الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويستعيذ به، ثم يجعل ركوعه وسجوده وما بين ذلك قريباً من قيامه؛ فلا شك أن ذلك لا يتأتى إلا في ثلاث ساعات. فإذا أضيف إلى ذلك ثلاث ركعات أخرى؛ فيكون صلى الله عليه وسلم قد أحيا الليل كله.
وقد يتبادر إلى الذهن أنه -على ما ذكرنا- لا يتسع الليل لمثل هذه الصلاة؛ لأنها تحتاج إلى اثنتي عشرة ساعة! فالجواب: إنه يمكن أن تكون الركعات الثلاث أقصر من الأولى؛ لأن المعهود عنه صلى الله عليه وسلم أن الغالب من هديه إطالة الركعة الأولى أكثر من الثانية - كما سبق -. والله أعلم.
[أصل صفة الصلاة (2/ 499)]
القراءة بالسبع الطوال في صلاة الليل
وقرأ ليلة - وهو وَجِعٌ - السبع الطوال. وكان أحياناً يقرأ في كل ركعة بسورة منها
.
«الطوال» : وفي رواية: «الطُّوَل» ؛ قال ابن الأثير: «بالضم: جمع «الطولى» ؛ مثل الكبرى والكبر. والسبع الطوال هي: «البَقَرَة» ، و «آلِ عِمْرَان» ، و «النِّسَاء» ، و «المَآئِدَة» ، و «الأَنْعَام» ، و «الأَعْرَاف» ، و «التَّوْبَة» .
[أصل صفة الصلاة (2/ 508)]
ما عُلِمَ أنه صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة قط والنهي عن قراءة القرآن في أقل من ثلاث
وما عُلِمَ أنه صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة [قط]؛ بل إنه لم يَرْضَ ذلك لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما حين قال له: «اقرأ القرآن في كل شهر» .
قال: قلت: إني أجد قوة.
قال: «فاقرأه في عشرين ليلة» .
قال: قلت: إني أجد قوة.
قال: «فاقرأه في سَبْعٍ، ولا تزد على ذلك» . ثم رَخَّصَ له أن يقرأه في خمس. ثم رَخَّصَ له أن يقرأه في ثلاث.
ونهاه أن يقرأه في أقل من ذلك. وعَلَّلَ ذلك في قوله له: «من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ لم يفقَهْهُ» . وفي لفظ: «لا يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث» . [ساق الإمام روايات الحديث ثم قال]:
ثم في قوله له: «فإن لكل عابد شِرَّةً، ولكل شِرَّةٍ فترة؛ فإما إلى سنة، وإما إلى بدعة. فمن كانت فترته إلى سنة؛ فقد اهتدى، ومن كانت فترته إلى غير ذلك؛ فقد هلك» .
واعلم أن الظاهر من اختلاف روايات هذا الحديث أن القصة تكررت بينه صلى الله عليه وسلم وبين ابن عمرو، وأنه عليه الصلاة والسلام لم يتنزَّل معه إلى الثلاث في مجلس واحد؛ بل في مجالس. وإلى ذلك جنح الحافظ في «الفتح» .
ويحتمل أن القصة واحدة، وأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظه الآخر، ولكن
يمنع القولَ بهذا ما ثبت في رواية: أنه منعه من القراءة في أقل من خمس، وفي أخرى في أقل من سبع؛ فلا مناص من القول بتعددها، وإلا؛ لزم ردُّ بعض الروايات الصحيحة، أو ضرب بعضها ببعض! وهذا لا يجوز ما أمكن الجمع بينها.
قال الحافظ: «فلا مانع أن يتعدد قول النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو ذلك؛ تأكيداً، ويؤيده الاختلاف الواقع في السياق، وكأن النهي عن الزيادة ليس على التحريم، كما أن الأمر في جميع ذلك ليس للوجوب، وعُرف ذلك من قرائن الحال التي أرشد إليها السياق؛ وهو النظر إلى عَجْزِه عن سوى ذلك في الحال أو في المآل، وأغرب بعض الظاهرية فقال: يحرم أن يقرأ القرآن في أَقل من ثلاث.
وقال النووي: أكثر العلماء على أنه لا تقدير في ذلك، وإنما هو بحسب النشاط والقوة؛ فعلى هذا يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص».
قلت: وهذا مخالف لصريح قوله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ لم يفقهه» .
وهذا نص عام شامل لجميع الأشخاص، وفيه التقدير بثلاث ليال؛ فكيف يقال: إنه لا تقدير في ذلك؟ ! فقد ذكر صلى الله عليه وسلم أن كل من يقرأ القرآن في أقل من ثلاث لا يفقهه، ولا يفهمه الفهم المقصود من تلاوة القرآن.
كما قد أشار إلى ذلك قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} .
وقال ابن مسعود: من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ فهو راجز. هَذٌّ كهَذِّ الشعر، ونثر كنثر الدِّقَل.
وكان معاذ بن جبل لا يقرأ القرآن في أقل من ثلاث.
ذكرهما ابن نصر «63» .
وقد نسب عليه الصلاة والسلام كل من خالف ذلك إلى عدم الفقه -كما هو ظاهر معنى الحديث المذكور باللفظ الثاني-.
فالحق أنه لا يجوز قراءة القرآن في أقل من ذلك. وهو اختيار الإمام أحمد وغيره من الأئمة - كما سلف-.
وقال الحافظ ابن كثير في «فضائل القرآن» «ص 172» : «وقد كره غير واحد من السلف قراءة القرآن في أقل من ثلاث، كما هو مذهب أبي عُبيد وإسحاق بن راهويه، وغيرهما من الخلف أيضاً، وثبت عن كثير من السلف أنهم قرؤوا القرآن في أقل من ذلك، وهو محمول على أنه ما بلغهم في ذلك حديث مما تقدم، أو أنهم كانوا يفهمون ويتفكرون فيما يقرؤونه مع هذه السرعة» .
قلت: والجواب الصحيح هو الأول، وأما هذا؛ فمخالف لقوله صلى الله عليه وسلم:«من قرأ القرآن في أقل من ثلاث؛ لم يفقهه» -كما بينا-. ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم.