الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوله: «ورأى الشافعية أن يشير بالإصبع مرة واحدة وعند الحنفية. .. » .
قلت: هذه التحديدات والكيفيات لا أصل لشيء منها في السنة وأقربها للصواب مذهب الحنابلة لولا أنهم قيدوا التحريك عند ذكر الجلالة ويبدو أنه ليس من أحمد نفسه فقد ذكر ابن هانئ في «مسائله» ص 80 أن الإمام سئل: هل يشير الرجل بإصبعه في الصلاة؟ قال: نعم شديدا.
وظاهر حديث وائل المتقدم الاستمرار في التحريك إلى آخر التشهد دون أي قيد أو صفة
وقد أشار إلى نحو هذا الطحاوي في «شرح المعاني» 1/ 153.
[تمام المنة ص (223)]
تحريك الإصبع في التشهد هل تفرد به زائدة بن قدامة
؟
مداخلة: حديث تحريك الأصبع، هل تفرد به زائدة بن قدامة؟
…
الشيخ: نعم، أجبنا عنه في جلسة سابقة بجوابين:
الجواب الأول: أن المخالف هنا له صلة بشيخه واعتداد بروايته عنه أكثر من كل راو من أولئك الرواة الذين خالفوه، حيث قالوا في ترجمته بأنه ثقة ثبت ولعلهم خصوا بالذكر روايته عن عاصم الكبير، فهنا هذا الوصف يرفع من شأنه أكثر مما إذا قيل: فلان ثقة وخالفه الثقات الآخرون، فهنا ينطبق التعريف السابق.
الجواب الثاني: أن المخالفة هنا ليست مخالفة جذرية بحيث أنه جاء بشيء لم يأت أولئك به خلاف المثال السابق.
لعلكم تذكرون معي أن من أمثلة الحديث الشاذ الذي جاء في بعض كتب المصطلح منه: اختصار علوم الحديث لابن كثير، جاء بحديث ابن عمر: فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر عن كل .. من المسلمين .. زيادة من المسلمين، فردت
هذه الزيادة من بعض المتقدمين؛ لأنه تفرد بها مالك، ثم جاء الرد الصحيح بأن هذا التفرد ليس صحيحًا بل توبع على هذه الزيادة الإمام مالك من كثير من الثقات، فزيادة: من المسلمين، هي زيادة ثقة على ثقة، أو زيادة ثقات على ثقات، أما هنا في التحريك، ما الذي زاده؟ هو قال: رأيته يحركها، أولئك قالوا: أشار، فالإشارة في اللغة العربية ليس كما لو قال أولئك: لم يحركها، لو قالوا: لم يحركها أو لم يذكروا الإشارة مطلقًا حينذاك يقال: شذ هذا عن أولئك الثقات، لكن أولئك الثقات وافقوا هذا الثقة في رواية الإشارة لكن الإشارة ليست صريحة بالتحريك وإنما هي تحتمل الإشارة هكذا والإشارة هكذا؛ لأنك إذا قلت وقد رأيت رجلًا ينادي الآخر من بعيد، تقول: أشار بيده أو كفه فهذا لا ينافي أنه حرك كفه أو حرك أصابعه، فإذًا: هذا الثقة الذي ذكر كلمة: يحركها، لم يخالف الثقات؛ لأننا لا نستطيع أن نقول: أن أولئك الثقات يعنون أشار إشارة بغير تحريك، لو كان كذلك كنا نقول: إنه حديث شاذ.
