المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أ- الحالة السياسية بالجزائر: - إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك - ت بو طاهر - جـ ١

[الونشريسي]

فهرس الكتاب

- ‌تحقيق "إيضاح المسالك

- ‌خطة البحث:

- ‌1 - الحياة السياسية في كلا البلدين:

- ‌أ- الحالة السياسية بالجزائر:

- ‌ب- الحالة السياسية بالمغرب:

- ‌2 - الحياة الاجتماعية:

- ‌أهل المغرب:

- ‌في المعاش والعمران:

- ‌ الروح الدينية:

- ‌ الدعوة إلى الإصلاح:

- ‌ حركة الجهاد:

- ‌ دور العلماء في هذه الانتفاضة:

- ‌3 - الحياة الفكرية:

- ‌مميزات العصر الوطاسي:

- ‌اسمه ونسبه:

- ‌بلده ومولده:

- ‌تاريخ ولادته:

- ‌أسرته:

- ‌تلاميذه:

- ‌شخصيته وثقافته

- ‌أ- صفاته الجسمية والخلقية:

- ‌ب- ثقافته ومكانته العلمية:

- ‌غرض الكتاب:

- ‌أبواب الكتاب:

- ‌منهاجه:

- ‌مصادره:

- ‌قيمة الكتاب:

- ‌تاريخ تأليفه:

- ‌الكتاب الثاني:

- ‌غرض الكتاب:

- ‌أبوابه:

- ‌مصادره:

- ‌قيمة الكتاب:

- ‌تاريخ تأليفه:

- ‌الكتاب الثالث:

- ‌غرض الكتاب:

- ‌أبوابه:

- ‌مصادره:

- ‌قيمة الكتاب:

- ‌الكتاب الرابع:

- ‌غرض الكتاب:

- ‌مصادر الكتاب:

- ‌قيمة الكتاب:

- ‌الكتاب الخامس:

- ‌غرض الكتاب:

- ‌قيمة الكتاب:

- ‌تاريخ جمعه:

- ‌الكتاب السادس: "الولايات

- ‌غرض الكتاب:

- ‌مضمنه:

- ‌مصادره:

- ‌الكتاب السابع: "الوفيات

- ‌الكتاب الثامن:

- ‌غرض الكتاب:

- ‌توثيق عنوان الكتاب:

- ‌غرض الكتاب وسبب تأليفه:

- ‌مأخذنا على الإِيضاح:

- ‌تعريف القاعدة لغة واصطلاحا:

- ‌أنواع القواعد:

- ‌الفرق بين أصول الفقه وقواعد الفقه:

- ‌تعريف أصول الفقه:

- ‌أصول مذهب مالك:

- ‌تدوين القواعد الفقهية

- ‌أثر هذه القواعد في الدراسات الفقهية

- ‌التشريع الحديث، وأثر القواعد الفقهية فيه:

- ‌أ- تعريف التشريع وخصائصه:

- ‌ب - أثر القواعد الفقهية في التشريعات الحديثة:

- ‌تحقيق الكتاب

- ‌نسخ الكتاب واختلافها:

- ‌منهج التحقيق والمصطلحات:

- ‌مقدمة المؤلف

- ‌(القاعدة الأُولى) الغالب هل هو كالمحقق أم لا

- ‌(القاعدة الثانية) المعدوم شرعا هل هو كالمعدوم حسا أم لا

- ‌(القاعدة الثالثة) وعكس هذه القاعدة قاعدة: الموجود شرعا هل هو كالموجود حقيقة أم لا

- ‌(القاعدة الخامسة) المخالط المغلوب هل تنقلب عينه إلى عين الذي خالطه، أو لا تنقلب، وإنما خفى عن الحس فقط

- ‌(القاعدة السادسة) العلة إذا زالت هل يزول الحكم بزوالها أم لا

- ‌(القاعدة السابعة) الظن هل يُنقض بالظن أم لا

- ‌(تنبيهان):

- ‌(القاعدة الثامنة) الواجب الاجتهادُ أو الإصابة

- ‌(القاعدة التاسعة) النسيان الطارئ هل هو كالأصلي أم لا

- ‌(القاعدة العاشرة): كل مجتهد في الفروع الظنية مصيب، أو المصيب واحد لا بعينه

- ‌(القاعدة الحادية عشرة) العصيان هل ينافي الترخص أم لا؟ (أ)

