الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عند الله من صلاة الاثنين» وهكذا فما رأيكم في هذه الصلاة في الجماعة لو أنها حدثت ألا يدل عليها مثل هذه الأدلة العامة؟ نقول: نعم، هذه الأدلة العامة واضحة الدلالة؛ لأنها لم تحصر الأجزاء التي أرادها الشارع الحكيم فيها، لكن جوابنا: أن هذه الجزئية بالذات لو كانت مرادة بهذا الحديث وذاك لجرى عمل السلف على ذلك، وإذ لم يفعلوا دل ذلك أن هذا الجزء من هذه العبادة لا يدخل في عموم هذا النص وذاك، أظن المثال هذا واضح؟
إذا الأمر كذلك فيجب أن يكون عندنا قاعدة حتى نكون سلفيين حقًا أتباع السلف الصالح، وهي: كلما [خطر] في بالنا الاستدلال بنص عام فلكي نكون في عصمة من [الانتقال] من السنة إلى البدعة يجب أن ننظر هل فعل ذلك السلف الصالح أم لا؟ وإلا وقعنا بما وقع فيه المبتدعة ..
(أسئلة وفتاوى الإمارات - 4/ 00: 43: 58)
الوضع بعد الرفع من الركوع
السائل: جزاك الله خير، فيه سؤال سألتك في البيت لما وقفت بالنسبة لوضع الأيدي في الصدر بعد القيام من الركوع، ممكن توضيحها يا شيخ لو سمحت؟
الشيخ: هذه مسألة يقول بها بعض المشايخ في بعض البلاد العربية والأعجمية ممن يحرصون معنا على التمسك بالحديث والسنة، لكن الحقيقة أنه لا يوجد في السنة نص صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبض إذا رفع رأسه من الركوع، لا يوجد مثل هذا النص إطلاقاً، وحجة هؤلاء أحاديث من أقوال الصحابة تدل بدلالتها اللغوية العامة أنها تشمل أيضاً هذا القيام ولنسميه بالقيام الثاني، إلا أنه هذا الاستدلال فيه خلل كبير جداً من الناحية العلمية الأصولية الفقهية، وذلك من ناحيتين اثنتين:
الناحية الأولى: أن أكثر هذه الأحاديث هي ليست من كلامه عليه الصلاة والسلام، وإنما هي من كلام بعض الصحابة، فالصحابي مثلاً وائل بن حجر يقول:
كان رسول الله، هو يقول: كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة وضع اليمنى على اليسرى، فقوله: إذا قام لفظ عام يشمل كل قيام، وعلى ذلك يقال بالنسبة لأحاديث أخرى كحديث مثلاً سهل بن سعد الساعدي، قال:«كانوا يؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة» نحن نلاحظ فرق بين الحديثين هنا، الحديث الأول أطلق القيام، وخص بالذكر القيام، بينما الحديث الآخر أطلق الصلاة، وما ذكر القيام إطلاقاً، «كانوا يؤمرون بوضع اليمنى على اليسرى في الصلاة» .
فإذا نظرنا إلى كلٍّ من الإطلاقين في كلٍّ من الحديثين سنفهم من الثاني معنى أوسع من المعنى الأول، فالمعنى الأول ذكر لفظ القيام فدخل فيه القيام الأول والقيام الثاني، الحديث الآخر لم يذكر القيام ذكر الصلاة، فإذاً: دخل فيه القيام الثاني وأي مكان آخر في الصلاة لا يعرف في السنة العملية ما ينافي هذا الوضع، وأنا أعني بذلك بصورة خاصة الجلوس بين السجدتين، وأما الجلوس بين السجدتين فيما علمت واطلعت لم نر حديثاً يصرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس بين السجدتين وضع اليمنى على اليسرى، كما أننا لا نجد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع رأسه من الركوع كان أيضاً يضع اليمنى على اليسرى في الصلاة، فإذا أردنا أن نعمل عموم النص الثاني لازم نضع أيضاً بين السجدتين، هذا هو الفرق بين الحديثين.