يوجد في سنن أبي داود حديث ابن الزبير يروي جلوس النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد وأنه لما جلس رآه يشير بإصبعه ولا يحركها، رواية جامعة مانعة أثبت الإشارة ونفى التحريك، هذا لو كان كذلك الأمر في حديث عاصم بن كليب لكان مثالًا أيضًا جيدًا لكن حديث ابن الزبير هذا في أبي داود هو الشاذ، بل هو المنكر والسبب في ذلك أن هذا الحديث مروي من طريق محمد بن عجلان المدني، عن عامر بن عبد الله ابن الزبير عن أبيه، أنه رأى الرسول عليه السلام، محمد بن عجلان تعلمون أن فيه كلامًا وأن الذي استقر عليه رأي العلماء أنه حسن الحديث، وهنا يأتي الآن أن من كان حديثه حسنًا فحديثه معرض لخلخلة لأدنى مناسبة، وهذا الذي وقع في خصوص هذا الحديث، فالحديث في سنن أبي داود من رواية شخص .. هو محمد بن عجلان ثم جاء رواة ثقات ورووا الحديث عن ابن عجلان بدون: لا يحركها، فقط: رأيته يشير بها ولم يذكر: ولا يحركها، صار هذا الحديث شاذًا بالنسبة للراوي الأول الذي ظننه أنه زياد بن كعب وهو ثقة، فهو شذ عن الجماعة الذين رووا الحديث كلهم عن محمد بن عجلان إلى آخره.
أنا شخصيًا أقول: هذا الثقة الذي روى زيادة: ولا يحركها، محمد بن عجلان لا نستطيع أن نقول: شذ عن الجماعة؛ لأننا حينما نقول ذلك معناه أنه أخطأ على ابن عجلان وأنه زاد عليه ما لم يقله بدليل رواية الثقات الآخرين، هذا يقال فيما لو كان محمد بن عجلان في الثقة مثل الراوي عنه، أما وهو دونه فأنا أتصور وهذا يعني: أنا متشبع به تمامًا مقتنع به بمثل هذه الصورة لا نتهم الثقة بأنه زاد على مثل هذا الراوي وإنما نتهم الراوي نفسه أنه هو تارة روى في رواية على الصحة بدون زيادة: لا يحركها، وتارة لأن في حفظه ضعفًا زاد هذه الزيادة، التقطها منه من؟ هذا الراوي الثقة، وأولئك سمعوا الحديث منه على الجادة، هذه واحدة.
والأخرى وهي أهم: أن محمد بن عجلان توبع في رواية أصل الحديث دون هذه الزيادة، فإذًا: الخطأ من من؟ من ابن عجلان.
ولهذا أقول: أن البيهقي رحمه الله لما ذكر حديث عاصم بن كليب في زيادة: رأيته يحركها، ذكره بعد أن ذكر حديث أو قبيل حديث ابن الزبير: ولا يحركها، قال في سبيل الجمع بين الروايتين بلفظة الترجي، قال: ولعل مقصود رواية عاصم بن كليب أنه يحركها، يعني: يشير بها، برواية ابن الزبير أنه كان لا يحركها.
فأنا رأيت أن هذا الجمع هو جمع فقهي أكثر ما يكون من أن يكون جمعًا حديثيًا؛ لأن هذا الجمع إنما يصار إليه إذا كان الروايتان المختلفتان قويتان كما قال ابن حجر العسقلاني رحمه في كتابه: شرح النخبة: أن الحديث إذا جاء حديثان من قسم المقبول متعارضين وفق بينهما بطريق من التوفيق، فإن لم يمكن التوفيق اعتبر الناسخ من المنسوخ، إذا لم يكن هناك مجال لإثبات ناسخ ومنسوخ صير إلى الترجيح، قيل مثلًا هذا صحيح وهذا حسن فيقدم الصحيح على الحسن
…
إلى آخره، وإذا لم يمكن الترجيح وتساوت قوة الحديثين توقف فيهما [ووُكِلَ] الأمر إلى عالمه.
حديث ابن عجلان عرفنا ما فيه فكيف نحاول التوفيق بين نفيه وبين إثبات الثقة، هو أي: البيهقي رحمه الله لو وجد مجالًا لإعلال هذه الرواية: رأيته يحركها بالشذوذ لأغناه ذلك عن الجمع، كما يغنيني أنا عن الجمع بين هذا الحديث الصحيح