الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكرته هنا؛ لأنه المسألة تأخذ شيئاً من القوة
…
مداخلة: . .. من باب الإضافة، الحافظ ابن حجر رحمة الله عليه في «فتح الباري» في الشرح طبعاً يذكر أن «ابن العربي» ادّعى ضعف زيادة وردت في بعض الأحاديث؛ لأنها من طريق زائدة، وتعقَّبه شيخنا «الحافظ العراقي» بأن زائدته ثقة كبير، لا يضر انفراده، فيما لو انفرد فمثله لا ينفرد في الواقع؛ لأنه يعني فعلاً ترجمته بيضاء جداً، حَطُّوه مع شعبة ومع كذا وأكبر منه. ..
الشيخ: بعض العلماء قالوا فيه ثقة ثبت، حتى هذا ذكرته أنا هناك، فسألني أحد الطلبة الظاهر عنده اشتغال وهذه ظاهرة طيبة في الواقع يعني: أن تكثر هذه الأسئلة قال لي: أنت قلت زائدة بن قدامة قالوا عنه بأنه ثقة ثبت، بمناسبة أنك صححت حديثه «رأيته يُحَرِّكها» قلت: نعم. قال: هل هذا خاص في روايته عن عاصم بن كليب أم هو عام؟ قلت له: أيهما أقوى. قال: إن كان عاماً. قلت: فهو عام، فهو ثقة ثبت في كل ما يروي عنه.
مداخلة: هو لما سأل يريد الأولى.
الشيخ: نعم؟
مداخلة: هو لما سأل يريد الأولى.
الشيخ: هو هذا، لكن لا هي بالعكس تماماً. ..
(الهدى والنور /135/ 26: 09: 00)
متى تكون الإشارة والتحريك في التشهد
؟
السائل: فضيلة الشيخ بالنسبة للإشارة بالسبابة في التشهد نرى الناس يفعلونها على ثلاثة أشكال وهي: الإشارة بها وعدم التحريك، الإشارة بها والتحريك بها على طول التشهد، أو الإشارة بها وتحريكها في بعض المواضع، نرجو التفصيل والإتيان بالدليل على القول الصحيح؟
الشيخ: لقد تكلمنا في هذه المسألة كثيرًا ولذلك فألخص الجواب عنها فأقول:
إن رفع الإصبع في التشهد سنةٌ ثابتةٌ في أحاديث كثيرة، ولكن لا يصح في شيء منها نفي التحريك، بل قد ثبت التحريك في حديثٍ صحيح صححه جماعةٌ من الأئمة المتقدمين والمتأخرين ألا وهو حديث وائل بن حُجرٍ رضي الله عنه الذي وصف لنا جلوس النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في جملة ما وصف لنا من صلاته عليه السلام، فذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حين جلس للتشهد رفع السبابة قال:«فرأيته يحركها يدعو بها» فقوله رضي الله عنه: «فرأيته يحركها يدعو بها» نصٌ صريحٌ على أن التحريك بدأ من ساعة جلوسه عليه الصلاة والسلام للتّشهد مستمرًا بالتحريك إلى الدعاء لأنه قال يدعو بها، أما تقنين التحريك مع لفظة الجلالة فهذا إنما هو مجرد رأيٍ ليس له أصلٌ لا في نص عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا في أثر عن صحابي، ولذلك فالرأي الصحيح هو ماجاء في صحيح حديث وائلٍ أنه عليه الصلاة والسلام كان يحركها مستمرًا في تحريكها حتى نهاية التشهد - أي إلى السلام -، لم يقترن به فعلٌ، أليس يقال:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ، مثلاً قد قال عليه الصلاة والسلام:«من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقام المحمود الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة» لم يُنقَل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء، ولكنه كما تسمعون حضَّ أمته على أن كل من قال هذا الدعاء بعد سماع النداء تحل له شفاعته الخاصة منه صلى الله عليه وسلم بهذا الداعي يوم القيامة، ألا يدخل من كان ملتزمًا لهذا الدعاء في عموم قوله تعالى في حق نبيه صلى الله عليه وسلم:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ؟ أليس من قال هذا الدعاء قد اقتدى به عليه السلام -أي بقوله-؟ ، فكما يكون الاقتداء بفعله؛ يكون الاقتداء بقوله وتعليمه عليه الصلاة
والسلام، ولذلك فالاستدلال بالآية السابقة؛ اعتراضًا وانتقادًا لما جاء في بعض كتب علم الأصول، أصول الفقه أنه إذا تعارض قوله صلى الله عليه وسلم مع فعلٍ له قُدِم قوله على فعله، ما كان ينبغي للسائل أن يحشر الآية السابقة لترجيح الأخذ بالفعل على القول، بل الصواب هو ماحكاه من أن العلماء يقولون: إذا تعارض قوله صلى الله عليه وسلم مع فعله قُدِمَ قوله على الفعل، والسبب في
ذلك أن القول الصادر من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو تشريعٌ من الله على لسانه صلى الله عليه وسلم للأمةِ كلها، أما فعله عليه الصلاة والسلام فقد يحيط به بعض الاحتمالات التي تجعل فعله خاصًا به عليه السلام، وهذا -يجب أن تنتبهوا- هذا الكلام الأخير إنما هو فيما إذا كان فعله مخالفًا لقوله عليه الصلاة والسلام؛ ففي هذه الحالة يقول العلماء إن فعله عليه السلام إذا خالف قوله ولم يمكن التوفيق بين فعله وقوله ولا مناص حينئذٍ من مخالفةِ إمّا الفعل وإمّا القول فحينئذ اتباع القول ومخالفة الفعل هو اللائق بالأمة ذلك لأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة - أؤكد في هذه الحالة فقط؛ أي حالة كون فعله مخالفًا لقوله - في هذه الحالة فقط يقال: يترك فعله عليه السلام له، ونأخذ نحن بقوله لما سبق ذكره آنفًا أن قوله تشريع عام للأمة أمّا فعله فيحيط به احتمالات، يمكن أن يكون فعله قبل أن يشرع للناس ماشرّع على لسان الله عز وجل ماشرّع بوحي من الله عز وجل لأمته، فيكون الفعل قبل القول، أو يكون فعله عليه الصلاة والسلام لعذرٍ لا ندري ما هو، أو يكون في النهاية أمرًا خاصًا، تشريعًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام لايشاركه فيه أحدٌ من المسلمين.
مثال ذلك مثلاً: من المقطوع به أن النبي عليه الصلاة السلام تزوج من النساء أكثر من أربع، بل مات عليه الصلاة والسلام وتحت عصمته تسع من النساء وهذا خلاف ماجاء في ظاهر قوله تعالى:{فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} وتأكد معنى المعنى الظاهر من هذه الآية بالحديث الذي جاء في السنن: أن رجلاً أسلم وتحته تسع من النسوة فلما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ذلك، قال له عليه الصلاة والسلام:«أمسك أربعًا منهن وطلّق سائرهن» هذا قوله عليه السلام وذاك فعله، فما موقف ذاك السائل الذي حشر الأية الكريمة في محاولة ترجيح الفعل على القول؟ لا يجد له سبيلاً إلا أن يمشي مع عامة المسلمين، علماء ومن دونهم، بأنَّ تَزَوُج النبي صلى الله عليه وسلم بتسعٍ من النساء بل وبأكثر من ذلك إنما هي خصوصيةٌ خصه الله تبارك وتعالى بها، فنحن ندع فعله له عليه السلام ونأخذ بقوله كما في الآية وفي الحديث المذكور آنفًا، والأمثلة على ذلك تكثر، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
ولعله يحسن بي في ختام الجواب على هذا السؤال أن أضرب مثلاً آخر حساسًا
له علاقة بحياتنا الإجتماعية في هذا الزمان، حيث أننا نخالف قوله صلى الله عليه وسلم محتجين بفعله مع أنه يرِد عليه ما ذكرته من الاحتمالات الثلاثة، ألا وهو شرب كثيرٍ من الناس قيامًا، وهم يعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن الشرب قائمًا، كما جاء في صحيح مسلم من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله تعالى عنه قال:«نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا» ، وفي روايةٍ:«زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا، فقيل له: أرأيت الأكل؟ قال: شرٌ» أي الأكل من قيام شر من الشرب من قيام، كثير من الناس نراهم يتساهلون فيشربون قيامًا، وإذا ما أوردت عليهم هذا الحديث مُذكِّرًا لهم بنهيه، بل بزجره صلى الله عليه وسلم لنا معشر المسلمين عن الشرب قائمًا، بادروك بقولهم: ألم يشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمًا؟ ، جوابنا: نعم، قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في غير ما حديث، وفي غير ما حالةٍ واحدةٍ أنه شرب قائمًا، ولكن ما العمل وأمامنا حديثٌ من قوله صلى الله عليه وسلم وهو زجرُه عن الشرب قائمًا وعندنا أيضًا فعله صلى الله عليه وسلم وهو شربه قائما، إذا عرفتم القاعدة السابقة وحاولتم التوفيق بين نهيه وفعله؛ لابد أنكم ستجدون أنفسكم إذا سلمتم بها أن تقولوا ربما أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا لأنه لم يتمكن من الشرب قاعدًا، وهذا يلاحظه الباحثون المتفقهون في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في بعض الأحاديث التي جاء فيها أنه صلى الله عليه وسلم شرب قائمًا، حيث في هذا الحديث وهو في سنن الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى قِربةٍ معلَّقةٍ فحل وكاءها وشرب منها قائمًا، أي أن القربة كانت مُعلَّقة، وليس من السهل إنزال القربة والشرب منها، وهو عليه الصلاة
والسلام جالسٌ، تصور هذه القصة يغنينا عن محاولة التكلف في بيان السبب الذي شرب عليه الصلاة والسلام قائمًا.
فالأحاديث التي ليس فيها بيان السبب تُحمَل إما على هذا المحمل وهو العذر، وإما على محمل ثاني وهو أن يكون الشرب قبل النهي، وإما على المحمل الأخير أن يكون ذلك حكمًا خاصًا به عليه الصلاة والسلام.
بعض العلماء ممن عالجوا هذه المسألة، حاولوا الجمع بين الفعل والقول، والمحاولةُ في الأصل أمر مطلوب ولكن بشرطِ أن تكون المحاولة ليس فيها تكلفٌ، وليس فيها تعطيل لقوله عليه الصلاة والسلام بوجه من وجوه التأويل، كما سترون
فيما يأتي، قالوا توفيقًا بين فعله صلى الله عليه وسلم بين شربه قائمًا وبين نهيه عن الشرب قائمًا، نحمل النهي على التنزيه؛ أي يكون الحكم أن الشرب قيامًا هو مكروهٌ وليس بحرام، فالأولى أن يشرب الشارب جالسًا، هذا ما قاله بعض أهل العلمِ ومنهم الإمام النووي، لكن هذا الجمع وقف عند لفظ نهى، لكنه لو تعدّى نظر الجامع المذكور إلى الرواية الآخرى التي تقول:«زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا» ؛ لوجد نفسه غير موفق في ذلك التوفيق، لأن الزجر أقوى من النهي، الزجرُ كما لوكان النص حرّم رسول الله الشرب قائمًا، حينئذ لا سبيل إلى تأويل التحريم إلى الكراهة التنزيهية، ولذلك فالتأويل السابق كان يمكن أن يكون سائغًا ومقبولاً لولا الرواية الأخرى:«زجر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشرب قائمًا» أما وهي أيضًا صحيحة وفي صحيح مسلم؛ فبذلك يثبت أن ذلك التأويل تأويل هزيل، لاينبغي الاعتماد عليه، يزداد التأويل المذكور ضعفًا على ضعفٍ، فيما إذا تذكرنا حديثًا آخر أخرج معناه الإمام مسلم في صحيحه أما اللفظ فأخرجه الإمام أحمد في مُسنده أن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم رأى رجلاً يشرب قائمًا فقال له:«يافلان أترضى أن يشرب معك الهر؟ قال: لا يارسول الله، قال: فقد شرب معك من هو شرٌ من الهر الشيطان، شرب معك الشيطان لأنك شربت قائمًا» ثم قال له عليه الصلاة والسلام أو لغيره ممن شرب قائمًا: «قئ قئ» أمره بأن يستفرغ الماء الذي شربه قائمًا، هذا حكم مكروه كراهة تنزيهية أن يُكلَّف من ارتكب مكروهًا أن يشق على نفسه وأن يستفرغ ما في بطنه من الماء، ليس هذا سبيل المكروهات وإنما هو سبيل
المحرمات ثم إذا كان الشيطانُ قد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بأنه قد شارك هذا الشارب للماء قائمًا، أفيكون هذا ايضًا مكروهًا كراهةً تنزيهية؟ الجواب: كلا ثم كلا ثم كلا، وختام القول أن هذا مثالٌ صالح، كيف ينبغي، أو لماذا قال أهل العلم بأنه إذا تعارض القولٌ مع الفعلِ قُدِمَ القول على الفعل، هذا أمر لا يشك فيه منّ تتبع أحكام الشريعة في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فإنه سيجد نفسه مضطرًا إلى القول بما قاله هؤلاء العلماء؛ أنه إذا تعارض فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله قُدِمَ القول على الفعل، هذا حينما لا يمكن التوفيق بين فعله وقوله كما ضربنا لكم آنفًا مثل الشرب قيامًا، ومثل التزوج بأكثر من أربع وفي هذا