الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يتلقى الأرض بكفيه، وذلك ما صرح به الحديث الصحيح، وبذلك يتفق شطره الأول مع شطره الثانى خلافا لمن ظن أن فيه انقلابا واحتج على ذلك بهذا الحديث الواهى الباطل وبغير ذلك مما لا يحسن التعرض له في هذا المكان فراجع تعليقنا على «صفة صلاة النبى صلى الله عليه وسلم» «ص 100 ـ 101» .
فائدة: ثبت مما تقدم أن السنة الصحيحة في الهوى إلى السجود أن يضع يديه قبل ركبتيه، وهو قول مالك والأوزاعى وأصحاب الحديث كما نقله ابن القيم في «الزاد» والحافظ في «الفتح» وغيرهما وعن أحمد نحوه كما في «التحقيق» «ق 108/ 2» لابن الجوزى.
[إرواء الغليل تحت حديث رقم (357)]
من الأدلة على أن النزول للسجود إنما يكون على اليدين
جاء في حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم: ة «ثم يهوي إلى الأرض»
[قال الإمام]:
أي ينحط على الأرض ساجدًا بقوة .. وإذا صح هذا فهذه الهيئة لا تصدق على من يسجد على ركبتيه لأنه يكون مقرونًا بالأناة والهوينى وإلا اصطدمت ركبتاه بالأرض، وشابه البعير في بروكه تمام المشابهة، وهذا مشاهد لأكثر المصلين لمن تأمله، فهل من معتبر؟ !
صحيح موارد الظمآن (1/ 242)
ركبتا البعير في مقدمته
[روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال]: «كان يخر على ركبتيه، ولا يتكئ» . ضعيف.
[قال الإمام]:
تنبيه هام، وهو أن البعير يبرك على ركبتيه، يعني اللتين في مقدمتيه، وإذا كان كذلك لزم أن لا يبرك المصلي على ركبتيه كما يبرك البعير، لما ثبت في أحاديث كثيرة من النهي عن بروك كبروك الجمل، وجاء في بعضها توضيح ذلك من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ:«إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه» . رواه أبو داود بسند جيد، وفي رواية عن أبي هريرة بلفظ:«كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد بدأ بوضع يديه قبل ركبتيه» . أخرجه الطحاوي في «شرح المعاني» «1/ 149» هو الذي قبله بالسند المشار إليه آنفا، وروى له شاهدا من حديث ابن عمر من فعله وفعل النبي صلى الله عليه وسلم. وسنده صحيح، وصححه الحاكم والذهبي. فهذه الأحاديث الثابتة تدل على نكارة الأحاديث المتقدمة جميعها، ومما يدل على ضعف بعضها من جهة ما فيها من الزيادة في هيئة القيام إلى الركعة الثانية، حديث أبي قلابة قال:«كان مالك بن الحويرث يأتينا فيقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيصلى في غير وقت الصلاة، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة استوى قاعدا، ثم قام فاعتمد على الأرض» . أخرجه الإمام الشفاعي في «الأم» «1/ 101» والنسائي «1/ 173» والبيهقي «2/ 124 - 135» بإسناد صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البخاري «2/ 241» من طريق أخرى عن أبي قلابة نحوه. ففيه دلالة صريحة على أن السنة في القيام إلى الركعة الثانية إنما هو الاعتماد، أي باليد، لأنه افتعال من العماد، والمراد به الإتكاء وهو باليد كما في «الفتح» قال:«وروى عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يقوم إذا رفع رأسه من السجدة معتمدا على يديه قبل أن يرفعهما» ، قلت: وفيه عنده «2964، 2969» العمري وهو ضعيف، لكن الاعتماد فيه شاهد قوي سأذكره بإذن الله تحت الحديث الآتي برقم «967» .
فقد ثبت مما تقدم أن السنة الصحيحة إنما هو الاعتماد على اليدين في الهوي إلى السجود وفي القيام منه، خلافا لما دلت عليه هذه الأحاديث الضعيفة، فكان ذلك دليلا آخر على ضعفها.
السلسلة الضعيفة (2/ 331 - 332).
