الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بجيد؛ فإنما نشأ ذلك من اختلاف الرواة، فكان ينبغي الأخذ بالزائد، وضمه إلى الأصل - كما هو صنيعنا في هذا الكتاب -. وسيأتي التنبيه على بعض الأمثلة في ذلك إن شاء الله تعالى.
[أصل صفة الصلاة (3/ 913)]
صيغ الصلاة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه
وعلمهم أنواعاً من صيغ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم:
1 -
«اللهم صل على محمد، وعلى أهل بيته، وعلى أزواجه، وذريته؛ كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. وبارك على محمد، وعلى أهل بيته، وعلى أزواجه، وذريته؛ كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» . وهذا كان يدعو به هو نفسه صلى الله عليه وسلم.
«اللهم صل» قال العلماء: معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه عند ملائكته. ومعنى صلاة الملائكة عليه: الدعاء له والاستغفار. ومعنى صلاة الآدميين: الدعاء والتعظيم لأمره. وقيل: صلاة الرب: الرحمة. وقد رد هذا القول المحققون من العلماء؛ كالحافظ ابن حجر العسقلاني، وقبله ابن القيم في كتابه «الجلاء» .
وقد ساق في بيان ضَعْفِ ذلك خمسة عشر وجهاً؛ أولها: أن الله سبحانه فرق بين صلاته على عباده ورحمته؛ فقال {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ. أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ} . فعطف الرحمة على الصلاة؛ فاقتضى ذلك تغايُرَهما، هذا أصل العطف. وأما قولهم: و «ألفى قولها كذباً وَمَيْناً» : فهو شاذ نادر لا يحمل عليه أفصح الكلام، مع أن المين أخص من الكذب.
قال: «وإن ذُكِرت صلّى عليها وزمزما. أي: برَّك عليها ومدحها. ولا تعرف
العرب قط «صلى عليه» بمعنى «رحمه» ».
وقال الحافظ في «الفتح» «11/ 130» : «وأولى الأقوال ما تقدم عن أبي العالية: أن معنى صلاة الله على نبيه: ثناؤه عليه وتعظيمه. وصلاة الملائكة وغيره عليه: طلب ذلك له من الله تعالى، والمراد: طلب الزيادة؛ لا طلب أصل الصلاة» .
«أهل بيته» في «القاموس» : «أهل الرجل: هم عشيرته، وذوو قرباه» .
قلت: وفي الصيغ الأخرى ذكر الآل. والمعنى واحد؛ فإن أصل الآل: أهل. أُبدلت الهاء همزة؛ فصارت: «أَأْل» . ثم سهلت على قياس أمثالها؛ فقيل: «آل» . ولا يستعمل إلا فيما فيه شرف غالباً؛ فلا يقال: آل الإسكاف، كما يقال: أهله. كما في «القاموس» أيضاً.
وقد ذكر ابن القيم في «الجلاء» «ص 133 - 135» قولين في أصل الآل؛ هذا أحدهما، وضعفه من وجوه ذكرها. والقول الثاني: أن أصله: أول. وذكره صاحب «الصحاح» في باب الهمزة والواو واللام.
قال: «وآل الرجل: أهله وعياله. وآله أيضاً: أتباعه. وهو عند هؤلاء مشتق من آل يؤول؛ إذا رجع. فآلُ الرجل: هم الذين يرجعون إليه، ويضافون إليه، ويؤولهم: أي: يسوسهم؛ فيكون مآلهم إليه. ومنه: الإيالة؛ وهي السياسة. فآل الرجل: هم الذين يسوسهم ويؤولهم، ونفسه أحق بذلك من غيره؛ فهو أحق بالدخول في آلهِ، ولكن لا يقال: إنه مختص بآله؛ بل هو داخل فيهم» . ونحوه في «الفتاوى» لابن تيمية «1/ 163» .
وقد اختلفوا في المراد بآل محمد على أربعة أقوال؛ أصحها: أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة. على اختلاف بين العلماء في تعيينهم. وقد بسط الكلام على ذلك في «الجلاء» «138 - 150» .
«أزواجه» جمع «زوج» . وقد يقال: جمع «زوجة» . والأول أفصح، وبها جاء القرآن؛ قال تعالى لآدم:{اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ} . وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي دخل
بهن إحدى عشرة:
1 -
خديجة بنت خويلد. ماتت سنة ثلاث قبل الهجرة.
2 -
زينب بنت خزيمة الهلالية. ماتت سنة أربع بعد الهجرة.
3 -
زينب بنت جحش «سنة 20» .
4 -
حفصة بنت عمر بن الخطاب «سنة 27» .
5 -
رملة: أم حبيبة بنت أبي سفيان «سنة 44» .
6 -
جويرية بنت الحارث المُصْطَلِقِيّة «سنة 50» .
7 -
ميمونة بنت الحارث الهلالية «سنة 51» .
8 -
صفية بنت حُيَي «سنة 52» .
9 -
سودة بنت زَمْعَة «سنة 54» .
10 -
عائشة بنت أبي بكر «سنة 58» .
11 -
هند: أم سلمة بنت أبي أمية القرشية المخزومية «سنة 62» . فهي آخر نسائه موتاً.
وقد توفي صلى الله عليه وسلم عن تسع منهن اتفاقاً، وهن مَن ذُكرن؛ غير خديجة وزينب بنت خزيمة. ومن شاء الاطلاع على تراجمهن وشيء من خصوصياتهن؛ فليراجع «الجلاء» «154 - 172» .
«ذريته» بضم المعجمة؛ من «ذرأ الله الخلق» . أي: نشرهم وأظهرهم. إلا أن الهمزة سُهِّلَت لكثرة الاستعمال. هذا هو الأصح في اشتقاقها - كما في «الجلاء» «172 - 173» - وهي الأولاد وأولادهم.
وهل يدخل فيها أولاد البنات؟ فيه خلاف بين الشافعي وأبي حنيفة؛ فأثبت ذلك الأول، ونفاه الآخر، وتوسط أحمد في رواية؛ فقال: «كل من انقطع نسبه من
جهة الأب إما بلِعانٍ أو غيره؛ قامت أمه في النسب مقام أبيه وأمه».
قال ابن القيم «177» : «وهو مقتضى النصوص وقولِ ابن مسعود وغيره. والقياس يشهد له بالصحة» . ثم بين وجه ذلك. فراجعه.
هذا، والمراد بالذرية هنا أولاد فاطمة ونسلها اتفاقاً؛ فلا يَرِدُ الخلاف المذكور فيه.
«حميد» هو فعيل، من «الحمد» بمعنى: محمود، وأبلغ منه. وهو من حصلت له من صفات الحمد أكملها.
وأما «المجيد» : فهو من «المجد» ، وهو صفةُ مَن كَمُلَ في الشرف. وهو مستلزم للعظمة والجلال، كما إن الحمد يدل على صفة الإكرام.
ومناسبة ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العظيمين: أن المطلوبَ تكريمُ الله لنبيه، وثناؤه عليه، وزيادة تقريبه، وذلك مما يلزم طلب الحمد والمجد؛ ففي ذلك إشارة إلى أنهما كالتعليل للمطلوب، أو هو كالتذييل له.
والمعنى: أنك فاعل ما تستوجب به الحمد والمجد من النعم المترادفة، كريم بكثرة الإحسان إلى جميع عبادك. كذا في «الفتح» «11/ 136» .
«بارك» من «البركة» ؛ وهي: النماء والزيادة. والتبريك: الدعاء بذلك، ويقال: باركه الله، وبارك فيه، وبارك عليه، وبارك له.
فهذا الدعاء يتضمن إعطاءه صلى الله عليه وسلم من الخير ما أعطاه لآل إبراهيم، وإدامته، وثبوته له، ومضاعفته له، وزيادته. هذا حقيقة البركة. وقد فَصَّلَ ذلك ابن القيم في «الجلاء» «205 - 215» . فليراجعه من شاء.
[أصل صفة الصلاة (3/ 913)]