الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للأحباس، (71) يلبس الخشن، (72) ويرضي بالدون من العيش. (73) ويعزف عن البذخ والإسراف، ويمقت الظهور بمظهر البؤس والاستعطاف.
ومنها: تواضعه وأدبه الجم، فقد كان يجلس- علي جلالة قدره- في حلقات الدرس لبعض العلماء بفاس، (74) وكان يخرج لقضاء بعض حوائجه علي أتان له، يحمل عليها أمتعته وكتبه، (75) ولا سيما عندما يخرج إلي ضيعته الصغيرة ولا يري في ذلك غضاضة.
وكما يبدو أن أبا العباس نشأ في بيئة تتسم بطابع البد والوقار إلي حد التزمت، فقد عاش ميالا إلي العزلة، بعيدا عن مباهج الحياة، ولذا لم يكن له كبير اتصال بذوي السلطان والجاه، (76) إلا لضرورة ملحة، في حين كانت تربطه صلات وثيقة بالعلماء ذوي الخشية. (77)
ب- ثقافته ومكانته العلمية:
ليس بغريب علي من اتخذ العلم مهنته الوحيدة -منذ نعومة أظفاره ومواصلة البحث والتدوين هويته- أن تكون
(71) انظر فهرسة المنجور ص: 59.
(72)
انظر الدوحة ص: 38.
(73)
انظر فهرسة المنجور ص: 53.
(74)
انظر جذوة الاقتباس ج 1 ص: 79.
(75)
الدوحة ص: 38.
(76)
الدوحة ص: 38.
(77)
أمثال الشيخ زروق، والإمام أبي عبد الله السنوسي، والعلامة ابن غازي، وله معهم مكاتبات كثيرة.
ثقافته واسعة، ومكانته العلمية فائقة، وخاصة في الميادين الفقهية، وأن يأتي إنتاجه الفكري خصبا وافرا، ويعجب به، ويعترف له كثير من العلماء، منهم ابن غازي الذي زكى فقهه تزكية غريبة، لو صدرت من غيره، لقلنا فيه نوع من المبالغة، لكن ابن غازي لا يطلق الكلام جزافا، وإنما يعني كل ما يقول: "لو أن رجلا حلف بطلاق زوجته علي أن أبا العباس الونشريسي أحاط بمذهب مالك: أصوله وفروعه، لبر في يمينه، ولا تطلق عليه زوجته، لتبحره وكثرة اطلاعه، وحفظه وإتقانه، وكل من يطالع أجوبته وتواليفه، يقضي بذلك) (78).
ومن هنا سماه المقري بعالم المغرب، (79) وربما سماه حافظ الحفاظ (80). وكفاه شرفا، وتنويها بعلمه، وتخليدا لذكره -أن سمي كرسي المدونة (81) بفاس- باسمه، وبقي كذلك إِلي أن أدخل علي القرويين نظامه الجديد.
وكتب إِليه ابن غازي رسالة مطولة، يجيبه فيها عن مسائل علمية، تتصل بالتاريخ والسير، وكلها تنويه وتقدير -لأبي العباس- سماها:"الإشارات الحسان إلي حبر فاس وتلمسان"(82).
وأعتقد أن لا حاجة تدعو إلي نقل جميع الآراء التي قيلت في شأنه، وفي تقويم شخصيته وثقافته -وهي كثيرة-
(78) الدوحة ص: 37.
(79)
انظر النفح ج 5 ص: 340.
(80)
انظر أزهار الرياض ج 4 اللوحة 121.
(81)
انظر فهرسة المنجور ص: 50 و 53.
(82)
انظر أزهار الرياض ج 3 ص: 66 - 87.
ما دام الكل متفقا على الإطراء والثناء عليه، لذا سأقتصر على نقل رأيين اثنين فيه -علاوة على رأي ابن غازي السالف الذكر-: أحدهما لابن عسكر المصباحي -وهو يمثل رأي معاصريه فيه- إذ يقول: "الشيخ الإمام المصنف الأبرع، الفقيه الأكمل الأرفع، البحر الزاخر، والكوكب الباهر، حجة المغاربة علي أهل الأقاليم، وفخرهم الذي لا يجحده جاهل ولا عالم
…
كان رحمه الله من العلماء الراسخين، والأئمة المحققين، ألف (المعيار المعرب) فبز فيه الأوائل والأواخر، ولقد رأيته مر يوما بالشيخ ابن غازي بجامع القرويين فقال ابن غازي لمن كان حوله: "لو أن رجلا حلف بطلاق زوجته أن أبا العباس الونشريسي أحاط بمذهب مالك أصوله، وفروعه (83)
…
إلي آخر النص الآنف الذكر، أما الثاني فهو رأي أبي عبد الله محمد بن جعفر الكتاني -وهو من الطبقة المتأخرة- قال في السلوة:
(
…
الفقيه الكبير، الحافظ المحصل الشهير، العلامة المشارك القدوة، المنصف الأسوة، حامل لواء المذهب المالكي، علي رأس المائة التاسعة، وإمام المغرب والمشرق (84)
…
).
تلك بعض ملامع شخصية أبي العباس وثقافته، مستخلصة من شذرات واصفي حياته وسلوكه، وآراء غيره في مكانته
(83) انظر الدوحة ص: 38.
(84)
ج 2، ص:153.
العلمية. وإذا كانت تلك الملامح لم تعطنا صورة مكتملة لشخصيته، فقد ساعدتنا -على الأقل- في تبيان خطوطها العامة، ومعالمها الكبرى.
3 -
آثاره:
عاش أبو العباس نحو ثمانين عاما -وقد عكف خلال هذه الحقبة الطويلة علي الدرس وتحصيل العلوم المختلفة، وخالط شيوخ العلم وأئمة المعرفة- في المغربين- الأوسط والأقصي، كما أفاد من المكتبات التي اطلع عليها في كلا القطرين سواء منها العامة (1) والخاصة، (2) وأقبل علي تأليف الكتب العديدة، وأكثرها في الفقه المالكي، ويذكر لنا بعض معاصريه وصفا دقيقا عن الحياة الصوفية التي عاشها أبو العباس في محراب التأليف فيقول: "كانت كتبه كلها مورقة غير مسفرة وكانت له عرصة يمشي إليها في كل يوم -ويجعل- (يأخذ) حمارا يحمل عليه أوراق الكتب، في كل كتاب ورقتين أو ثلاثا، فإذا دخل العرصة جرد ثيابه، وبقي في قشابة صوف يحزم عليها بمضمة جلد، ويكشف رأسه، وكان أصلع، ويجعل تلك الأوراق على حدة في صفين، والدواة في حزامه، والقلم في يد، والكاغد في أخرى، وهو يمشي بين الصفين يكتب النقول من كل ورقة،
(1) وقد اعتكف طويلا بخزانة القرويين التي كانت مورد الباحثين والدارسين عبر عصور التاريخ، انظر (أزهار الرياض) ج 3 ص:36.
(2)
ومن أهم الخزائن التي أفاد منها كثيرا، خزانة تلميذه محمد بن الغرديس قاضي فاس، وهي من الخزائن التاريخية بالمغرب. انظر فهرسة المنجور ص: 51 - 52.
حتى إذا فرغ من جلبها -على المسألة- قيد ما عنده وما يظهر له من الرد والقبول (3) ".
ويلاحظ أن الذين ترجموا له لم يذكروا كتبه كلها، فابن عسكر صاحب الدوحة، لم يذكر له إِلا كتابين (4) فقط، وإسماعيل باشا البغدادي -في إيضاح المكنون- (5) ذكر له ثلاثة كتب، وفي هدية العارفين (6) نفس العدد، إلا أنه زاد ونقص والتبس غليه الأمر فجعل أقضية المعيار في التاريخ، و (المعيار) - في الفقه - (7) وهما كتاب واحد.
وابن القاضي في الجذوة ذكر له خمسة (8) كتب، ونقل ذلك مخلوق في (شجرة النور الزكية)، (9) وصاحب معجم المؤلفين (10) ولم يزيدوا علي ذلك شيئًا.
أما أحمد بابا لقد أورد له في (نيل الابتهاج)(11) ستة، وعليها اقتصر ابن مريم في (البستان)، (12)، والحجوي في (الفكر السامي)، (13) والزركلي في (الأعلام)(14)، بيد أن هذا
(3) انظر الدوحة ص: 33.
(4)
نفس المصدر.
(5)
ج 1 ص 157.
(6)
ج 1 ص: 138.
(7)
نفس المصدر.
(8)
ج 1 ص: 79.
(9)
ص: 275.
(10)
ج 2 ص: 205.
(11)
ص: 88.
(12)
ص: 53.
(13)
ج 4 ص: 99.
(14)
ج 1 ص: 256.
الأخير زاد ونقص، وقد وهم فجعل (القواعد) و (إيضاح المسالك) كتابين، (15)، وهما- في الواقع - اسمان لمسمي واحد.
وأوصلها البوعزاوي في مقدمة (المعيار)(16) إلي ثلاثة عشر، إِلا أنه هو الآخر وقع في نفس الوهم، حيث جعل (القواعد) و (الإيضاح
…
) كتابين، (17) وعلي نفس العدد اقتصر صاحب (معجم أعلام الجزائر)(18) مع الزيادة والنقصان -وهو بدوره وقع في خطإ فجعل (المعيار) و (نوازل المعيار) - كتابين اثنين (19).
وأول ما يلفت النظر أن أكر مؤلفاته تحمل عناوين طويلة ومسجوعة.
وفيما يلي نستعرض هذه المؤلفات، ثم نفصل القول فيها- ما بين مخطوط ومطبوع:
1 -
كتاب "الواعي لمسائل الإنكار والتداعي" أشار إِليه (20) في كتابه "إيضاح المسالك"، (21) وهو من أولي مؤلفاته علي ما يظهر.
2 -
كتاب "الأسئلة والأجوبة" ضمنه أسئلة واستشكالات، كان بعث بها إلي أستاذه أبي عبد الله القَوْري
(15) نفس المصدر.
(16)
ج 1 ص: 3.
(17)
نفس المصدر.
(18)
ص: 49.
(19)
نفس المصدر.
(20)
وذكره في مقدمة المعيار ج 1/ 3.
(21)
انظر ص: 270 من هذه الرسالة.
بفاس سنة (871 هـ)(22) فأجابه عنها، ثم جمعها أبو العباس في شكل كتاب، وقد أورد طائفة منها في كتابه (المعيار)، (23) وتوجد نسخة منها بالخزانة العامة بالرباط ضمن مجموع رقم:(د-2197)، وتقع في 18 ورقة.
3 -
كتاب "الأجوبة" جمع فيها أجوبته، أو جمعت له على الأصح، وأضيفت إليها (54) مسألة كان وجهها إلي فاس أبو عبد الله القلعي، فأحابه عنها أبو العباس الونشريسي، وتعرف بالمسائل القلعية، أشار إليها ابن مريم في البستان، (24) وتوجد نسخة من كتاب الأجوبة في الخزانة العامة بالرباط رقم (ك- 684)، وأخري بخزانة تطوان رقم:654.
4 -
"مختصر أحكام البرزلي" وهو من أولي مؤلفات أبي العباس، ونسخه كثيرة بالمكتبات العامة والخاصة، وتوجد بالخزانة العامة بالرباط - منه نسختان رقم:(ق 6581) ورقم: (ك 634) وبالخزانة الملكية نسختان أخريان رقم: (9843) و (8462).
5 -
"إيضاح المسالك إلي قواعد الإمام أبي عبد الله مالك".
وهذا الكتاب هو الذي قمت بتحقيقه، واخترته موضوع رسالتي هاته.
(22) انظر المعيار ج 4 ص، 283.
(23)
ج 4 ص: 283 وج 6 ص: 334.
(24)
ص: 27.
6 -
"نظم الدرر المنثورة، وضم الأقوال الصحيحة المأثورة، في الرد علي من تعقب بعض فصول جوابنا علي نازلة صلح السيفي وأبي مدورة".
رسالة في 25 صفحة، كتبها عام (882 هـ) وتوجد نسخة منها بخط يد المؤلف في الخزانة العامة بتطوان رقم (147) وأدرجها في (المعيار). (25)
7 -
"تنبيه الطالب الدراك، علي توجيه الصلح بين ابن صعد والحباك".
رسالة في 16 صفحة، كتبها عام (886 هـ) وقد أدرجها في (المعيار)(26).
8 -
"عدة البروق، في جمع ما في المذهب من الجموع والفروق".
طبع علي الحجر بفاس، وتوجد نسخة منه بالخزانة الملكية رقم:1563.
9 -
"أسني المتاجر في بيان أحكام من غلب علي وطنه النصارى ولم يهاجر، وما يترتب عليه من العواقب والزواجر".
رسالة في 14 صفحة أدرجها في (المعيار)(27)، وتوجد نسخة منها بالأسكريال رقم:1758.
15 -
"الولايات" في الخطط الشرعية، طبع بالمطبعة الجديدة بالرباط سنة (1356 - 1937 م).
(25) ج 6 ص: 417.
(26)
ج 6 ص: 390.
(27)
ج 2 ص: 95.
