الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تدوين القواعد الفقهية
من الصعوبة بمكان تحديد تاريخ ظهور هذه القواعد بدقة، وإثبات أطوار الصيغ المتعاقبه على كل قاعدة، ما دامت لم توضع دفعة واحدة ولا في وقت واحد، وإنما تكونت مفاهيمها، وصيغت نصوصها بالتدرج - عبر عصور ازدهار الفقه الإسلامي ونهضته، على يد جهابذة الفقه من أهل التخريج والترجيح استنباطا من دلالات النصوص الشرعية العامة، ومبادئ أصول الفقه، ومراعاة علل الأحكام، إلى أن اكتسبت صيغتها الأخيرة المأثورة: عن طريق التداول والصقل والتحرير.
وكانت تسمى - في البداية - أصولا حسبما يذكر القرافي في الفروق: "إن الشريعة المحمدية اشتملت على أصول وفروع، وأن أصولها قسمان:
- أحدهما المسمى (أصول الفقه) وأغلب مباحثه قواعد الأحكام
…
- والثاني هو القواعد الكلية الفقهية، وهي جليلة لها من فروع الأحكام ما لا يحصى (31).
ولعل أول محاولة في تدوينها ما قام به أبو طاهر الدباس (32) - إمام الحنفية وراء النهر - وهو ممن عاش في القرنين:
(31) انظر ج 1 - ص: 3.
(32)
انظر ترجمته في الفوائد البهية ص: 159 - و 187.
الثالث والرابع للهجرة - حيث جمع سبع عشرة قاعدة كلية (33)، وصار أبو الحسن الكرخي (ت 340 هـ) يضيف إليها إلى أن أوصلها إلى 37 قاعدة، (34)، ثم جاء الإمام أبو زيد عبيد الله بن عمر الدبوسي الحنفي (ش 438 هـ) فدون كتابه (تأسيس النظر) ضمنه طائفة مهمة من القواعد الفقهية العامة والخاصة، مع التفريع على كل منها فوائد جمة، واستطرادات كثيرة، وكان لهذا الكتاب صداه البعيد بالغرب الإسلامي (35) ثم جاء ابن نجيم (ت 970 هـ) فألف كتابًا هاما سماه (الأشباه والنظائر) ضمنه كثيرًا من القواعد.
وأشهر مؤلفات الشافعية في هذا الباب -كتاب "قواعد الأحكام، في مصالح الأنام" للإمام عز الدين بن عبد السلام (ت 660 هـ) الَّذي يعتبر كتابه من أنفس الكتب في تبيان أسرار التشريع وحكمه، وكتاب "الأشباه والنظائر" للإمام جلال الدين عبد الرحمن السيوطي الشافعي (ت 911 هـ).
وأشهر من دون القواعد الفقهية من الحنابلة الفقيه عبد الرحمن بن رجب (ت 795 هـ) الَّذي سمى كتابه (القواعد).
(33) انظر (الأشباه والنظائر) لابن نجيم ص: 7 - مطبعة واد النيل سنة 1298 هـ وكذلك (الأشباه والنظائر) لجلال الدين السيوطي ص: 4 - 5 مطبعة الترقي سنة 1331 هـ.
(34)
القواعد التي جمعها (الكرخي) - طبعت في آخر صفحات كتاب (تأسيس النظر) للفقيه الدبوسي - المطبعة الأدبية بمصر.
(35)
وربما كان القاضي أبو بكر بن العربي أول من أدخله إلى المغرب. انظر بحث الأستاذ سعيد أعراب عن القاضي ابن العربي المنشور بمجلة دعوة الحق، س (18) ع - 1 ص:80.
أما بالنسبة للمذهب المالكي، فربما كان أول من كتب في ذلك أبو العباس أحمد بن إدريس القرافي (ت 684 هـ) الَّذي ضمن كتابه (الفروق) ثمانية وأربعين وخمسمائة قاعدة. كما صرح بذلك في مقدمة الكتاب، ثم جاء بعده أبو عبد الله محمد بن محمد المقري (ت - 758 هـ)، فألف كتابه "القواعد في أصول مسائل الخلاف" استهله بقوله: "
…
قصدت إلى تمهيد ألف ومائتي قاعدة، هي الأصول القريبة لأمهات مسائل الخلاف (36)
…
".
إلَّا أن جملة منها متداخلة، وهي في صيغها - على العموم - غامضة، تحتاج إلى مجهود جبار لتنقيحها وتحريرها، وفكر وقاد لإبراز محتواها العلمي والفقهي.
فجاء أبو العباس الونشريسي، فانتقى أهم القواعد، وضمنها هذا المختصر الَّذي أسماه "إيضاح المسالك، إلى قواعد الإمام أبي عبد الله مالك". وجمع تحت كل قاعدة - غالبًا - مجموعة هائلة من المسائل والأحكام، بحيث لو تتبعها الباحث لاستخرج منها - وحدها - مجلدًا ضخما من المسائل الفقهية، وربما حاول أن يضفي عليها شيئًا من الوضوح، إلا أن طبيعة القواعد، والمسائل المدرجة تحت كل قاعدة ومحاولة استيعابها - لم تسمح له بذلك. لهذا كلّه، كان هذا الكتاب فريد نوعه، في مادته، ومنهجه كما أشرت إلى ذلك آنفا.
(36) اللوحة الأُولى (أ).