- ‌(القاعدة الثانية عشرة) الدوام على الشيء هل هو كابتدائه أم لا

- ‌(القاعدة الثالثة عشرة) الأصغر هل يندرج في الأكبر أم لا

- ‌(القاعدة الرابعة عشرة) ما قرب من الشيء هل (أ) له حكمه أم لا

- ‌(القاعدة الخامسة عشرة) الأمر هل يقتضي التكرار أم لا

- ‌(القاعدة السادسة عشرة) إذا تعارض الأصل والغالب، هل يؤخذ بالأصل أو الغالب

- ‌(القاعدة السابعة عشرة) كل عضو غسل يرتفع حدثه أولًا إلا بالكمال (أ) والفراغ

- ‌(القاعدة الثامنة عشرة) الشيء إذا اتصل بغيره هل يعطى له حكم مباديه أو حكم محاذيه

- ‌(القاعدة العشرون) الشك في الشرط مانع من ترتب المشروط

- ‌(القاعدة الواحدة والعشرون) الشك في المانع لا أثر له

- ‌(القاعدة الثانية والعشرون) التقدير بأولى المشتركتين أم (أ) بالأخَيرة

- ‌(القاعدة الثالثة والعشرون) نية عدد الركعات هل تعتبر أم لا

- ‌(القاعدة الرابعة والعشرون) نية الأداء هل تنوب عن نية القضاء وعكسه أم لا

- ‌(القاعدة الخامسة والعشرون) الشك في النقصان كتحققه

- ‌(القاعدة السابعة والعشرون) وعكس هذه القاعدة قاعدة: الشك في الزيادة كتحققها (أ)

- ‌(القاعدة التاسعة والعشرون) كل جزء من الصلاة قائم بنفسه أو صحة أولها متوقفة على صحة آخرها

- ‌(القاعدة الواحدة والثلاثون) النظر إلى المقصود، أو إلى الموجود

- ‌(القاعدة الثانية والثلاثون) المترقبات إذا وقعت، هل يقدر حصولها يوم وجودها وكأنها فيما قبل كالعدم، أو يقدر أنها لم تزل حاصلة من حين حصلت أسبابها التي أثمرت أحكامها، واستند الحكم إليها

- ‌(القاعد الثالثة والثلاثون) وعكس هذه القاعدة: قاعدة الظهور والانكشاف

- ‌(القاعدة الخامسة والثلاثون) الجهل هل ينتهض عذرا أم لا

- ‌(القاعدة السادسة والثلاثون) تقديم الحكم على شرطه هل يجزئ ويلزم أم لا

- ‌(القاعدة السابعة والثلاثون): الكفارة هل تتعلق باليمين أو بالحنث

- ‌(القاعدة الثامنة والثلاثون) الاستثناء هل هو رفع للكفارة أو حل لليمين من أصله

- ‌(القاعدة التاسعة والثلاثون) الملك إذا دار بين أن يبطل بالجملة أو من وجه، هل الثاني أولى، أو لا

- ‌(القاعدة الواحدة والأربعون) الفقراء هل هم كالشركاء أم لا

- ‌(القاعدة الثالثة والأربعون) الحياة المستعارة هل هي كالعدم أم لا

- ‌(القاعدة الرابعة والأربعون) رمضان هل هو عبادة واحدة أو عبادات

- ‌(القاعدة الخامسة والأربعون) النزع هل هو وطء أم لا

- ‌(القاعدة السادسة والأربعون) المشبه لا يقوى قوة المشبه به

- ‌(القاعدة السابعة والأربعون) إذا تعارض القصد واللفظ أيهما يقدم؟ - اختلفوا فيه

- ‌(القاعدة التاسعة والأربعون) الحكم بالإسهام هل علق على القتال، أو على كون المحكوم له معدا لذلك

- ‌(القاعدة الخمسون) الغنيمة هل تملك بالفتح أو بالقسمة على الغانمين

- ‌(القاعدة الواحدة والخمسون) إعطاء الموجود حكم المعدوم، والمعدوم حكم الموجود

- ‌(القاعدة الثانية والخمسون) الاتباع هل يُعطى لها حكم متبوعاتها أو حكم أنفسها

- ‌(القاعدة الثالثة والخمسون) الأتباع هل لها قسط من الأثمان (أ) أم لا

- ‌(القاعدة الرابعة والخمسون) نوادر الصور هل يُعطى لها حكم نفسها أو حكم غالبها

- ‌(القاعدة السادسة والخمسون) العقد هل يتعدد بتعدد المعقود عليه أم لا

- ‌(القاعدة التاسعة والخمسون) بيت المال هل هو وارث أو مرد (أ) للأموال الضائعة

- ‌(القاعدة الستون) النسخ هل يثبت حكمه بالنزول أو بالوصول

- ‌(القاعدة الواحدة والستون) المخاطب هل يدخل تحت عموم الخطاب أم لا

- ‌(القاعدة الثانية والستون) تبدل النية مع بقاء اليد على حالها هل يتبدل الحكم بتبدلها أم لا

- ‌(القاعدة الثالثة والستون) يد الوكيل هل هي كيد الموكل أم لا؟ (1)

- ‌(القاعدة الرابعة والستون) الأمر هل يخرج ما في الذمة إلى الأمانة فيرتفع الضمان أم لا

- ‌(القاعدة الخامسة والستون) الأصل منع المواعدة بما لا يصح وقوعه في الحال حماية

- ‌(القاعدة السادسة والستون) الصور الخيالية من المعنى هل تعتبر أم لا

- ‌(القاعدة السابعة والستون) المعدوم معنى هل هو كالمعدوم حقيقة أم لا

- ‌(القاعدة الثامنة والستون) الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا

- ‌(القاعدة التاسعة والستون) النكاح من باب الأقوات، أو من باب التفكهات

- ‌(القاعدة السبعون): من فعل فعلا لو رفع إلى الحاكم (أ) لم يفعل سواه، هل يكون فعله بمنزلة الحكم أم لا

- ‌(القاعدة الواحدة والسبعون): العوض الواحد إذا قابل محصور المقدار وغير محصوره هل يفض عليهما أو يكون للمعلوم، وما فضل للمجهول، وإلا، وقع مجانا

- ‌(القاعدة الثانية والسبعون) الطول هل (أ) هو المال، أو وجود الحرة في العصمة

- ‌(القاعدة الثالثة والسبعون) المهر هل يتقرر جميعه بالعقد أم لا

- ‌(القاعدة الرابعة والسبعون) الطوارئ هل تراعى أم لا؟ ثالثها تراعى القريبة فقط

- ‌(القاعدة الخامسة والسبعون) اشتراط ما يوجب الحكم خلافه مما لا يقتضي فسادا هل يعتبر أم لا

- ‌(القاعدة السادسة والسبعون) اشتراط ما يفيد هل يجب الوفاء به أم لا

- ‌(القاعدة السابعة والسبعون) البتة هل تتبغض أم لا

- ‌(القاعدة التاسعة والسبعون) بيع الخيار هل هو منحل أو منبرم

- ‌(القاعدة الثمانون) الخيار الحكمي هل هو كالشرطي أم لا؟ (1)

- ‌(القاعدة الثانية والثمانون) من الأصول: المعاملة بنقيض المقصود الفاسد

- ‌(القاعدة الثالثة والثمانون) الموزون إذا دخلته صنعة هل يقضى فيه بالمثل أو بالقيمة

- ‌(القاعدة الرابعة والثمانون) ما في الذمة هل هو كالحال أم لا

- ‌(القاعدة الخامسة والثمانون) ما في الذمة هل يتعين أم لا

- ‌(القاعدة السادسة والثمانون) الموجود حكما هل هو كالموجود حقيقة أو لا

- ‌(القاعدة الثامنة والثمانون) من أخر ما وجب له عد مسلفا

- ‌(القاعدة التاسعة والثمانون) من جعل ما لم يجب عليه هل يعد مسلفا ليقتضي من ذمته إذا حل الأجل إلا في المقاصة - وهو المشهور، أو مؤديا - ولا سلف ولا اقتضاء وهو المنصور لأنه إنما قصد إلى البراءة والقضاء

- ‌(القاعدة التسعون) المستثنى هل هو مبيع أو مبقى

- ‌(القاعدة الواحدة والتسعون) الإِقالة هل هي حل للبيع الأول أو ابتداء بيع ثان

- ‌(القاعدة الثانية والتسعون) الرد بالعيب هل هو نقض للبيع من أصله أو كابتداء بيع

- ‌(القاعدة الثالثة والتسعون) رد البيع الفاسد هل هو نقض له من أصله أو من حين رده

- ‌(القاعدة الخامسة والتسعون) من خير بين شيئين فاختار أحدهما هل يعد كالمتنقل أو لا؟ (أ) وكأنه ما اختار قط غير ذلك الشيء

- ‌(القاعدة السابعة والتسعون) الضرورات تبيح المحظورات (6)

- ‌(القاعدة التاسعة والتسعون) الدعوى هل تتبعض أم لا

- ‌(القاعدة المائة) النهي هل يصير المنهى عنه كالعدم أم لا

- ‌(القاعدة الواحدة والمائة) إذا اجتمع ضراران أسقط الأصغر للأكبر

- ‌(القاعدة الثانية والمائة) السكوت على الشيء هل هو إقرار به أم لا؟ وهل هو إذن فيه أم لا

- ‌(القاعدة الثالثة والمائة) الكتابة هل هي شراء رقبة أَو شراء خدمة؟ (1)

- ‌(القاعدة الرابعة والمائة) الكتابة هل هي من ناحية العتق، أو من ناحية البيع

- ‌(القاعدة الخامسة والمائة) القسمة هل هي تمييز حق أو بيع

- ‌(القاعدة السادسة والمائة) الشفعة هل هي بيع أو استحقاق

- ‌(القاعدة السابعة والمائة) المصنوع هل يكون قابضا للصنعة، وإن لم يقبضه وبه أو لا يستقل بقبض الصنعة إلا بقبض ربه

- ‌(القاعدة الثامنة والمائة) الأصل بقاء ما كان على ما كان

- ‌(القاعدة التاسعة والمائة) المعرى هل يملك العرية بنفس العطية أو عند كمالها

- ‌(القاعدة العاشرة والمائة) من ملك ظاهر الأرض هل يملك باطنها أم لا

- ‌(القاعدة الحادية عشرة والمائة) العادة هل هي كالشاهد، أو كالشاهدين

- ‌(القاعدة الثانية عشرة والمائة) زيادة العدالة هل هي كالشاهد أو كالشاهدين

- ‌(القاعدة الثالثة عشرة والمائة) الجزء المشاع هل يتعين أم لا

- ‌(القاعدة الرابعة عشرة والمائة) مضمن الإقرار هل هو كصريحه أم لا

- ‌(القاعدة الخامسة عشرة والمائة) الأرض هل هي مستهلكة (أ) أو مربية

- ‌(القاعدة السادسة عشرة والمائة) الحكم هل يتناول الظاهر والباطن، أم لا (ب) يتناول إلا الظاهر فقط؟ - وهو الصحيح

- ‌(القاعدة السابعة عشرة والمائة) الانتشار هل هو دليل للاختيار أم لا

- ‌(القاعدة الثامنة عشرة والمائة) كل ما أدي إثباته إلي نفيه فنفيه أولي

- ‌تعريف وبيان:

- ‌شكر وتقدير

الفصل: ‌أ- الحالة السياسية بالجزائر:

- فترة ما بين (834 - 874 هـ)(1431 - 1469 م) - وهي التي قضاها بمسقط رأسه (الجزائر)، وتصور طور طفولته وشبابه من حياته.

- وفترة ما بين (874 - 914 هـ)(1469 - 1508 م) - وقد عاشها بالمغرب (فاس) وتمثل طور الكهولة والشيخوخة.

ويبدو أن لكل من العصرين، أو الفترتين -على الأصح- أثره الخاص في نفس صاحبنا، سواء من الناحية السياسية، أو الاجتماعية، أو الفكرية؛ لذا سأحاول تسليط بعض الأضواء على هذه النواحي الثلاث:

‌1 - الحياة السياسية في كلا البلدين:

‌أ- الحالة السياسية بالجزائر:

شاءت الأقدار الإلهية أن يرى أبو العباس الونشريسي نور الحياة -والدولة الزيانية الحاكمة-آنذاك- بالجزائر تمر بأحلك فتراتها، وتعاني أشد ما تعاني من الفوضى، والاضطرابات الداخلية، والتمزقات السياسية: نتيجة ضعف جل ملوك هذه الدولة، وانهماكهم في التنافس والتهالك على تسنم العرش

الجزائري، الذي أضحى تحت رحمة ملوك الحفصيين منذ أن

ص: 8

تخلت عنه -لظروف قاهرة- دولة بني مرين في حدود (812 - 827 هـ)(6).

وحاول الزيانيون -غير مرة- التخلص من سيطرتهم، وإبعاد هذا الكابوس الجاثم على صدورهم، وإزالة الخناق المطوق لرقابهم، لكن بدون طائل.

فهذا أبو العباس أحمد الزياني الملقب بـ (المعتصم بالله) رغم أن الحفصيين هم الذين ولوه عرش تلمسان (866 - 866 هـ)(7)(1431 - 1461 م)(8) - فإنه لم يكد يستوي على قدميه حتى ثار ضدهم، وأعلن رفض دعوتهم سنة (837 هـ- 1433 م)(9) متخيلا أنهم سيتغاضون عن محاولته الاستقلال عنهم، وأنهم سيعدلون عن سياستهم المتبعة: القتل، أو حبس كل من سولت له نفسه الخروج عن طاعتهم وتعيينهم -في محله- من يخطب باسمهم، ويأتمر بأمرهم.! ! فلم يصدق تخيله.

لكون أبي فارس الحفصي بمجرد ما وصله الخبر، زحف بجيش جرار على الجزائر، قاصدا العاصمة (تلمسان) بيد أنه-

(6) الاستقصا للناصري ج- 4 - ص: 91 طبع دار الكتاب- الدار البيضاء المغرب، وتاريخ الجزائر العام للجيلالي- ج- 2 ص: 189، طبع مكتبة الحياة- بيروت.

(7)

من الصدق أنه ولوه في نفس السنة التي ولد فيها الونشريسي.

(8)

تاريخ الجزائر العام-ج- 2 - ص: 189.

(9)

نفس المصدر- ج- 2 - ص: 191.

ص: 9

من سوء حظه، وحسن حظ خصمه- أنه وافاه أجله قبل الوصول إليها، فاضطر جيشه إلى الرجوع إلى تونس (10)، فتنفس أبو العباس (العاقل) الصعداء، وراح ينعم بشيء من الاستقرار، لكن هذا الاستقرار لم يدم طويلا، إذ سرعان ما فوجئ بعصيان أخيه (أبي يحيى) وإعلان الثورة عليه، تسانده بعض القبائل التي سئمت حكم السلطان، فهرع إلى تلمسان مع أنصاره، وحاصرها مدة، وحينما استعصمت عليه اتجه إلى وهران، فاحتلها سنة (840 هـ)(11)(1437 م) - بغير قتال، وحاول السلطان- مرارا مطاردته، إلا أن النجاح لم يحالفه في البداية، لصمود أخيه، واستماتة أنصاره، وانشغال السلطان بمقاومة ثورة أخرى شنها عليه أبو زيان محمد (المستعين بالله) الذي زودته حكومة تونس بالجند والعتاد، وتمكن من السيطرة على كثير من الولايات، واتخذ مدينة الجزائر مركزا لإنشاء دولته، وكاد أن يستفحل أمره، لو لم يقض عليه أبو يحيى (صاحب وهران) واستولى على ما كان بيده، وأحس أبو العباس (العاقل) -أكثر من ذي قبل- بالخطر الذي يهدد ملكه، وصمم العزم على القضاء على أخيه (أبي يحيى) قبل أن يقضى عليه، فاحتدمت بينهما حروب منهكة، إلى أن رجحت كفة أبي العباس في النهاية، بالانتصار على أخيه، واستيعادته جميع الولايات إلى حظيرة مملكته،

(10) تاريخ الجزائر العام ج- 2 - ص: 191.

(11)

نفس المصدر.

ص: 10

واعتقد بذلك أنه قضى علي كل الثورات المتلاحقة وأنه سينعم بشيء من الطمأنينة، ولم يكن يتوقع أن أبا ثابت (المتوكل علي الله)(حفيد أخيه) سيقوم بثورة عارمة ضده، وأن نهاية حكمه ستكون علي يده.

وفعلا فقد نزل أبو ثابت المتوكل علي العاصمة (تلمسان) كالصاعقة سنة (866 هـ-1461 م)(12) وطرد منها السلطان (عم أبيه) ونفاه إلى الأندلس، وفي نفس الوقت أعلن استقلاله عن الدولة الحفصية، (13) وما كادت تصل هذه الأنباء إلى تونس، حتى هب سلطانها أبو عمرو عثمان الحفصي بجيش عارم؛ مكتسحا به جل الولايات والقبائل الجزائرية، وبدل أن يحاول أهلها رد زحفه ومقاومته، صاروا يقدمون له التمر والحليب، معلنين بذلك ترحابهم به، وسخطهم علي حكم السلطان أبي ثابت الذي وجد نفسه مهددا بالخطر، وأن حكمه وشيك الانهيار إن لم يتدارك الأمر عن عجل، فلم يجد حيلة تنقده من تلك الورطة خيرا من إيفاده نخبة من كبار العلماء، ليتشفعوا له لدى السلطان الحفصي، فنفذها ونجحت حيلته، ثم قفل السلطان الحفصى راجعا إلى عاصممة ملكه، (14) بعد أن عين بعض الولاة والقواد بنفسه، غير أن أبا ثابت لم يأخذ العبرة بهذه الهزيمة، إذ ما لبث أن عاد إلى التمرد، بإعلانه رفض الدعوة الحفصية للمرة الثانية،

(12) تاريخ الجزائر العام ج 2 ص 193.

