الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صدر عنه ذلك لم تشر إليه، وإنما اكتفت بالقول:"إنه حصلت له كائنة مع السلطان، وتعرضت داره للنهب (18) ".
وكيفما كان السبب، فقد أصدر الأمر بنفي صاحبنا من تلمسان، ومصادرة أملاكه، فغادرها في غرة محرم سنة (876 هـ- 1469 م (19)) قاصدا فاس، فوجد بها أصدقاءه من علمائها الذين رحبوا به أيما ترحاب، وأضفوا عليه من التقدير والتكريم ما أنساه المصاب، وكيف لا؟ وقد عرفوه من خلال كتاباته وفتاواه الكثيرة، إذ كانت تجري بين علماء فاس وتلمسان -من حين لآخر- محاورات علمية، وتساؤلات وإيجابات متبادلة؛ في أعوص المسائل الفقهية وأدقها، وتبادلوا الإجازات بالمراسلة، والونشريسي نفسه يذكر أنه أخذ عن بعض شيوخ فاس بالمكاتبة (20).
ب- الحالة السياسية بالمغرب:
لم يكن الوضع السياسيى بالمغرب-آنذاك- أحسن مما كان عليه بالجزائز بل كان على أسوا حال، فالدولة المرينية القوية التي كانت بالأمس القريب، تصول وتجول، قد أصابها داء الشيخوخة والهرم، الذي يصيب أكثر الأمم -كما يقول ابن خلدون (21) - وكان آخر ملوكهم الضعفاء السلطان عبد الحق
(18) انظر (فهرسة) المنجور ص: 50، ونيل الابتهاج ص: 87، والبستان ص: 53 ولقط الفرائد ص: 254.
(19)
نفس المصدر.
(20)
انظر وفيات الونشريسي (ألف سنة من الوفيات في ثلاثة كتب) لحجى ص: 149.
(21)
المقدمة ص: 304 - 307. نشر دار الكتاب اللبناني.
الذي سود صحيفة بني مرين بتسليمه دواليب الحكم لليهوديين (هرون، وشاويل) اللذين تعسفا في حكمهما وصبا مختلف ألوان العذاب على الأبرياء بدون شفقة ولا رحمة، فهاج الشعب واستشاط غضبا، ولم يهدأ له بال حتى قتل عبد الحق وبيادقه سنة (869 هـ- 1464 م (22)) وبمصرعه انتهى حكم بني مرين نهائيا، بعد أن استمر زهاء مائتي عام.
فبويع أبو عبد الله الحفيد محمد بن علي الإدريسي الجوطي، إلا أن تصرفاته أثبتت عدم صلاحيته لهذا الأمر الجسيم، لكون البلاد لم تزد في عهده إلا تدهورا وانحطاطا، فعزل سنة (875 هـ- 1470 م (23)) وفي عهده حط الرحيل صاحبنا بفاس، فما كان عليه إلا أن يشارك أهل الحل والعقد حماسهم في تنحية الحفيد.
والواقع أن المغرب أصبح -منذ انفلات الزمام من يد قادته المتبصرين- عرضة لنهب الناهبين، وطعمة سائغة للطامعين، فابن الأحمر استولى على ثغور بني مرين بالأندلس، واحتضنها لتسلم إلى الإسبان -بعد حين- والبرتغال دفعتهم مطامعهم التوسعية إلى احتلال أهم شواطيء المغرب على المحيط الأطلسي، بعد أن استولوا على المراكز الاستراتيجية في البحر الأبيض المتوسط، فاحتلوا سبتة سنة
(22) الاستقصا ج 4 ص: 99 - 100، طبع دار الكتاب، الدار البيضاء سنة 1955.
(23)
نفس المرجع ج 4 ص: 114 - 115.
(818 هـ-1415 م (24)) وقصر المجاز (862 هـ-1457 م)، ثم طنجة (869 هـ-1464 م (25)) وأنفا (الدار البيضاء)(872 هـ- 1467 م (26)) وأصيلة (876 هـ-1471 م).
وحاول مؤسس الدولة الوطاسية محمد الشيخ الوطاسي أن يتدارك الموقف باستلائه على فاس سنة (876 هـ- 1471 م (27)) وطرد الحفيد منها، والقضاء على الفتن الداخلية وتصديه للجهاد، وكان شجاعا مقداما، وسياسيا ماهرا، غير أن ما وجده من المشاكل المتراكمة المترسبة، وما فاجأه من أحداث جديدة ومتنوعة، كان فوق طاقته، لم تنفع فيه شجاعته، ولا مهارته السياسية .. ، فمن تلك الاحداث:
(24) كذا عند غير واحد من المؤرخين، أمثال ابن القاضي في (لقط الفرائد) ص 240 طبع دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر سنة 1396 هـ.
والناصري في (الاستقصا) ج 4 ص: 110، والذي عند ابن حجر في (أنباء الغمر) ج 3 ص:41. طبع مصر، وابن العماد في (الشذرات) ج 7 ص: 124 أن احتلال سبتة كان سنة 817، وفي أزهار الرياض ج 1 ص: 46 أنه كان سنة 819 هـ.
(25)
الاستقصا ج 4 ص 110. طبع دار الكتاب. الدار البيضاء سنة 1955.
(26)
انظر "عروسة المسائل" ص: 13 تعليق (5) وبحث الأستاذ المنوني المنشور في "مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق" ج 4 م 51 ص: 832. وتردد صاحب الاستقصا في تاريخ احتلال آنفا، فذكر في ج 4 ص: 110 أنه كان في نفس التاريخ يعني (876 هـ) أو قبله بيسير، ثم عاد في صفحة 116 من نفس الجزء فقال إنه وقف في تواريخ الأفرنج على أن احتلالها كان في حدود (874 هـ). وقارن كل هذا مع ما في دائرة المعارف الإسلامية ج 9 ص: 77 من أن احتلالها كان في حدود (1458 م).
(27)
كذا في (المرآة) ص: 211. وتابعه على ذلك صاحب الاستقصا ج 4 ص: 120 وهو الذي في (الجذوة) ج 1 ص: 131. لابن القاضي، وفي (لقط الفرائد) ص: 204 - أن بيعة محمد الشيخ الوطاسي بفاس، وخلع أبي عبد الله الحفيد كان سنة (875 هـ).
- فتن داخلية متأججة كثورة عمرو السياف بالجنوب، التي دامت نحو عشرين عاما (28).
- سطو البرتغال على أهم شواطئ المغرب- كما أسلفت.
- سقوط غرناطة آخر معقل من معاقل الإسلام بالأندلس- في أيدي الأسبان سنة (897 هـ-1491 م (29)) وتوارد مسلمي الأندلس على المغرب، بعد طردهم بقسوة من ديارهم وأراضيهم (30) أفواجا أفواجا.
- استيلاء الأسبان على مليلية (902 هـ- 1496 م (31)) وحجر بادس (914 هـ- 1508 م (32)) - بعد أن خربوا تطوان القديمة (33)، وتيجيساس (34) وسواهما من المدن الواقعة على البحر الأبيض المتوسط (مقابل عدوة الأندلس) على يد الطاغية الريكي الثالث (35).
- احتلال البرتغال لمدينة الجديدة: وتخريبهم أسوارها سنة (907 هـ-1502 م (36)) كانت هذه الوقائع -وحدها- كافية في تثبيط عزيمة محمد الشيخ وقطع الآمال في طرد
(28) انظر تفصيل هذه الثورة في الاستقصا ج 4 ص: 122 - 123.
(29)
انظر (نبذة العصر) ص: 42 - 44. ولقط الفرائد ص: 272 والنفح 4/ 525.
وأزهار الرياض ج 1 ص: 66. والاستقصا ج 4/ 104.
(30)
انظر (نبذة العصر) ص: 46 - 48، والنفح، ج 4 ص:528.
(31)
لقط الفرائد ص: 276.
(32)
نفس المرجع.
(33)
الاستقصا 4/ 89. وتاريخ تطوان 1/ 82.
(34)
انظر الوزاني تاريخ المغرب 1/ 177.
(35)
كان ذلك عام 803 هـ- 1400 م- انظر تاريخ تطوان 1/ 82، والوزاني تاريخ المغرب 1/ 177.
(36)
الاستقصا ج 4، ص:110.
الغزاة الذين أحاطوا به من كل جانب، فضلا عما تحدثه في الأمة من بلبلة الأفكار وإثارة الاضطرابات، وضعف الهمة، وتلاشي العزيمة.
ومع ذلك، فقد قاد معركة الجهاد، وأبلى البلاء الحسن في مقارعة العدو (37) إلى آخر نفس من حياته (38)(910 هـ- 1504 م)، فخلفه ولده محمد الملقب بـ (البرتغالى (39))، وكان يتحلى بكثير من سمات أبيه، إلا أنه ابتلي منذ اعتلائه العرش بثورة ابن عمه مسعود بن الناصر- حاكم مكناس- عليه، وظهور مؤسس الدولة السعدية محمد القائم بأمر الله، وزادت البلاد تضعضعا واضطرابا، مما شجع البرتغال على تنفيذ مخططهم الخاص باحتلال المراسي المغربية الباقية، تمهيدا لاحتلال المغرب كله، فاستولوا على العرائش (40)، وأكادير (41) سنة (910 هـ- 1504 م) بدون مقاومة تذكر. ثم احتلوا آسفي سنة (912 هـ-1506 م (42))، وأزمور (914 هـ-1509 م (43)) والمعمورة (920 هـ-1515 م (44)).
وبذل أبو عبد الله محمد البرتغالي، أقصى المستطاع في استرداد الشواطي المغربية، واستخلاصها من مخالب
(37) انظر عروسة المسائل ص: 15 - 17.
(38)
جذوة الاقتباس 1/ 131، ولقط الفرائد ص: 278، وعروسة المسائل ص 20 والاستقصا 4/ 140.
(39)
لقب بذلك لأنه وقع في أسر البرتغال لما أخذوا ثغر أصيلا وبقي عندهم نحو 7 سنين إلى أن افتكه والده.
(40)
عروسة المسائل ص: 22 - 24.
(41)
و (42) و (43) و (44) انظر الاستقصا ج 4 ص: 110.