الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخرور إلى السجود على اليدين
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة 88:
ثم يخر إلى السجود على يديه، يضعهما قبل ركبتيه. بهذا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الثابت عنه من فعله صلى الله عليه وسلم، ونهى عن التشبه ببروك البعير، وهو إنما يخر على ركبتيه اللتين هما في مقدمتيه.
وقال في أصل الصفة:
وكان يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه. وكان يأمر بذلك؛ فيقول: «إذا سجد أحدكم؛ فلا يَبْرُكْ كما يَبْرُكُ البعيرُ، ولْيَضَعْ يديه قبل ركبتيه» . [ثم ساق الإمام أدلة ذلك وضعف ما يخالفها إلى أن قال]:
فهذا كل ما وقفت عليه من الأحاديث المعارضة للسنة الصحيحة، وقد رأيت أن بعضها أشد ضعفاً من بعض.
وقد تعَسَّفَ ابن القيم رحمه الله في هذا الوضع كثيراً؛ فحاول ترجيح هذه الأحاديث على حديث ابن عمر، وأطال في ذلك جداً؛ قدر ثلاث صفحات من كتابه «الزاد» ، وقد رددت عليه في «التعليقات الجياد» رداً مسهباً، ونقضت الوجوه التي تمسك بها في ذلك وجهاً وجهاً، وإيراد ذلك يطول؛ فعليك بالكتاب المذكور؛ فإن فيه تحقيقات قلما تراها في كتاب. والله المستعان.
قال الحازمي: «وقد اختلف أهل العلم في هذا الباب؛ فذهب بعضهم إلى أن وضع اليدين قبل الركبتين أولى. وبه قال مالك والأوزاعي، وقال: أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم.
وخالفهم في ذلك آخرون، ورأوا وضع الركبتين قبل اليدين أولى. ومنهم: عمر بن الخطاب، وبه قال سفيان الثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة وأصحابه».
قلت: وحجة هؤلاء ما سلف من الأحاديث، ولو صحت؛ لقلنا بجواز الأمرين؛ كما هو رواية عن مالك وأحمد - كما في «الفتح» -. وإذ لم تصح؛ فالعمدة على ما ذهب إليه الأولون، وهو قول أصحاب الحديث - كما قال ابن أبي داود، ونقله في «الزاد» «1/ 82» -، وحجتهم في ذلك هذا الحديث.
وأما ما أخرجه الطحاوي «1/ 150» ، والبيهقي «2/ 100» ، وأبو بكر بن أبي شيبة في «المصنف» «1/ 102/2» ، وعنه الأثرم في «سننه» - كما في «الزاد» «1/ 80» -؛ كلهم من طريق ابن فُضَيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ:«إذا سجد أحدكم؛ فليبدأ بركبتيه قبل يديه، ولا يبرك بروك الفحل» . فقال الحافظ «2/ 231» - تبعاً للبيهقي -: «إسناده ضعيف» .
وأقول: بل هو ضعيف جداً، وعلته عبد الله بن سعيد هذا، وهو المقبري، وهو متروك - كما سبق في الحديث الذي قبل هذا -، وقد اتهمه بعضهم بالكذب. ولعله تعمد، فقلب هذا الحديث؛ فغير بذلك المعنى.
وليس العجب من هذا المتهم، وإنما العجب أن يعتمد على حديثه هذا ابن القيم في «الزاد» ؛ فيزعم أن حديث أبي هريرة الأول الصحيح مما انقلب على بعض الرواة متنه، وأن أصله:«وليضع ركبتيه قبل يديه» . - كما رواه المقبري هذا - وهو إنما ذهب ذلك المذهب؛ لأن الحديث غير معقول عنده؛ لأن أوله يخالف آخره - كما زعم -، إلا على قول من يقول: إن ركبتي البعير في يديه. ولكنه ينكر ذلك؛ فيقول: «إنه كلام لا يعقل، ولا يعرفه أهل اللغة، وإنما الركبة في الرجلين» .
