الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصَرِّف قال: زاد ربيع بن خُثَيْم في التشهد [بعد] وبركاته: «ومغفرته» فقال علقمة: نقف حيث عُلِّمنا: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
وعلقمة تلقى هذا الاتباع من أستاذه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ فقد روي عنه أنه كان يعلم رجلاً التشهد، فلما وصل إلى قوله:«أشهد أن لا إله إلا الله» ؛ قال الرجل: وحده لا شريك له. فقال عبد الله: هو كذلك، ولكن ننتهي إلى ما عُلِّمنا.
أخرجه الطبراني في «الأوسط» «رقم 2848 - مصورتي» بسند صحيح؛ إن كان المُسَيَّب الكاهلي سمع من ابن مسعود.
[أصل صفة الصلاة (3/ 903)]
الصلاةُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ومَوْضِعُها، وصِيَغُها
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة 145، 146:
ويصلي بعده على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل. إبراهيم، أنك حميد مجيد» .
«اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد» .
وإن شئت الاختصار قلت: «اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت وباركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد» .
وقال في أصل الصفة:
وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على نفسه في التشهد الأول وغيره.
وسَنَّ ذلك لأمته؛ حيث أمرهم بالصلاة عليه بعد السلام عليه.
فكما أن السلام عليه صلى الله عليه وسلم يشرع في كل تشهد، فكذلك تشرع الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم بعد كل تشهد، سواء في الجلوس الأول أو الآخر؛ لعموم الأدلة، وإطلاقها: فمنها: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .
قال ابن القيم في كتابه القيم «جلاء الأفهام» «249» : «فدل على أنه حيث شرع التسليم عليه شرعت الصلاة عليه؛ ولهذا سأله أصحابه عن كيفية الصلاة عليه وقالوا: قد علمنا كيف نسلم عليك؛ فكيف نصلي عليك؟ فدل على أن الصلاة عليه مقرونة بالسلام عليه صلى الله عليه وسلم، ومعلوم أن المصلي يسلم على النبي صلى الله عليه وسلم يعني: في التشهد الأول -؛ فيشرع له أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم» .
ومنها: الأحاديث الكثيرة الواردة في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، وهي على نوعين: مقيدة بالصلاة، ومطلقة.
والأولى على قسمين: منها ما هو مقيد بالتشهد، ومنها ما هو مطلق: أما القسم الأول: ففيه أربعة أحاديث: الأول: عن ابن مسعود مرفوعاً: «إذا تشهد أحدكم في الصلاة؛ فليقل: اللهم صلِّ على محمد. .. » إلى آخرها.
أخرجه الحاكم «1/ 269» ، وعنه البيهقي «2/ 379» عن يحيى بن السَّبَّاق عن رجل من بني الحارث عنه.
وقال الحاكم: «صحيح» . ووافقه الذهبي! وهو عَجَب؛ فإن الحارثي لم يسمَّ؛ ولذلك قال الحافظ في «التلخيص» «3/ 504» : «رجاله ثقات، إلا هذا الرجل الحارثي؛ فينظر فيه» .
الثاني: عنه أيضاً قال: علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن. .. فذكره، وفيه:«اللهم صل على محمد. .. » إلخ.
أخرجه الطبراني في «الكبير» ، والدارقطني «135» من طريق محمد بن بكر البُرْساني: نا عبد الوهاب بن مجاهد: ثني مجاهد قال: ثني عبد الرحمن بن أبي ليلى أو
أبو معمر عنه.
وضعفه الدارقطني - وتبعه الهيثمي «2/ 145» - بابن مجاهد هذا؛ فقالا: «ضعيف» .
الثالث: عن ابن عمر مثله.
أخرجه الدارقطني «134» من طريق خارجة بن مصعب عن موسى بن عُبيدة عن عبد الله بن دينار عنه.
وقال: «موسى بن عبيدة وخارجة: ضعيفان» .
الرابع: عن بريدة مرفوعاً: «يا بريدة إذا جلست في صلاتك؛ فلا تترك التشهد والصلاة عليَّ؛ فإنها زكاةُ الصلاة» .