لكن الواقع أن هذا الحديث الأول أو الثاني عموم هذا لا يعمل به، والسبب في ذلك ما يأتي:
وهو النص العام لو كان صدر من الرسول عليه الصلاة والسلام فضلاً عما إذا كان صدر من الصحابي وأنتم ترون أن الحديثين ما فيه ذكر أن الرسول قال، لكن فيه ذكر الصحابي يقول: أن الرسول فعل كذا. أو كانوا يؤمرون بكذا، ما يذكر اللفظ النبوي، ومن هذا الباب باب النواهي أي: الأحاديث التي تصدر بكلمة «نهى رسول الله عن كذا» نهى عن كذا، نهى عن كذا، هذه الألفاظ نهى حكاية عن معنى فهمه الصحابي من رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو يعبر عن هذا المعنى بلفظ: نهى.
أريد أن يلاحظ طالب العلم أن هناك فرقاً بين اللفظة الصادر من الرسول وبين
اللفظ الصادر من الصحابي لأنه يكون معبراً عن معنى فهمه من الرسول، فلا شك أن اللفظ الذي نقله الصحابي عن الرسول فيه فائدتان: فائدة اللفظ وفائدة المعنى، بحيث أنه لا يمكن أن نقول: أن الرسول ما تلفظ بهذا، وإنما تلفظ بالمعنى، بخلاف القسم الثاني نقول: هذا المعنى، أما لفظ الرسول ما ندري، لما يقول الصحابي: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الانتعال قائماً مثلاً، . ما نعرف ما لفظ الرسول، لو قال: قال رسول الله: لا تنتعلوا قياماً. نقول: هذا لفظه ومعناه واضح، أما لما يقول: نهى رسول الله ما نقل إلينا لفظ الرسول لكن نقل إلينا المعنى، في هذه الحالة: هل يحتج بهذا المعنى؟
الجواب: نعم، ولكن التفريق بين لفظ الرسول ولفظ الصحابي يساعدنا أحياناً إذا ما جاءنا خبران فيهما شيء من التعارض فالتمسك بلفظ الرسول حينذاك مع المعنى أقوى من التمسك بلفظ الصحابي مع ما فيه من معنى.
المهم لو كان الرسول عليه السلام تَلَفَّظ بنص عام يشمل أجزاء كثيرة، ثم جزء من هذه الأجزاء لم يجر عمل السلف عليه، فهذا الجزء يخرج من النص العام ولا يعمل به، هنا الدقة في الموضوع، نص عام يشمل أجزاء كثيرة فروع كثيرة، لكن فرع من هذه الفروع علمنا بطريقة أو بأخرى أن الرسول والسلف ما فعلوا بهذا الفرع، إذاً: ما نعمل به ولو كان داخلاً في النص العام، وهذه حقيقة يعرفها كل العلماء الذين يلاحظون طريقة الاستدلال للأحكام الشرعية التي منها مثلاً أن الشيء الفلاني والشيء الفلاني عشرات الأمور يقال: إنها من البدع، وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.
مع أنه على الغالب في الدين تسعة وتسعين ما من بدعة إلا وتدخل ضمن نص عام، تصور كل وا حد منكم الآن يتصور أي بدعة مقتنع هو في قرارة نفسه ببدعيتها ثم ليفكر قليلاً فسيجد نصاً عاماً يشمل تلك البدعة، وإن لم يستحضر، وأنا مستعد أن أذكر له نصاً عاماً إذا ما أراد أن يعمل بهذا النص العام دون النظر إلى عدم جريان العمل بذاك الجزء الذي سميناه بدعة صارت هذه البدعة سنة، وأنا أضرب على هذا
مثلاً واضحاً جداً لأن الناس أذهانهم ليست مشغولة به، وتجد النفوس تتقبله بسرعة، مثلاً: عندنا أحاديث تحض على الجماعة: يد الله مع الجماعة. هذا نص عام يحض على كل اجتماع، لكن هل المقصود كل اجتماع، يد الله على الجماعة. نص عام هل هذا النص العام على إطلاقه وشموله أم مقيد؟
الآن أي بدعة عمت وطمت في البلاد الإسلامية تبادر إلى إنكارها يحتجوا عليك: يا أخي! يد الله على الجماعة، هؤلاء المسلمون كلهم يفعلون هذا الشيء، فأنت شاذ، خاصة أن للحديث تتمة وإن كانت لا تصح سنداً: يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار. فينسبوك وأنت متمسك بالسنة إلى أنك تركت الجماعة وشذذت عنها، فأنت لا سمح الله في النار، فيد الله على الجماعة، إذاً: ليس كل جماعة، وإلا لازم نكون نحن مع هؤلاء الجماهير الذين ماشين على غير هدى ولا كتاب منير.
نأتي إلى حديث أخص في الموضوع: «صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس أو بسبع وعشرين درجة» فلو دخلنا المسجد في صلاة الظهر مثلاً أو أي صلاة نريد أن نصلي السنة القبلية فنحن جميعاً كما توارث الخلف عن السلف يصلون السنة فرادى، فإذا أقيمت الصلاة صلوا جماعة وراء الإمام، فلو بدا لأحدهم لما دخلوا المسجد كل واحد انتحى ناحية يريد أن يصلي السنة لوحده، هاه يا أخي تعال نصلي جماعة، يد الله على الجماعة، وصلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة، ماذا يكون موقفنا؟
نقول له: لا، يا أخي هذا حديث عام، نقول له: صح، لكن هذه الجزئية أي: هذه السنة القبلية التي أنت تريد الآن تصليها جماعة لو كانت داخلة في النص العام كان السلف الأُوَل فعلوا ذلك؛ لأنهم أولاً أفقه منا، وثانياً: أحرص منا على التقرب إلى الله تبارك وتعالى.
أظن وضح لك تماماً ما المقصود بالنص العام الذي يدخل فيه أجزاء وجزء منه لم يجر عليه العمل فهذا الجزء يُسْحب منه، ولا يُحتج على شرعيته بالنص العام،
يمنعنا من ذلك عدم جريان العمل، واضح إلى هنا؟
نرجع الآن: هذا الوضع في القيام الثاني كما قلنا، ما فيه عندنا دليل خاص أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان إذا رفع رأسه من الركوع قبض ووضع، عندنا دليل عام وليته كان من كلام الرسول كما ذكرنا في الحديثين الجماعة، «يد الله على الجماعة» هذا كلام الرسول، صلاة الجماعة كلام الرسول، هناك ما عندنا إلا أحاديث أصحاب الرسول عليه السلام هم الذين يعبرون عن شيء شاهدوه، تُرى هذا المشاهَد هل هو الوضع في القيام الأول أم في القيام الثاني؟
هنا المسألة تحتاج إلى سبر وإلى بحث وتفتيش في كل الأحاديث التي تتعلق بصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، فلا نجد مطلقاً ولا حديثاً ضعيفاً يقال بمثله يعمل به في فضائل الأعمال، أي: ليس شديد الضعف، لا نجد مثل هذا الحديث أن الرسول عليه السلام لما رفع رأسه من الركوع وضع اليمنى على اليسرى.
بل نعتقد بما هو أكثر من ذلك، حديث وائل بن حجر هو مختصر من حديث له مفصل، هذا الحديث لما أنت تقرأه تشعر أن هذا الراوي ما فيه في ذهنه وضع القيام الثاني، لماذا؟ والحديث في صحيح مسلم، بينما الحديث الأول: كان إذا قام في الصلاة وضع اليمنى على اليسرى في سنن النسائي، في صحيح مسلم أن وائل بن حجر وصف صلاة الرسول عليه السلام فقال: «كبر ثم وضع اليمنى على اليسرى، ثم لما ركع كبر ورفع يديه ثم لما رفع رأسه من الركوع كبر ورفع يديه ثم سجد
…
» فهنا كلما انتقل بالتكبير وفي وضع يديه ذكر يقول: وفعل كما فعل من قبل، أما لما ذكر الوضع الأول وذكر أنه ركع وكبر ورفع يديه قال: لما رفع رأسه من الركوع رفع يديه أيضاً، لكن ما قال: ووضع كما وضع من قبل، فإذاً: سياقه الذي فيه تفصيل لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يذكر هذا الوضع الثاني مطلقاً، الراوي الذي روى الحديث في «سنن أبي داود» أخذ من هذا الحديث المفصَّل ما يتعلق بالقيام، فخَرَّج منه نصاً عاماً، هذا النص العام ما جرى به العمل.
(الهدى والنور / 494/ 53: 08: 00)