الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
د -كما يحتمل أنه كان يتخوف أن تجمع الدول الإسلامية شملها، وتستجيب لنداءات الأندلسيين، وتمدهم بالمساعدة اللازمة، ولا يكون ذلك إلا عن طريق الشواطئ المغربية، لقربها من شواطئه، كما أسلفت آنفا
…
إلى غيرها من الأسباب التي يمكن أن تكون هي الدافعة بالعدو إلى تضييق الخناق على الشواطئ المغربية، وانهاك قوى أهلها مدة طويلة، علهم يسأمون، ويضطرون إلى الاستسلام، إلا أن المغاربة الذين جبلوا على الجهاد والتضحية في سبيل الله والوطن، قاوموا ذلك ببسالة نادرة، ورابط على الثغور- الصغير والكبير، والعالم والجاهل، حتى استنزفوا قوى العدو.
وعن هذه الانتفاضة المغربية يقول الناصري: "ولما نزل بأهل المغرب الأقصى ما نزل، من غلبة عدو الدين واستيلائه على ثغور المسلمين، تباروا في جهاده وقتاله، وأعملوا الخيل والرجل في مقارعته ونزاله. (72).
-
دور العلماء في هذه الانتفاضة:
أدرك العلماء بصفة عامة والفقهاء بوجه أخص عن عمق ويقين أنهم أصحاب رسالة، وأنهم مكلفون بالدعوة إلى الإسلام بأي وسيلة، وبالدفاع عنه بالنفس والنفيس -ولصد العدوان عليه مهما كان الثمن- مرددين قول الله جل علاه:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (73) "الآية.
(72) الاستقصا ج- 4 - ص: 111 - 112.
(73)
الآية (111) - سورة التوبة.
من خلال هذه المعاني اندفع العلماء إلى الجهاد بعزائم قوية، وصاروا يواجهون الشدائد بقلوب ثابتة في ساحة الوغى بعد أن بذلوا ما في وسعهم في الحض على الجهاد والترغيب فيه، وألفوا في ذلك تأليف حماسية رائعة، وتنافس الخطباء والوعاظ في إيقاظ همم الشعب، ونظم الشعراء والأدباء دررا من القصائد. وممن ألف في ذلك وأفاد، وأكثر في نظم القصائد وأجاد: أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن يجبش التازي (ت 920 هـ (74)). وأبو عبد الله محمد بن يحيى البهلولي (ت 936 هـ (75))، وغيرهما ممن بينوا مزايا الاستشهاد في سبيل الإسلام والوطن، ونبهوا العوام أن مناط النجاة -في الإسلام- ليس مجرد الانتساب إليه، بل يجب أن تظهر آثار تعاليمه على معتنقيه في أحرج ساعات الضيق والشدة، ولي أوقات رفاهية النفس
…
وضربوا أروع الأمثلة بأنفسهم، فقاتلوا وقتلوا وأسروا وأُسروا، وبذلك أدوا الرسالة المنوطة بهم- رحمهم الله.
وفي شأن هؤلاء وغيرهم يقول الناصري: "فكم من رئيس قوم قام لنصرة الدين غيرة واحتسابا، وكم من ولى عصر، أو
(74)(أضواء عن ابن يجبش التازي) ص: 123 - 153.
(75)
(الدوحة) ص: 45 - 47، والاستقصا ج 4 ص: 112 - 113.