11 -
"الفهرسة" ضمنها شيوخه ومروياته، أجاز بها تلميذه أبا عبد الله محمد بن عبد الجبار الورتدغيري، وألفها باسمه في حدود (809) ذكرها المنجور في فهرسته (28)، ووقف عليها صاحب السلوة ونقل منها (29).
12 -
"تنبيه الحاذق الندس، علي خطأ من سوى بين القرويين والأندلس"- رسالة كتبها عام (911 هـ) وأدرجها في المعيار (30).
13 -
"إضاءة الحلك في الرد علي من أفتي بتضمين الراعي المشترك".
رسالة صغيرة في 8 صفحات طبعت علي الحجر بفاس.
14 -
"الوفيات" نشرته أخيرا دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر ضمن كتاب "ألف سنة من الوفيات- لي ثلاثة كتب" لحجي.
15 -
تأليف في التعريف بأبي عبد الله المقري- ذكره في النفح (31) ولم أقف عليه.
16 -
تعليق علي مختصر ابن الحاجب الفقهي- في ثلاثة أسفار ذكره ابن القاضي في "الجذوة"(32) وأحمد بابا في
(28) ص: 50.
(29)
ج 2 ص: 80.
(30)
ج 1 ص: 211.
(31)
ج 5 ص: 340.
(32)
ج 1 ص: 79.
(نيل الابتهاج)(33) وابن مريم في "البستان" وقال: إنه وقف علي بعض أسفاره (34).
17 -
"القصد الواجب، في معرفة اصطلاح ابن الحاجب"- ذكره إسماعيل باشا البغدادي في "هدية العارفين"(35) ولم يشر أحد غيره إِليه (36).
15 -
"الدرر القلائد، وغرر الدرر والفوائد" جمع فيه ما قيده أبو عبد الله المقري علي مختصر ابن الحاجب الفرعي، وزاد عليه ما يناسبه (37).
19 -
كتاب "الفوائد المهمة" وهي في فنون، توجد نسخة منه مبتورة. الأول- بالخزانة العامة بالرباط- ضمن مجموع رقم:(2197 د) وفيه فوائد جليلة.
20 -
"المعيار المعرب، والجامع المغرب، عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب"- في اثني عشر جزءًا، طبع علي الحجر سنتي (1314 - 1315 هـ).
21 -
"المنهج الفائق، والمنهل الرائق، والمغني اللائق، بآداب الموثق، وأحكام الوثائق"- لم يكمل، طبع علي الحجر.
22 -
"عنية المعاصر والتالي، في شرح وثائق الفشتالي"، طبع علي الحبر.
(33) ص: 88.
(34)
ص: 53.
(35)
ج 1 ص، 138.
(36)
وربما كان هو نفس (تعليق علي مختصر ابن الحاجب) الذي ذكروه، فيكون صاحب "هدية العارفين" تبرع باسمه فقط.
(37)
انظر مقدمة المعيار للبوعزاوي ج 1 ص: 3.
23 -
كتاب "حل الربقة، عن أسير الصفقة" - لم يكمله، ذكره ميارة في تأليف له في الصفقة (38).
24 -
حواشي (39) علي تأليف (الإِعلام للقريب والنائي، في بيان خطإِ عمر الجزنائي (40)) لبعض تلاميذه (41) الفاسيين، ذكره المقري في أزهار الرياض، وأورد جملا منه (42).
تفصيل في أهم كتبه:
بعد أن تعرضت لمؤلفاته علي وجه الإِجمال، أري من الأفيد الرجوع إلي أهمها، لألقي نظرة شبه تفصيلية عنها، حتى يتضح لنا علي الأقل غرض المؤلف من تأليفه، ومضمنه، ومنهجه، ومصادره، وقيمته، وتاريخ تأليفه
…
ويأتي في طليعة كتبه المهمة:
1 -
"المعيار المعرب، والجامع المغرب، عن فتاوي علماء إفريقية والأندلس والمغرب".
(38) انظر مخطوط الخزانة العامة بتطوان رقم 619، ضمن مجموع صفحة 307.
(39)
وله تعاليق، وحواشي أخرى، منها ما كتبه علي رسالة ابن الخطيب "مثلي الطريقة، في ذم الوثيقة" انظر نفح الطيب ج 6 ص: 278.
(40)
انظر ترجمته في "نيل الابتهاج" صفحة 197.
(41)
لم يذكر اسمه في أزهار الرياض، وبحثت عنه قدر المستطاع فلم أقف علي ترجمته.
(42)
انظر "أزهار الرياض" ج 4 ص: 262 - 270.