الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الافتراش أو الإقْعَاءُ بن السَّجْدتين
قال الإمام في تلخيص الصفة فقرة 111 - 114:
ويفرش رجله اليسرى فيقعد عليها، وهذا واجب.
وينصب رجله اليمنى.
ويستقبل بأصابعها القبلة.
ويجوز الإقعاء أحيانا، وهو أن ينتصب على عقبيه وصدور قدميه.
وقال في أصل الصفة:
ثم «يفرش رجله اليسرى، فيقعد عليها [مطمئناً]» وأمر بذلك «المسيء صلاته» ؛ فقال له: «إذا سجدت؛ فمكِّن لسجودك، فإذا رفعت؛ فاقعد على فَخِذك اليسرى» ، وكان ينصب رجله اليمنى»، ويستقبل بأصابعها القبلة.
وكان أحياناً يُقعي؛ [ينتصب على عقبيه، وصدور قدميه].
وقَدْ سَها ابنُ القيم رحمه الله تعالى في «الزاد» «1/ 85» ؛ فقد قال - بعد أن ذكر افتراشه صلى الله عليه وسلم بين السجدتين -: «لم يُحفظ عنه صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع جلسة غير هذه» ! ولعله لم يستحضر حديث ابن عباس هذا حين كتابته ذلك، وإلا؛ فهو حديث صحيح حجة لا مطعن فيه، وقد عمل به غير ما واحد من السلف الصالح رضي الله عنهم، وقال الترمذي:«وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؛ لا يرون بالإقعاء بأساً، وهو قول بعض أهل مكة من أهل الفقه والعلم» .
قال: «وأكثر أهل العلم يكرهون الإقعاء بين السجدتين» .
قلت: وحجة هؤلاء أحاديث وردت في النهي عن الإقعاء.
أخرج أكثرها البيهقي «2/ 120» ، - وكلها ضعيفة؛ كما قال النووي في «شرح
مسلم» -، وبين عللها الشوكاني في «نيل الأوطار» «2/ 232» ؛ حاشا حديثين منها؛ فإنه لم يتعرض لهما بقدح، بل ذكر عن: أحدهما: أنه حسن، وهو حديث أبي هريرة قال: نهاني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث: عن نقرة كنقرة الديك، وإقعاء كإقعاء الكلب، والتفات كالتفات الثعلب.
والآخر: حديث سَمُرة بن جُنْدُب قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإقعاء في الصلاة.
فوجب تحقيق القول فيهما.
أما الأول: فقال في «المجمع» «2/ 79 - 80» : «رواه أحمد، وأبو يعلى، والطبراني في «الأوسط» وإسناد أحمد حسن». كذا قال! وهو في «المسند» «2/ 265» من طريق محمد بن فُضَيل: ثنا يزيد بن أبي زياد: ثني من سمع أبا هريرة يقول: .. به.
ثم أخرجه «2/ 311» من طريق شَرِيك عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي هريرة.
وهذا سند ضعيف، لا يحسُن تحسينه؛ فإن مداره على يزيد بن أبي زياد، وهو: مشهور بسوء الحفظ. وفي «التقريب» : «ضعيف. كبر؛ فتغير، وصار يتلقن، وكان شيعياً» .
وقد اختلف عليه محمد بن فُضَيل وشريك؛ فلم يسم الأول شيخه. وسماه الآخر: مجاهداً.
وشريك: سيئ الحفظ أيضاً.
وقد تابعه عن مجاهد ليث بن أبي سُلَيم.
أخرجه البيهقي، وقال:«ليث: لا يحتج به» . وفي «التقريب» : «صدوق، اختلط أخيراً، ولم يتميز حديثه؛ فترك» (1).
(1) ثم حسّنَ الشيخ رحمه الله الحديث - لغيره - انظر «صحيح الترغيب» «555» [الناشر].
وأما حديث سَمُرة: فأخرجه الحاكم «1/ 272» ، والبيهقي من طريق سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة عن الحسن عنه.
وقال الحاكم: «صحيح على شرط البخاري» . ووافقه الذهبي. كذا قالا! والحسن: هو البصري، وكان يدلس كثيراً - كما في «التقريب» -. وإنما روى له البخاري عن سمرة حديث العقيقة «9/ 487» ، وفيه التصريح بسماعه من سمرة. فما لم يصرح بالسماع؛ فليس بحجة كهذا الحديث.
ولذلك ضعفه النووي - كما سبق -. والله أعلم.
تنبيه: عزا النووي حديث سَمُرة هذا لـ «مسند أحمد» ، ولم أجده فيه، وانقلب اسم صحابيه على الشوكاني «2/ 232» ، وتحرف عليه؛ فقال: جابر بن سمرة. فليعلم.
ثم إن هذه الأحاديث لو صحت؛ لا تعارض حديث ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما؛ لأنها تنهى عن إقعاء خاص، وهو إقعاء الكلب، وصورته: أن يلصق أليتيه بالأرض، وينصب ساقيه، ويضع يديه على الأرض.
كذلك فسره علماء اللغة؛ ومنهم أبو عبيد فيما رواه البيهقي عنه. فهذا إقعاء غير الإقعاء الثابت في السنة، وبذلك يُجمع بين الأخبار - كما بينه البيهقي، وتبعه ابن الصلاح، والنووي، وغيرهم من المحققين -، وحينئذٍ فلا مبرر للقول بالنسخ - كما فعل الخطابي وغيره -.
قال النووي في «المجموع» «3/ 439» : «والنسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث، وعلمنا التاريخ. ولم يتعذر هنا الجمع، بل أمكن - كما ذكره البيهقي -، ولم يعلم أيضاً التاريخ» .
قال: «فالصواب الذي لا يجوز غيره: أن الإقعاء نوعان: أحدهما: مكروه، والثاني: سنة.
وأما الجمع بين حديثي ابن عباس وابن عمر، وأحاديث أبي حميد ووائل