الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل رفع الإصبع في التشهد
وكان إذا رفع أصبعه السبابة؛ يحركها يدعو بها»، ويقول:«لهي أشد على الشيطان من الحديد» . يعني: السبابة.
وقوله: «يدعو بها» ؛ قال الإمام الطحاوي في «شرح المعاني» «1/ 153» : «فيه دليل على أنه كان في آخر الصلاة» .
قلت: وذلك لأن الدعاء إنما يشرع عند الجمهور - خلافاً لابن حزم كما سيأتي - في التشهد الذي يليه السلام؛ كما هو ثابت في السنة، ففي ذلك دليل أيضاً على أن السنة أن يستمر في الإشارة، وفي تحريكها إلى السلام؛ لأن الدعاء قبله، وهو مذهب مالك وغيره، وسئل الإمام أحمد: هل يشير الرجل بإصبعه في الصلاة؟ قال: «نعم؛ شديداً» . ذكره ابن هاني في «مسائله عن الإمام أحمد» «ص 80» .
قلت: ومنه يتبين أن تحريك الإصبع في التشهد سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، عمل بها أحمد وغيره من أئمة السنة؛ فليتق الله رجال يزعمون أن ذلك عبث لا يليق بالصلاة؛ فهم من أجل ذلك لا يحركونها مع علمهم بثبوتها، ويتكلفون في تأويلها بما لا يدل عليه الأسلوب العربي، ويخالف فهم الأئمة له! ومن الغرائب: أن بعضهم يدافع عن الإمام في غير هذه المسألة - ولو كان رأيه فيها مخالفاً للسنة -؛ بحجة أن تخطئة الإمام يلزم منها الطعن فيه وعدم احترامه! ثم ينسى هذا؛ فيرد هذه السنة الثابتة، ويتهكم بالعاملين بها، وهو يدري - أو لا يدري - أن تهكمه يصيب أيضاً هؤلاء الأئمة الذين من عادته فيهم أن يدافع عنهم بالباطل، وهم هنا أصابوا السنة! بل إن تهكمه به يصيب ذات النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه هو الذي جاءنا بها، فالتهكم بها تهكم به، {فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلَّا
…
}؟ ! .
وأمأ قول الشيخ علي القاري في «تزيين العبارة» «17» : «إن الصحيح المختار عند جمهور أصحابنا أنه يشير بالمسبّحة؛ رافعاً لها عند النفي واضعاً لها عند الإثبات، ثم يستمر على ذلك؛ لأنه ثبت العقد عند الإشارة بلا خلاف، ولم يوجد أمر يُغَيِّرُهُ؛
فالأصل إبقاء الشيء على ما هو عليه، واستصحابه إلى آخر أمره ومآله إليه».
فكلام غير صحيح من حيث الدليل؛ لأنه مبني على أن الوضع ثابت في السنة بعد الرفع، وليس كذلك - كما سبق -.
وعليه يعود الأصل الذي ذكره عليه؛ فإنا نقول: إذا كان قد ثبت في السنة الرفع، ثم لم يرد الوضع بعد ذلك؛ فالأصل إبقاء الشيء على ما هو عليه، واستصحابه إلى آخر أمره ومآله إليه. فهذا الأصل يقتضي إبقاء الأصبع مرفوعة إلى آخر التشهد كما لا يخفى. هذا يقال لو لم يأت الحديث مبيناً لذلك؛ فكيف وقد اتفق الأصل والفرع؟ ! وقد وجدت في ذلك حديثاً آخر - وإن كان في صحته نظر؛ فإنه في الشواهد معتبر -، وهو: ما أخرجه الترمذي «2/ 278 - طبع بولاق» من طريق عبد الله بن مَعْدَان: أخبرني عاصم بن كُليب الجَرْمي عن أبيه عن جده قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، وقد وضع يده اليسرى على فخذه اليسرى، ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه، وبسط السبابة؛ وهو يقول:«يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك» .
وكذلك رواه أبو يعلى، والبغوي، ومُطَيِّن، والباوَرْدي، والطبري عن ابن معدان به - كما في «الإصابة» «2/ 159» -، وقال الترمذي، ثم البغوي:«غريب» . ثم قال الحافظ: «رجاله موثقون؛ إلا أن أبا داود قال: عاصم بن كُلَيب عن أبيه عن جده: ليس بشيء» .
فهذا الحديث مثل حديث وائل في إثبات استمرار الرفع حتى الدعاء؛ لكنه أخص من حديث وائل؛ فإن هذا يفيد استمرار التحريك أيضاً - كما هو مذهب مالك وغيره -، وهو حجة على الشافعية.
وقول البيهقي «2/ 132» :