الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير ومشروعية الدعاء فيه
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة 174:
ويجب عليه في هذا التشهد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الإمام في أصل الصفة:
وسنَّ فيه الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، كما سَنَّ ذلك في التشهد الأول. «وقد مضى هناك ذكر الصيغ الواردة في صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم» .
وقد سمع صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته؛ لم يُمَجِّدِ الله تعالى، ولم يُصَلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال:«عَجِلَ هذا» . ثم دعاه، فقال له أو لغيره:«إذا صلى أحدكم؛ فَلْيَبْدَأْ بتحميد ربه جل وعز، والثناء عليه، ثم يصلي «وفي رواية: ليصل» على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بعد بما شاء».
[وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً يصلي، فَمَجَّدَ الله، وحمده، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ادعُ؛ تُجَبْ، وسَلْ؛ تُعْطَ»].
قوله: «له أو لغيره» ؛ كذا في رواية أبي داود، والطحاوي:«أو» . ورواية الآخرين:
«له ولغيره» ؛ بالواو.
قال ابن القيم «246» : «وهي الرواية الصحيحة التي رواها ابن خزيمة، وابن حبان، وأحمد، والدارقطني، والبيهقي وغيرهم» .
قال: «و «أو» هنا ليست للتخيير؛ بل للتقسيم. والمعنى: أن أيَّ مصلٍّ صلى؛ فليقل ذلك، هذا أو غيره؛ كما قال تعالى:{وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} . ليس المراد التخيير؛ بل المعنى: أن أيهما كان؛ فلا تطعه، إما هذا، وإما هذا».
قوله: «والثناء عليه» ؛ أراد بذلك التشهدَ؛ بدليل: أنه ليس في الصلاة موضع يشرع فيه الثناء على الله تعالى، ثم الصلاة على رسوله، ثم الدعاء إلا في التشهد آخر الصلاة؛ فإن ذلك لا يشرع في القيام، ولا في الركوع، ولا في السجود اتفاقاً؛ فعلم أنه إنما أراد به آخر الصلاة حال جلوسه في التشهد. كذا في «الجلاء» «242» .
ويؤيد ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث رِشْدين: «إذا صليتَ، فقعدتَ؛ فاحمدِ الله
…
» الحديث.
وقول ابن مسعود: فلما جلستُ؛ بدأتُ بالثناء على الله، ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم دعوت لنفسي.
قوله: «يصلي» كذا رواه أبو داود، والطحاوي.
وقال الآخرون: «ليصلِّ» . بزيادة لام الأمر.
وقد استدل به على وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؛ لأن أمره صلى الله عليه وسلم للوجوب.
وقد ذهب إلى ذلك الإمام الشافعي، وكذا أحمد «في آخر الروايتين عنه» ، وإسحاق في رواية عنهما. وقد نقل القول بالوجوب عن جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم؛ «بل قال الآجري في «الشريعة» «ص 415»:«من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في تشهده الأخير؛ وجب عليه إعادة الصلاة» .
وذلك يرد قول من نسب الإمام الشافعي إلى الشذوذ لقوله بوجوبها - كالطحاوي وغيره -.
قال الحافظ «11/ 137» : «وأصح ما ورد في ذلك عن الصحابة والتابعين: ما أخرجه الحاكم بسند قوي عن ابن مسعود قال: يتشهد الرجل، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو لنفسه.
وهذا أقوى شيء يُحتج به للشافعي؛ فإن ابن مسعود ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد في الصلاة، وأنه قال:«ثم ليتخير من الدعاء ما شاء» .
فلما ثبت عن ابن مسعود الأمر بالصلاة عليه قبل الدعاء؛ دل على أنه اطلع على زيادة بين التشهد والدعاء، واندفعت حجة من تمسك بحديث ابن مسعود في دفع ما ذهب إليه الشافعي؛ مثل ما ذكر عياض؛ قال: وهذا تشهد ابن مسعود الذي علمه له النبي صلى الله عليه وسلم؛ ليس فيه ذكر الصلاة عليه.
وكذا قول الخطابي: إن في آخر حديث ابن مسعود: إذا قلت هذا؛ فقد قضيت صلاتك.
لكن رُد عليه بأن هذه الزيادة مدرجة، وعلى تقدير ثبوتها؛ فتحمل على أن مشروعية الصلاة عليه وردت بعد تعليم التشهد.
ويتقوى ذلك بما أخرجه الترمذي عن عمر موقوفاً: الدعاء موقوف بين السماء والأرض؛ لا يَصِلُ منه شيء حتى يُصلى على النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن العربي: ومثل هذا لا يقال من قبل الرأي؛ فيكون له حكم الرفع. انتهى.
وورد له شاهد مرفوع في «جزء الحسن بن عرفة» .
وأخرج المَعْمَريّ في «عمل يوم وليلة» عن ابن عمر بسند جيد قال: لا تكون صلاة إلا بقراءة، وتشهد، وصلاةٍ عليَّ.
وأخرج البيهقي في «الخلافيات» بسند قوي عن الشعبي - وهو من كبار التابعين - قال: من لم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد؛ فليُعِدْ صلاته. ثم قال الحافظ: «واستَدل له - يعني: الشافعيَّ - ابنُ خزيمة ومن تبعه بحديث فَضَالة بن عُبيد هذا» .
قال: «وهذا مما يدل على أن قول ابن مسعود المذكور قريباً مرفوع؛ فإنه بلفظه.
وقد طعن ابن عبد البر في الاستدلال بحديث فضالة للوجوب؛ فقال: لو كان كذلك؛ لأُمر المصلي بالإعادة كما أمر «المسيء صلاته» . وكذا أشار إليه ابن حزم.
وأُجيب باحتمال أن يكون الوجوب وقع عند فراغه، ويكفي التمسك بالأمر
في دعوى الوجوب».
وخير من هذا الجواب وأقوى قولُ ابن القيم في «الجلاء» «237» : «إنَّ هذا كان غير عالم بوجوبها، معتقداً أنها غير واجبة؛ فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالإعادة، وأَمَرَه في المستقبل أن يقولها. فأَمْرُه بقولها في المستقبل دليل على وجوبها.
وتَرْكُ أمرِه بالإعادةِ دليلٌ على أنه يعذر الجاهل بعدم الوجوب، وهذا كما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم «المسيء» في الصلاة بإعادة ما مضى من الصلوات - وقد أخبر أنه لا يحسن غير تلك الصلاة - عذراً له بالجهل.
فإن قيل: فلِمَ أمره أن يعيد تلك الصلاة، ولم يعذره بالجهل؟ قلنا: لأن الوقت باق، وقد علم أركان الصلاة؛ فوجب عليه أن يأتي بها.
فإن قيل: فهلا أمر تارك الصلاة عليه بإعادة تلك الصلاة، كما أمر «المسيء»؟ قلنا: أمرُه صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه فيها مُحْكَمٌ ظاهر في الوجوب.
ويحتمل أن الرجل لما سمع ذلك الأمر من النبي صلى الله عليه وسلم؛ بادر إلى الإعادة من غير أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن تكون الصلاة نفلاً؛ لا تجب عليه إعادتها.
ويحتمل غير ذلك؛ فلا يترك الظاهر من الأمر - وهو دليل محكم - لهذا المشتبه المحتمل. والله سبحانه وتعالى أعلم».
ومما يدلك على قوة هذا الجواب أنه ثبت في «صحيح مسلم» «2/ 70» وغيره عن معاوية بن الحكم السلمي: أنه تكلم في الصلاة فقال: واثُكل أمِّياه! ما شأنكم تنظرون إليَّ
…
الحديث.
فلم يأمره صلى الله عليه وسلم بالإعادة، ولكن علمه تحريم الكلام فيما يستقبل بقوله: «إن
هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس؛ إنما هو التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن».
أفيدل عدم أمره صلى الله عليه وسلم له بالإعادة على أن الكلام في الصلاة جائز؟ ! كلا، ثم