كذا قال وهو مما يتعجب منه أيضاً؛ كيف خفي عليه ذلك، مع أن نصوص العلماء كثيرة في إثبات ما نفاه؟ ! على أنه قد سُبِق إلى ذلك؛ فقد عقد الطحاوي رحمه الله في «المشكل» باباً خاصاً من أجل ذلك، ساق فيه هذا الحديث، ثم قال: «فقال قائل: هذا كلام مستحيل؛ لأنه نهاه إذا سجد أن يبرك كما يبرك البعير والبعير إنما ينزل يديه. ثم أتبع ذلك بأن قال: ولكن ليضع يديه قبل ركبتيه. فكان ما في هذا الحديث مما نهاه عنه في أوله قد أمره به في آخره. فتأملنا ما قال؛ فوجدناه مُحالاً،
ووجدنا الحديث. مستقيماً لا إحالة فيه؛ وذلك أن البعير ركبتاه في يديه، وكذلك كل ذي أربع من الحيوان، وبنو آدم بخلاف ذلك؛ لأن ركبتهم في أرجلهم لا في أيديهم، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث [المصلي] أن يخر على ركبتيه اللتين في يديه، ولكن يخر [لسجوده] على خلاف ذلك؛ فيخر على يديه اللتين ليس فيهما ركبتاه، بخلاف ما يخر البعير على يديه اللتين فيهما ركبتاه. فبان بحمد الله ونعمته أن ما في هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلام صحيح لا تضاد فيه ولا استحالة». اهـ.
وقد ذكر نحوه في «شرح المعاني» «1» (1).
وقال ابن حزم «4/ 130» : «وركبتا البعير هي في ذراعيه» . وفي «لسان العرب» «1/ 417» ما نصه: «وركبة البعير في يده» . ثم قال: «وركبتا يدي البعير المَفْصِلان اللذان يَلِيَان البطن إذا برك، وأما المَفْصِلان النَّاتِئان من خلف؛ فهما العُرْقُوبان، وكل ذي أربع ركبتاه في يديه، وعُرْقُوْبَاهُ في رجليه» . ومثله تماماً في «تاج العروس» «1/ 278» . ويشهد لذلك من كلامهم المعهود في استعمالهم قول علقمة والأسود عن عمر رضي الله عنه: أنه خر بعد ركوعه على ركبتيه؛ كما يخر البعير - وقد تقدم في الحديث الذي قبل هذا -.
فقد وصفا خروره رضي الله عنه على ركبتيه بخرور الجمل.
وهذا وصف خاطئ بزعم ابن القيم؛ لأن الجمل لا يخر على ركبتيه عنده، ثم إن الواقع أن البعير إذا برك؛ فإنما يبرك بقوة حتى إن للأرض منه لرجةً، وكذلك المصلي إذا سجد على ركبتيه؛ كان لسجوده دويٌّ، لا سيما إذا كان يصلي في مسجد قد بسطت عليه «الدفوف» الخشبية، وكان المصلون جمعاً كثيراً؛ فهناك تسمع لهم لَجَّةً
(1) وكذا الإمام القاسم السرقسطي رحمه الله؛ فإنه روى في «غريب الحديث» «2/ 70/1 - 2» بسند صحيح عن أبي هريرة أنه قال: «لا يبركن أحد بروك البعير الشارد» . قال الإمام: «هذا في السجود؛ يقول: لا يرم بنفسه معاً - كما يفعل البعير الشارد غير المطمئن المواتر -؛ ولكن ينحط مطمئناً، يضع يديه، ثم ركبتيه، وقد روي في هذا حديث مرفوع مفسر» .
ثم ذكر الحديث الوارد أعلاه. .. وقد بسطت القول في ذلك في رسالة الرد على الشيخ التويجري؛ فعسى أن تنشر. [منه].