رواه الدارقطني أيضاً «136» عن عمرو بن شِمْر عن جابر عن عبد الله بن بريدة عنه.
وقال: «عمرو بن شِمْر وجابر: ضعيفان» .
وهذه الأحاديث وإن كانت أسانيدها ضعيفة؛ فمجموعها صالح للاحتجاج بها إن شاء الله تعالى؛ لا سيما وأنها مؤيدة بالقسم الثاني، وفيه ثلاثة أحاديث: الأول: عن كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يقول في الصلاة: «اللهم صل على محمد
…
» إلخ.
أخرجه الإمام الشافعي في «الأم» «1/ 102» : أخبرنا إبراهيم بن محمد قال: ثني سعد بن إسحاق بن كعب بن عُجْرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه.
وإبراهيم بن محمد هذا: ضعيف.
وقال ابن القيم «15» : «كان الشافعي يرى الاحتجاج به على عُجَرِهِ وبُجَرِهِ، وقد تكلم فيه مالك والناس» .
الثاني: عن أبي هريرة أنه قال: يا رسول الله! كيف نصلي عليك - يعني: في
الصلاة -؟ قال: «قولوا: اللهم! صلِّ على محمد
…
» إلخ.
أخرجه الشافعي أيضاً عن شيخه هذا بإسناده عنه. لكن يشهد له: الحديث الثالث: عن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن عنده؛ فقال: يا رسول الله! أما السلام عليك؛ فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا - صلى الله عليك -؟ قال: فَصَمَت رسول الله صلى الله عليه وسلم حى أحببنا أن الرجل لم يسأله. فقال:
«إذا أنتم صليتم علي؛ فقولوا: اللهم! صل على محمد
…
» إلخ.
أخرجه أبو داود «1/ 155» ، والدارقطني «135» ، والبيهقي «2/ 146 و 378» ، وأحمد «4/ 119» عن محمد بن إسحاق قال: وثني - في الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا المرء المسلم صلى عليه في صلاته - محمدُ بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد ابن عبد الله بن زيد بن عبد ربه الأنصاري عنه.
وهذا إسناد حسن متصل - كما قال الدارقطني -.
وأما قول الحاكم «1/ 268» - بعد أن ساقه من هذا الوجه -: «صحيح على شرط مسلم» .
فليس بصواب؛ وإن وافقه الذهبي؛ لأن ابن إسحاق إنما خرَّج له مسلم في المتابعات - كما سبق التنبيه عليه مراراً -.
على أنه قد تكلم بعضهم في حديثه هذا؛ لأنه تفرد بقوله: إذا نحن صلينا في صلاتنا. مع أن بعض الرواة عن ابن إسحاق لم يذكرها - كما ذكر ذلك ابن القيم بما هو مبين في كتابه «الجلاء» . فراجعه «4 - 6» -.
وقد روى الحديث مسلم وغيره، وليس فيه هذه الزيادة، وسيأتي ذكره قريباً إن شاء الله تعالى.
أما قوله: أما السلام عليك؛ فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ فهو ثابت في غير ما حديث - كما سنذكره -.
وأما النوع الآخر من الأحاديث؛ فسيأتي ذكر كل منها في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقد قال العلماء - كالبيهقي، وابن كثير، والعسقلاني -: ومعنى قولهم: «هذا السلام عليك قد عَلِمْناه» : هو ما علّمهم إياه في التشهد من قولهم: «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» .
فهو دليل واضح على مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول أيضاً؛ لوجود السلام عليه فيه. ويؤيد ذلك الأحاديثُ التي قبله.
وإلى هذا ذهب الشافعي رحمه الله كما نص عليه في «الأم» «1/ 102 و 105» - وهو الصحيح عند أصحابه؛ كما صرح به النووي في «المجموع» «3/ 460» ، ثم قال:«والصحيح أنها تُسَنُّ، وهو نص الشافعي في «الأم» و «الإملاء» .
«واستظهره في «الروضة» «1/ 263 - طبع المكتب الإسلامي» .
وهو اختيار الوزير ابن هبيرة الحنبلي في «الإفصاح» ؛ كما نقله ابن رجب في «ذيل الطبقات» «1/ 280» وأ قره».
وقد عقد ابن القيم فصلاً خاصاً للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول، وذكر اختلاف العلماء في ذلك، وساق أدلة المجيزين والمستحِبين، وهي بعض الأحاديث التي أوردناها في النوع الأول؛ كحديث ابن عمر، وبريدة؛ وقال:«وهذا يعم الجلوس الأول والآخر» .
ثم ذكر لهم حجة أخرى؛ وهي الآية التي مر ذكرها مع كلام ابن القيم عليها، ثم قال:«ولأنه - يعني: التشهد الأول - مكانٌ شرع فيه التشهد، والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فشرع فيه الصلاة عليه كالتشهد الأخير، ولأن التشهد الأول محل يستحب فيه ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فاستحب فيه الصلاة عليه؛ لأنه أكمل لذكره» .
ثم ساق أدلة المانعين المخالفين، وليس فيها ما ينبغي الاشتغال بالإجابة عنه، إلا قولهم: إن التشهدَ الأولَ تخفيفُه مشروعٌ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس فيه؛ كأنه
على الرَّضْفِ. وقولهم: إنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك فيه.
والجواب عن الأول: إن الحديث المذكور ضعيف لا يصح الاحتجاج به؛ لأنه من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه، ولم يسمع منه - كما تقدم ذلك مراراً -.
أخرجه أصحاب «السنن» -إلا ابن ماجه- والحاكم «1/ 269» ، والبيهقي «2/ 134» ، والطيالسي «ص 44» ، وأحمد «1/ 386 و 410 و 428 و 436 و 460» من طرق عن سعد بن إبراهيم عنه.
وقال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين» . وتعقبه الذهبي بقوله: «ينظر؛ هل سمع سعد من أبي عبيدة؟ » .
وهذا ليس بشيء؛ فقد صرح سعد بسماعه من أبي عبيدة في رواية الطيالسي، والترمذي، وهو يرويه عنه، وكذا صرح به في رواية لأحمد. وإنما علته الحقيقية ما أشرنا إليه آنفاً، وقد ذكرها الترمذي أيضاً حيث قال:«هذا حديث حسن، إلا أن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه» .
ويتعجب منه كيف جمع بين تحسين الحديث وذكرِ علته التي تمنع الحكم عليه بالحسن، مع العلم بأنه ليس له طريق إلا هذه!
وقد نقل النووي في «المجموع» «3/ 460» كلامه مختصراً، وتعقبه حيث قال:«قال الترمذي: هو حديث حسن. وليس كما قال؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع أباه، ولم يدركه باتفاقهم. وهو حديث منقطع» .
وكذلك أعله الحافظ في «التلخيص» «3/ 506» ؛ قال: «وهو منقطع؛ لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، قال شعبة عن عمرو بن مُرَّة: سألت أبا عبيدة: هل تذكر من عبد الله شيئاً؟ قال: لا. رواه مسلم وغيره» .
على أن الحديث لو صح؛ لم يكن فيه دليل على ما ذكروا؛ فقد قال الشوكاني «2/ 242» - بعد أن ذكر الخلاف في وجوب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وساق أدلة
الفريقين -: «ولكن تخصيص التشهد الأخير بها مما لم يدل عليه دليل صحيح ولا ضعيف، وجميع هذه الأدلة التي استدل بها القائلون بالوجوب لا تختص بالأخير، وغاية ما استدلوا به على تخصيص الأخير بها حديث ابن مسعود هذا، وليس فيه إلا مشروعية التخفيف، وهو يحصل بجعله أخف من مقابله - أعني: التشهد الأخير -، وأما أنه يستلزم ترك ما دل الدليل على مشروعيته فيه؛ فلا، ولا شك أن المصلي - على أحد التشهدات، وعلى أخصر ألفاظ الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم «قلت: كالنوعين الأخيرين» - كان مسارعاً غاية المسارعة باعتبار ما يقع من تطويل الأخير؛ بالتعوذ من الأربع، والأدعية المأمور بمطلقها ومقيدها فيه».