(13)

نفس المصدر ص 193.

(14)

نفس المصدر ص 194.

ص: 11

سنة (868 هـ 1463 م)(15) فقام الجيش الحفصي بحملة تأديبية، واسعة النطاق، أخضع لسلطته كثيرا من الجهات، ثم يمم العاصمة (تلمسان) فأحاط بها إحاطة السوار بالمعصم، فما كان من أبي ثابت إلا الاستسلام، وإهداء بنته لأحد الأمراء الحفصيين كعربون على إخلاصه، وكتابة البيعة -للسلطان الحفصي- بيده، جاء فيها: "شهد على نفسه عبد الله المتوكل عليه، محمد لطف الله به، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأعطى بنته بكرا للمولى أبي زكرياء يحيى بن المولى المسعود دون خطبة

(16) ".

هكذا كانت عجلة الأحداث تسير في الجزائر خلال هذه الحقبة، عراك وفتن داخلية، وثورات مضنية متتالية، والتطاحن على الملك والرئاسة -أصبح شيئًا مألوفا- بين الإخوة تارة، وبين الملوك المتجاورين تارة أخرى، والإسبان يخططون في خفاء، لاحتلال القواعد والثغور الإسلامية، والمراكز الاستراتيجية على البحرين: المتوسط والأطلسي، حتى لا تقع النجدة لمسلمي الأندلس، الذين كانوا يعيشون محنتهم الأخيرة، فاحتل الإسبان (فعلا) مدينة بونة (عنابة (17)) تمهيدا للسطو على المراكز الأخرى، والبرتغاليون -بدورهم- اشرأبت أعناقهم لأخذ حقهم في الغنيمة، فأخذوا

(15) نفس المصدر ص 195.

(16)

نفس المصدر ص 195.

(17)

عنابة مدينة تقع في أقصى الطرق الشرقي للجزائر على بعد 100 كيلو متر من حدود تونس مع الجزائر، وتبدل اسمها عدة مرات من (هبو) و (هبونة) و (زاوة) و (بونة) إلى اسمها الحالي عنابة. انظر مجلة العربي ع 178 ص:83.

ص: 12

يستعدون للاستيلاء على ميناء وهران- للمرة الثانية- دون أن يحرك حكام الجزائر- آنئذ- ساكنا للدفاع عن ثغورهم التي صارت تتساقط في يد العدو تباعا، ولا التفتوا إلى تضرعات أهل الأندلس، واستغاثاتهم المتكررة، وربما انتقد أبو العباس الونشريسي- وقد عرف بصراحته وتصلبه في الحق، وغيرته على الإسلام- موقف أبي ثابت السلبي إزاء نداءات الأندلس، وسياسته الفاشلة لعدم تبصره بتصريف الأمور بتعقل وحكمة، فلو عامل السلطان الحفصي بدهاء وحنكة، لما لحقته تلك الهزيمة والإهانة، بل ولاستماله إلى التعاون معه على محاربة العدو الأكبر، الذي كان يعيث فسادا في الأندلس المسلمة، ويستعمل كل الوسائل البشعة لاستئصال أهلها وقلع جذور الإسلام منها، وهاهو ذا بلغت به الجرأة إلى اقتحامه الشواطيء الجزائرية وغيرها- تحديا واستكبارا، وربما غضب الونشريسي لذلك، واستنكر على السلطان مواقفه المزرية جهارا، فحملته أنفة الملوك على طرد صاحبنا من تلمسان، وانتهاب داره.

كما يحتمل أن الونشريسي أتهم بالتحريض على مشايعة الملك الحفصي، ومبايعته له، أو على الأقل كان من ضمن الذين رحبوا به أثناء قيامه بحملة تأديبية، معلقين عليه آمالهم أن يعمل على طرد العدو من شواطئهم بعد أن يئسوا وتيقنوا من عجز أبي ثابت وسلبيته إزاء الأندلس، وتوفير الأمن الداخلي، والذود عن حوزة الوطن

ومن الغريب أن كتب التراجم تمر بهذا الحادث مر الكرام دون أن تذكر أي سبب أو تعليل، بل وحتى إسم السلطان، الذي

ص: 13