الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحليلها علي ضوء الفقرات القليلة الواردة في بعض المصادر ثم اتبع ذلك بصورة موجزة عن عناصر ثقافته، ومقوماته العلمية.
أ- صفاته الجسمية والخلقية:
عبثا حاولت العثور علي وثيقة، أو مصدر يصف -لنا- أبا العباس وصفا جسمانيا كي نعرف -علي الأقل- أكان طويل الجسم، أم قصيره، أبدينه أم نحيفه؟ أوسيم الوجه أم غير ذلك؟ - لكن بدون جدوى، وكل ما ذكرته بعض المصادر في هذا الشأن- أنه كان أصلع، (62)، ولست أدري ما المغزي من ايراد هذا الوصف فقط؟ دون التعرض لوصف آخر؛ وربما ليوحي لنا بالحكم علي طبيعة -صاحبنا- من خلال هذا الوصف القصير الذي يدل -كما يقول البعض- علي طهارة الضمير، ونقاء السريرة، والتحلي بمكارم الأخلاق
…
(63)
وعلي أي فإذا كنا لا نملك أخبارا مفصلة عن صفاته الجسمية، فباستطاعتنا أن نستخلص من سلوكه وآثاره بعض صفاته الخلقية، التي يتجلي أهمها -في نظري- فيما يلي:
- علو الهمة، فقد كان طموحا إلي المعالي، ويتمثل ذلك في إقباله علي الدرس والتحصيل، والتبحر في مختلف أبواب المعرفة، فأكثر الشيوخ الذين أخذ عنهم، وجثا بين أيديهم، يمثلون الطبقة العالية في العلم، وسمو الأخلاق، كأبي الفضل
(62) انظر الدوحة ص: 37.
(63)
انظر تاج العروس (صلع).
العقباني، وأبي عبد الله القوري، وابن زكري المانوي، وابن مرزوق العجيسي- الكفيف
…
وهو في أبحاثه ودراسته، لا يرضي بالرجوع إلي المصادر الثانوية، والمختصرات الصغيرة، وإنما يعتمد علي الأمهات (64)(الينابيع الصافية).
ومن أخلاقه -التي تتمثل في سلوكه- الشجاعة الأدبية، فقد كان صليبا في الحق، لا يخشي في الله لومة لائم، (65) وقد طردته السلطة الجزائرية، لا لشيء إِلا لكونه لم يرض عن الوضع المتردي الذي كانت عليه البلاد، "فانتهبت داره، وضاعت أسبابه وكتبه، (66) فلحق بالمغرب (67)(وطنه الثاني).
وهنا يتبادر إلي الذهن بعض تساؤلات، لماذا اختار المغرب الأقصي - لهجرته دون سائر الأقطار الإسلامية؟ ولماذا فضل فاسا عن المدن المغربية الأخرى؟ أما يخشي أن يجد مضايقة في المدينة التي كانت تعج بالعلماء؟ أما كان من الأحسن له أن يتجه إلى غيرها- علما بأن المغرب عموما، وفاسا خصوصا، كانت آنئذ في حالة متدهورة للغاية؟ ! .
فالإجابة عن هذه الآسئلة تحتمل عدة احتمالات منها:
- أن شدة حبه لوطنه وتعلقه به، طغي علي كل شيء، فأرغمه علي التنقل إلي -أقرب المسافة- المغرب الأقصي،
(64) انظر أزهار الرياض ج 3 - ص: 33 - 36.
(65)
انظر دوحة الناشر ص: 38.
(66)
انظر مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم (76) - اللوحة (1 - ب).
(67)
ذكر في جذوة الاقتباس ج 1 ص: 79 أنه نزل علي الأستاذ الصغير، العالم المقريء، فبالغ في بره وإكرامه.
الذي كان بالأمس القريب وطنا لكثير من أهل تلمسان، كما يحتمل أن قلة الزاد، وعدم ميله للمغامرة، كان لهما دورهما في اختيار المغرب، وكونه فضل فاسا علي عيرها، يحتمل لوجود بعض أهل ونشريس بها، ومعرفته السابقة لكثير من علمائها، وتبادله معهم المكاتبات، وبعض المراسلات والاستفتاءات، فحفزه ذلك إلي اختيار فاس ليأنس بهم، وينسوه عربته، وطبعا لم يخش آية مضايقة لأنه كان مؤمنا بمقدرته العلمية، ومهارته الفائقة في المذهب المالكي أصوله وفروعه، ولم يكن من ذلك النوع الذي يتسابق علي الشهرة، وجمع حطام الدنيا عن طريق الإفتاء حتى يقصد مدينة أخرى.
ومهما يكن فإنه كان يعرف -مسبقا- أن الحالة في فاس مضطربة، وأن الحياة فيها ليست هادئة، والدليل علي ذلك ما أنشده أثناء سيره إليها من تلمسان:
لبلدة فاس حرك السير واسرعا (68)
…
وأرض تلمسان أرفضن أيما رفض
علي أنه لا يرتضي الكل منهما
…
ولكن (بعضن الشر أهون من بعض)(69)
ومنها: ورعه وتدينه المتين، (70) وميله إلي الحياة البسيطة، والزهد في ملذات الدنيا، فقد عاش في دويرة صغيرة
(68) حذف همزة القطع لضرورة الوزن.
(69)
كذا وجد هذان البيتان - في كناشة خاصة- منسوبين للإمام أبي العباس الونشريسي، وهما أقرب إلي روحه، وعليهما طابع فقيه.
(70)
انظر شجرة النور ص: 274.