الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فها هو ذا عصر المؤلف -الذي هو العصر الوطاسي- قد طوته كتب التاريخ طيا، ولا يكاد يذكر إلا لماما. ولا أبالغ إن قلت: إنه حلقة مفقودة -أو كادت- في تاريخ المغرب، والأسف أن بعض مميزات هذا العصر أضيفت- خطأ- إلى العصر الذي يليه- وهو العصر السعدي، وإلى اللحظة التي أحرر فيها هذه السطور لم أقف على أية محاولة جدية تسلط الأضواء عليه.
ثم إن موضوع القواعد الفقهية في مذهب مالك -كباقي المذاهب- لم ينل حظه من عناية الباحثين- على كثرة ما كتبوا في أصول الفقه، لذا كانت المراجع فيه جد ضئيلة. ورغم الصعوبات الجمة والمتنوعة -التي واجهتني- فقد اقتحمت الموضوع، وصرت أتردد على المكتبات العامة والخاصة- أتصفح أمهات الفقه، باحثا عن الشوارد التي تضمنتها كل قاعدة من قواعد الإيضاح، واسترشدت بكثير من رجال العلم والبحث والتحقيق، الذين يهدون التائهين -مثلي- في متاهات بحوثهم.
خطة البحث:
قد جعلت موضوع الرسالة يتكون من جزءين:
الجزء الأول: دراسة عن أبي العباس الونشريسي: مؤلف الإيضاح وفيه خمسة فصول:
الفصل الأول: عصر المؤلف.
الفصل الثاني: حياته.
الفصل الثالث: آثاره.
الفصل الرابع: دراسة تحليلية للكتاب.
الفصل الخامس: القواعد وأهميتها.
الجزء الثاني: نص المخطوط.
فالفصل الأول: تحدثت فيه عن الفترة التي عاشها أبو العباس بتلمسان (4) وفاس، وحاولت أن أستشف من أحداث التاريخ الظروف والأسباب التي دفعت السلطة الجزائرية إلى طرد صاحبنا -الونشريسي- ونهب داره وكتبه.
وربما وقفت طويلا مع الناحية الفكرية والاجتماعية، وشفيعي في ذلك، أن هذا العصر لم ينل حظه من عناية الدارسين، بل ظل يكتنفه كثير من الغموض، وأبرزت مزايا لهذا العصر- وقد أضيفت-خطأ- إلى العصر الذي يليه -كما أومأت إلى ذلك آنفا.
والفصل الثاني: تناولت فيه نشأته وحياته الدراسية والعلمية، وفحصت الراويات والأخبار الواردة في نسبه ومكان ولادته، ونبهت على أخطاء وقع فيها كثير من المؤرخين، سواء منهم القدامى والمحدثون.
(4)(تلمسان) اسم بربري، مركب من كلمتين اثنتين؛ أولاهما:(تلم) بكسر التاء، ومعناها تجمع- والثانية (سان) ومعناها اثنين، فهو إذن إسم وصفي للمدينة باعتبار موقعها الطبيعي الجامع بين الصحراء والتل، ويقول ابن خلدون: يعنون إلى البر والبحر
…
انظر تاريخ الجزائر العام- ج- 2 - ص: 125 تعليق 3.
وعملت على إبراز شخصيته وصفاته الخلقية والخلقية، ومكانته العلمية، وآراء الناس فيه، وتقويمهم لشخصيته وثقافته.
والفصل الثالث: عقدته لآثاره ومؤلفاته، وتتبعت فهارس المخطوطات وكتب التراجم، واستطعت أن أثبت أن له أربعا وعشرين مؤلفا، ولم يكن معروفا منها إلا عدد ضئيل؛ وقد ذكرتها إجمالا، ثم حللت أهمها تحليلا موجزا، وعرفت بالمخطوط والمطبوع منها، وصححت أخطاء لبعض المفهرسين وأصحاب التراجم في أسمائها وعناوينها، وأثبت صورة من خط يد المؤلف وتوقيعه.
أما الفصل الرابع: فقد خصصته لدراسة كتاب "إيضاح المسالك" دراسة تحليلية، إذ وثقت عنوان الكتاب، وأثبت تاريخ تأليفه، والباعث على تدوينه، وذكرت مضمونه وفحواه، وحاولت تقييمه، بإبراز أهم محاسنه، وما يوخذ عليه.
وفي الفصل الخامس: تناولت فيه القواعد وأثرها في الدراسات الفقهية والتشريع. حيث عرفت فيه بالقاعدة، وأحصيت أنواعها، ولمحت إلى الفرق بين القواعد الأصولية والفقهية، وأعطيت لمحة تاريخية عن تدوينها، والأطوار التي مرت بها، وأبرزت أهميتها في الدراسات الفقهية، وأثرها في التشريع الحديث، وختمت هذه الدراسة بمصادر ومراجع عدت إليها أثناء إعداد هذه الفصول، وقسمتها إلى مخطوطات، ومطبوعات، وصحف ومجلات، وبعض مصادر أجنبية أثبتها آخر الكتاب.
أما الجزء الثاني: فهو نص المخطوط، وقد قدمت له بمقدمة، عرفت فيها بالنسخ الخطية للكتاب، ورسمت مشجرا بينت فيه النسخة (الأم) والفروع التي تفرعت عنها، سواء منها القديم والحديث، وأوضحت المنهج الذي سرت عليه في التحقيق، وهو أنه يرمى إلى توثيق النص، واخراجه كما أراده المؤلف أو قريبا من ذلك.
ووضعت حاشيتين: إحداهما للفروق، والأخرى للتعاليق، وذيلت الكتاب بفهارس مفصلة، تلقي أضواء كاشفة عن موضوعاته، وأهم محتوياته. وأرجو أن أكون قد وفقت فيما بذلت، وحققت ما أملت، وعلى الله قصد السبيل والاتكال، في الحال والمآل.
أبو العباس الونشريسي
1: عصره
فالحديث عن حياة أي إنسان، وما خلفه من تراث أو ذكر أو مقام. .. يستلزم الإلمام بمصره، والبيئة التي نشأ فيها، والظروف التي واكبته من البداية إلى النهاية، وأبرز أحداث وقته، ومكونات شخصيته وثقافته، والتيارات الموجهة لتفكيره، والحوافز التي حفزته إلى إنجاز ما أنجزه من إنتاج علمي، أو ما قام به من عمل أو ترحال
…
ليتأتى بذلك تحديد مكانه بين أهل زمانه، وإعطاء صورة مكتملة عنه، إلا أن تناول، هذه الجوانب كلها؛ بالنسبة لأبي العباس (أحمد الونشريسي)، تكاد تكون -مع الأسف- من ضرب المستحيل- ما دام المؤرخون وأصحاب التراجم أبوا إلا أن يغضوا الطرف تماما عن جل هذه النواحي لسبب أو لآخر! ! مع أن أبا العباس لم يكن من أولئك المغمورين؛ حتى ينسى أو يتناسى، إذ واجه أحداثا سياسية خطيرة، كان ينبغي الوقوف معها طويلا، بالإضافة إلى تنقلاته، وحياته العلمية الخصبة التي دامت: زهاء ثمانين عاما.
ورغم ذلك فعلى ضوء ما هناك من لمحات تاريخية، وإشارات عابرة، يمكن لنا تقسيم العصر الذي عاشه إلى فترتين: