الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واعلم أنه لم يرد في أكثر هذه الأنواع من صيغ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ذكرُ إبراهيم نفسه مستقلاً عن آله؛ بل قال: «كما صليت على آل إبراهيم» .
والسبب في ذلك ما تقدم بيانه؛ أن آل الرجل يتناوله كما يتناول غيره ممن يؤوله.
قال شيخ الإسلام في «الفتاوى» «1/ 163» : «إذا أطلق لفظ: «آل فلان» في الكتاب والسنة؛ دخل فيه فلان، كما في قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى العَالَمِينَ} ، وقوله تعالى:{إِلَّا آلَ لُوطٍ نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} ، وقوله:{أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ العَذَابِ} ، وقوله:{سَلَامٌ عَلَى آل يَاسِينَ} . ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم صل على آل أبي أوفى» .
وكذلك لفظ: «أهل البيت» ؛ كقوله: {رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ البَيْتِ} .
فإن إبراهيم داخل فيهم. ثم قال: «ولهذا جاء في أكثر الألفاظ: «كما صليت على آل إبراهيم» ، و:«كما باركت على آل إبراهيم» .
وجاء في بعضها إبراهيم نفسه؛ لأنه هو الأصل في الصلاة والزكاة، وسائر أهل بيته إنما يحصل لهم ذلك تبعاً.
وجاء في بعضها ذكر هذا وهذا؛ تنبيهاً على هذين».
[أصل صفة الصلاة (3/ 931)]
لا بد من إتمام صيغ الصلاة كما وردت
قد علمت مما سبق أن صيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فيها كلها الصلاة على أهل بيته صلى الله عليه وسلم وآله؛ ولذلك فلا ينبغي الاكتفاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم وحده، بل لا بد من إضافة الآل إليه، بل لا بد من إتمام الصيغة من أولها إلى آخرها؛ كما وردت؛ تقيُّداً بقوله صلى الله عليه وسلم:«قولوا: اللهم! صل على محمد، وعلى آل محمد. .. » إلخ، حين سألوه عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
«لا فرق في ذلك بين التشهد الأول والآخر، وهو نص الإمام الشافعي في «الأم» «1/ 102» فقال: «والتشهد في الأولى والثانية لفظ واحد لا يختلف، ومعنى قولي: «التشهد» : التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجزيه أحدهما عن الآخر».
وأما حديث: «كان لا يزيد في الركعتين على التشهد» .
فهو حديث منكر، كما حققته في «الضعيفة» «5816» ، [وانظر «ص 911»]».
وإن من غرائب هذا العصر أن يتجرأ بعض الناس على إنكار ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من طرق مستفيضة صحيحة؛ ألا وهو الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله معاً، مع اطلاعه ووقوفه عليها في كتب السنة «عن جمع من الصحابة؛ منهم كعب بن عجرة، وأبو حميد الساعدي، وأبو سعيد الخدري، وأبو مسعود الأنصاري، وأبو هريرة، وطلحة ابن عبيد الله، وفي أحاديثهم أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف نصلي عليك؟ ، فعلمهم صلى الله عليه وسلم هذه الصيغ» ، ألا وهو: الأستاذ محمد إسعاف النشاشيبي في كتابه «الإسلام الصحيح» «ص 177 - 189» ، وحجته في ذلك أن الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} ؛ لم يُذكر فيها غيرَ النبي صلى الله عليه وسلم أحدٌ. وبناء على ذلك رد الأحاديث الصحيحة كلها المخالفة لزعمه؛ فقال «ص 178 - 179» : «إن هناك من أشرك في الصلاة بالنبي غيرَه، وهناك من أوجب هذه الصلاة في كل صلاة، والحق غير شركهم، ولم يجب ما أوجبوا، وهؤلاء أئمة في الدين يقولون؛ فاستمع لما يقولون. .. » .
ثم ساق أقوالاً كثيرة في نفي الوجوب المشار إليه، ولكنه لم يسق ولا قولاً واحداً في تأييد ما سماه شركاً! وأنه لا يجوز ضم الآل إليه في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم.
وإنما ساق بعض الأقوال الموهمة لذلك، وهي عند التحقيق حجة عليه؛ كقوله «ص 179»:«قال ابن تيمية في «منهاج السنة» : لم يأمر الله بالصلاة على معين غير النبي».
فإن هذا القول إنما ينفي أمر الله؛ أي: في كتابه، فليس ينفي أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك - وأمره من أمر الله - في سنته - كما سبق بيانه مفصلاً -.
