: قراءة الإمام قراءة المقتدي؛ إذا ترك «الفَاتِحَة» ، وقرأها الإمام «انتهى» .
وهذا تحقيق بديع من السندي رحمه الله (1).
هذا، وقد ألزم الحنفية مخالفيهم من الجمهور القولَ بفرضية زيادة شيء من
(1) والعجب من علمائنا الحنفية ما استجازوا تقييد إطلاق الآية الكريمة بقوله عليه الصلاة والسلام: «لا صلاة إلا بـ: فاتحة الكتاب» .
مع أنه متفق على صحته، بينما خصصوا عمومها بقوله عليه الصلاة والسلام:«من كان له إمام؛ فقراءة الإمام له قراءة» .
مع كونه حديثاً مختلفا في صحته - كما سيأتي -.
فإن قيل: إنما استجازوا هذا؛ لأن عمومها ظني؛ بسبب أنه خُصَّ منه البعض، وهو:«المدرك في الركوع» إجماعاً.
فالجواب: أن هذا الإجماع غير صحيح؛ فقد خالف فيه جمع من الشافعية- كما هو مذكور في المطولات -.
ثم على التسليم به؛ فالإطلاق المفهوم من الآية هو ظني أيضاً؛ غير متفق عليه -كما سبق- فيجوز حينئذٍ تقييده بالظني من السنة؛ فتأمل. [منه].