وأما الجواب عن قولهم: إنه لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك فيه؛ فهو المعارَضَةُ بأن يقال: كذلك لم يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك في التشهد الأخير؛ أفيدل ذلك على عدم المشروعية؟ كلا.
وتوضيح ذلك: أن الأمور الشرعية تثبت إما بقوله صلى الله عليه وسلم، أو بفعله، أو بتقريره، وليس من الضروري أن تجتمع هذه الأمور الثلاثة في إثبات أمر واحد اتفاقاً.
وعليه؛ فهذه الأدلة التي سقناها، والتي سيأتي ذكرها - كما أنها تدل على مشروعية الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؛ فكذلك - تدل على مشروعيتها في الجلوس الأول بعمومها وإطلاقها - كما تقدم -.
نعم؛ لو صح ما يقيد ذلك من الأدلة؛ لأخذنا بها؛ حملاً للمطلق على المقيد، ولكنه لم يصح - كما علمت -.
على أنه قد بقي علينا أن ننبه على بعض الروايات التي تصلح دليلاً على ذلك من حيث ظاهر معناها، وإن كانت لا تصلح لذلك من حيث ضعف سندها؛ وهي روايتان: الأولى: عن ابن مسعود قال: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في وسط الصلاة وفي آخرها. .. الحديث وفيه: قال: ثم إن كان في وسط الصلاة؛ نهض حين يفرغ من تشهده، وإن كان في آخرها؛ دعا بعد تشهده بما شاء الله أن يدعو، ثم يسلم.
أخرجه أحمد، وكذا ابن خزيمة - كما في «التلخيص» «3/ 507» -.
وهو حديث ضعيف - كما سبق بيانه في «جلسة التشهد» -.
والأخرى: عن عائشة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يزيد في الركعتين على التشهد.
أخرجه أبو يعلى من طريق أبي الحويرث عنها.
قال الهيثمي «2/ 142» : «والظاهر أن أبا الحويرث هذا هو خالد بن الحويرث، وهو ثقة» .
وأقول: خالد هذا لم أر أحداً كنّاه بهذه الكنية ولا بغيرها. ثم إن كان هو هذا؛ فهو مجهول، قال ابن معين:«لا أعرفه» .
وقال ابن عدي: «إذا كان يحيى لا يعرفه؛ فلا يكون له شهرة، ولا يعرف» .
والهيثمي إنما اعتمد في توثيقه على توثيق ابن حبان، وقد اشتهر ابن حبان بتساهله في ذلك؛ فلا يعتمد عليه، ولذلك قال الحافظ في «التقريب»:«مقبول» . أي: مجهول - كما بين ذلك في المقدمة -.
والحافظ أقعد في الحديث، وأعرف بعلومه من شيخه الهيثمي.
هذا؛ وأما بقية أدلة المانعين التي ذكرها ابن القيم؛ فهي إنما ترِد على الشافعية خاصة، حيث إنهم يفرقون بين التشهد الأول والتشهد الأخير في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم حكماً وكمية؛ فيقولون بوجوبها في الأخير دون الأول، ويقولون بأنه لا يشرع إتمامها إلى آخرها في الأول، بل يكرهون الزيادة على:«اللهم صل على محمد. .. » ، بخلاف التشهد الأخير؛ فلا تكره الزيادة على ذلك، بل تستحب.
فلذلك ألزمهم مخالفوهم بالتسوية بين الصلاتين في الحكم، والكمية، والكيفية؛ وهو إلزام قوي لا مفر لهم منه؛ لأن الدليل واحد في كل من الصلاتين، فكيف يسوغ التفريق بينهما؟ ! ولذلك نرى أنه لا بد من الإتيان بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كاملة في كل تشهد؛ ليكون عاملاً بالأمر على تمامه. والله تعالى هو الموفق.