وبالتالي؛ فإن هذا القول لا ينفي مشروعية الصلاة على الآل استحباباً في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم؛ ألا ترى أن هذا القائل - أعني: ابن تيمية - قد ذهب كغيره من العلماء قبله وبعده إلى مشروعية ذكر الآل في الصلوات الإبراهيمية - كما تراه في بعض ما نقلناه من كتابه «الفتاوى» فيما تقدم -، ولو كان عندي الآن كتابه «منهاج السنة» ؛ لراجعت عبارته، ولتبين لنا غير ما ذكرنا. وكون الصلاة على الآل لم تذكر في الآية لا
يلزم منه عدم مشروعيتها؛ لثبوتها في السنة؛ «وذلك لأنه من المعلوم عند المسلمين أن النبي صلى الله عليه وسلم هو المبين لكلام رب العالمين؛ كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
فقد بين صلى الله عليه وسلم كيفية الصلاة عليه وفيها ذكر الآل، فوجب قبول ذلك منه؛ لقوله تعالى:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7]، وقد قال عليه الصلاة والسلام:«ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه» وهو مخرج في «تخريج المشكاة» «163 و 4247» .
وقد جاء في كلامه شبهة له أخرى لا بد لنا من إزاحة الستار عنها؛ وهو قوله - بعد أن ساق الآية السابقة -: «فأي عربي فطن أو غبي لا يلقف ذهنه هذا الكلام سريعاً، وأن الصلاة كالسلام الذي قالوا: إنهم علموه. فكيف يسألون عن مثل ما لم يجهلوه، وهل يأمر رسول الله بغير ما أمر الله؟ ! » .
فهو يشير بهذا الكلام إلى رد أحاديث الصلاة على الآل؛ لأن منها - كما تقدم -: «هذا السلام قد عرفناه؛ فكيف الصلاة عليك؟ » . فهو يحيل الصحابة عن مثل هذا السؤال؛ لأن: «الصلاة في كلام العرب من غير الله إنما هو دعاء» . كما نقله هو في التعليق «ص 177» . فإذ الأمر كذلك؛ فهذه الأحاديث غير صحيحة، وهذه مغالطة مكشوفة، وكلام خِطَابي لا حجة فيه، وإنما {كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً} ؛ وذلك لأن الصلاة في اللغة، وإن كان معناها ما ذكر؛ فذلك لا ينفي أن يكون لها معنى شرعي هو غير معناها اللغوي، أو يزيد عليه، ألا ترى أن قوله تعالى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ} لا يمكن لمسلم أن يفهم معناه اللغوي؛ أي: الدعاء. فالصحابة رضي الله عنهم حين سألوا بقولهم: كيف الصلاة عليك؟ لم يقصدوا المعنى اللغوي
المعروف عندهم الذي يلقفه ذهنهم، وإنما سألوا عن الصلاة الشرعية التي لا يمكنهم معرفتها من لغتهم، بل من طريق نبيهم؛ فأجابهم صلى الله عليه وسلم عما سألوا، وأمرهم بقوله:«قولوا: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد. .. » إلخ.
وكل عالم باللغة العربية - مهما كان ضليعاً فيها كهذا الذي نحن في صدد الرد عليه - لا يمكنه أن يستغني ألبتة عن بيان النبي صلى الله عليه وسلم للكتاب؛ فإن اللغة وحدها لا تكفي في فهمه على الجادة والصواب؛ ألم تر أن الصحابة - وهم من هم في العربية - قد احتاجوا إلى السؤال عن كيفية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، كما سألوه غير ذلك؟ فقد أخرج الشيخان في «صحيحيهما» ، والترمذي «2/ 179 - طبع بولاق» وصححه، وأحمد «1/ 444» عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لما نزلت: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} ؛ شَقَّ ذلك على المسلمين، فقالوا: يا رسول الله! وأينا لا يظلم نفسه؟ قال: «ليس ذلك؛ إنما هو الشرك، ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}؟ » .
فهذه القصة وغيرها دليل واضح على أنه قد يخفى على الصحابة أو بعضهم معنى بعض الآيات؛ فيسألون النبي صلى الله عليه وسلم، فيبينها لهم؛ فلا يجوز - إذن - استغراب صدور مثل هذا السؤال عنهم، وإنكار الأحاديث الصحيحة لمثل هذا الاستغراب - كما صنع النشاشيبي فيما سلف -.
وكتابه هذا الذي أسماه «الإسلام الصحيح» ، كل الأبحاث التي فيه توحي بأن المؤلف لا يعتد بالسنة كثيراً، وإنما العمدة عنده القرآن، والقرآن فقط؛ ولذلك تراه يقول عن نفسه فيه «ص 67»:«نحن مسلمون قرآنيون» وقد علمنا أن من مشرب هؤلاء «القرآنيين» ردَّ الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة، لا في صحتها من جهة إسنادها، ولكن لمخالفتها لأهوائهم وميولهم، وقد [سار] على نسقهم في هذا الكتاب؛ فرد أحاديث كثيرة صحيحة، قسم كبير منها في «الصحيحين» ، نكتفي الآن بالإشارة إلى أماكنها من الكتاب؛ فانظر:«ص 35 - 36 و 85 - 86 و 116 - 117 و 142 و 149 و 150 و 154 و 212 و 240 - 241 و 276 - 277 و 278» .