النزول للسجود على اليدين
قال الشيخ: مسألة الهَوْي إلى السجود، أكثر الناس حتى في المملكة يَبْركون بروك الإبل، وهذا من العجائب والغرائب؛ لأن السعوديين والحجازيين هم أهل بعران كما يقولون في بعض اللهجات، وهم يرون البعير كيف يبرك، يبرك على ركبتيه، فبسبب مثل هذه التعليلات [الضعيفة] أعرضوا عن فعله الصحيح وأمره الصريح، أما فعله فكما في «مستدرك الحاكم» وعلقه البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم «كان إذا سجد وضع يديه قبل ركبتيه» وروى ذلك نافع عن مولاه ابن عمر وقال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك» فهذا فعله ثم جاء قوله عليه السلام مؤيداً لفعله: «إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه» فجاء ابن القيم رحمه الله بالعجب العجاب في هذا البحث نحو صفحتين بتعليلات لو قالها غيره لكان ذلك كثيراً، أنه ادعى بأن هذا الحديث مقلوب، قال: أراد الراوي أن يقول فليضع ركبتيه قبل يديه، فقال: فليضع يديه قبل ركبتيه .. فهذه دعوى.
ومن العجب العجاب أنه أيد دعواه برواية نسبها لابن أبي شيبة يعني في المصنف، وهي من طريق عبد الله بن أبي سعيد المقبري، وهذا متروك متهم بالكذب، عارض بهذه الرواية رواية أبي داود وغيره بالسند القوي باللفظ الأول:«وليضع كفيه قبل ركبتيه» ، ثم ادعى ابن القيم بأن الذين يذهبون إلى وضع اليدين قبل الركبتين، زعموا بأن ركبتي البعير في مقدمتيه، قال: وهذا لا أصل له في اللغة وهذا أيضاً من العجائب؛ فإن كتب اللغة كلها متفقة على ما جاء في القاموس وغيره أن ركبتي البعير في مقدمتيه، قال وكذلك كل ذوات الأربع، ثم جاء في صحيح البخاري في قصة ملاحقة سراقة بن مالك للنبي صلى الله عليه وسلم حينما خرج مهاجراً من مكة إلى المدينة على فرسه، فلما اقترب منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر غاصت مقدمة الفرس إلى ركبتيه، هذا من صحيح البخاري يؤكد المعنى اللغوي أن ركبتي ذوات الأربع في مقدمتيها، فإذاً يستقيم الحديث مع اللغة:«إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه» لأن البعير حينما يبرك فأول شيء يضعه من بدنه هما ركبتيه.
ولذلك نحن نلاحظ نشاهد هذا بأم أعيننا خاصة في بلادنا الشامية؛ لأن المساجد هناك أرضها تكون باردة، فيفرشونها بالخشب، الحديث متفق مع اللغة تماماً، ثم مع الواقع؛ لأن البعير حينما يهوي جالساً يكون للأرض رجة خاصة إذا كان محملاً بالأثقال، فنحن في الشام تأتينا الجمال من الغوطة كما تحدثنا في مناسبة سبقت محملة بالخشب الجوز والمشمش ونحو ذلك، فعندما يبرك نكون نحن قريبين من البروك نسمع بأن الأرض ارتجت تحتنا.
ولما كانت المساجد مفروشة بالخشب تسمع للمصلين رجة وهم يبركون على الركب، أما هنا تسمع صوتاً لكن ليس له تلك الرجة بخلاف الذين يطبقون السنة القولية والفعلية، ويتلقون الأرض بأكفهم، لا تسمع لهم ركزا إطلاقاً، وهذا مما يليق بالصلاة التي قامت على الخشوع وعلى الهدوء والسكون كما قال عليه السلام في صحيح مسلم:«ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، اسكنوا في الصلاة. .. » ، فشتان بين من يسجد على ركبتيه، وبين من يسجد على كفيه، ثم أنا ألاحظ شيئاً وأنتم أهل اللغة أرجو أن تؤيدوني أو أن تصوبوني، لاحظت في كثير من الروايات الحديثية الصحيحة أنهم لما يذكرون صلاة النبي وسجوده، يقولون: ثم هوى ساجداً، فكلمة الهوي لا يمكن تطبيقها على طريقة الركوع على الركب، أن الهوى تعرفون معناه شيء كما يهوي النجم الثاقب بسرعة وبقوة، فلو نظرت إلى إنسان يسجد على ركبتيه تجده متأنياً، أما الذي يسجد على كفيه فعلاً يهوي هوي، والشيء الآخر والأخير أن في بعض الأحاديث في سنن أبي داود وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا هوى ساجداً جانح، وهذه المجانحة من طبيعة هذا الهَوْي على الكفين وليس من طبيعة السجود على الركبتين، لأن الذي يسجد تجده ضاماً عضديه إلى إبطيه، أما الذي يسجد على الكفين يفعل هكذا، فهذا ما عندي بهذه المناسبة التي ذكرت آنفاً.
(الهدى والنور / 598/ 30: 18: 00)