الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الكتاب الثامن:
" أسنى المتاجر، في بيان أحكام من غلب النصارى علي وطنه ولم يهاجر، وما يترتب عليه من العاقب والزواجر".
كتيب صغير، وأصله فتوي، كتب إِليه في شأنها يسأله أبو عبد الله بن قطية وقد أدرج السؤال والجواب في كتابه "المعيار"، (66) ونقل الفتوي مفتي مصر الشيخ عليش في نوازله فقها مسلما (67).
غرض الكتاب:
بيان موقف الإسلام من طائفتين:
- إِحداهما هاجرت من دار الكفر إِلي دار الإسلام، لكنها ضاقت عليها سبل العيش، فأرادت الرجوع إلي دار الذل والهوان.
- والثانية لم تهاجر -وفي إِمكانها ذلك- وقد آثرت البقاء تحت راية الكفر.
مصادره:
اعتمد أبو العباس في فتواه هذه، علي الكتاب والسنة وآراء أئمة الفقه.
(66) ج 2 ص: 92 - 106.
(67)
ج 1 ص: 313 - 324 طبعة مصطفى محمد.
ومن المصادر التي عاد إليها:
أحكام القرآن للقاضي ابن العربي، وعارضة الأحوذي علي صحيح الترمذي له أيضًا، ومعالم السنن لأبي سليمان الخطابي، وإكمال المعلم للقاضي عياض، وشرح مسلم للنووي، ومقدمات ابن رشد، ونوازل ابن الحاج، وسواها.
تاريخ كتابته:
فرغ من كتابته في 19 ذي القعدة عام ستة وتسعين وثمانمائة (896 هـ).
قيمته:
لهذه الفتوي التي جعلها أبو العباس في شكل كتيب، قيمتها العلمية والتاريخية، وحاول بعض الباحثين المعاصرين أن يقلل من شأنها مصرحا بأنها "فتوى تقليدية، تلتمس الحجج -على الترتيب- من القرآن الكريم، والحديث الشريف، ثم أقوال الفقهاء، وفيي أثناء ذلك تتأول وتفسر كما تريد (68)
…
".
وهو انتقاد لا يقوم علي أساس. والبحث النزيه يفرض عليه أن يذكر هذه التفسيرات والتأويلات التي حاد بها أبو العباس عن روح النص- في زعمه، وإلا فيبقي مجرد كلام، (69).
(68) انظر "صحيفة الدراسات الإسلامية"، في مدريد، المجلد 5 ع 1 - 2 ص:146.
(69)
وقد تكفل بالرد عليه -زميلي- الأستاذ العافية، في بحث له مطول نشر بمجلة "المناهل" ع 4 ص: 306 - 326.
وقد مر آنفا أن الشيخ عليش مفتي مصر اعتمدها في نوازله، واستشهد بها في مواضع من كتابه، وكفي به حجة.
ولنا وقفة قصيرة مع قوله -بعد أن أعطانا عرضا موجزا عن الموريسكوس بالجزيرة الإبيرية-: "
…
ولقد ظلت بقايا قليلة من هذه الجماعة محتفظة -رغم القيود والإِرهاب- بدينها، وحروف لغتها حتى أواخر القرن السادس عشر الميلادي، وربما السابع عشر، ونجم من بينها -رغم كل شيء- رؤساء علي جانب كبير من الشهامة، وكرم الأرومة وثبات الدين
…
وهؤلاء هم الذين تصفهم فتوي الشيخ الونشريسي بالكفر والعصيان، ويفتي في أمر إِيمانهم وهو متبحبح في داره في فاس! ! وقد فاته أن ضعفاء الناس أكثر من الأقوياء وأن العاجزين عن الرحلة والهجرة، هم الغالبية العظمي (70) .. ".
هذا كلام لا يمثل الحقيقة في شيء، ففتوي الونشريسي لم تكن موجهة إلي تلك البقايا القليلة الضعيفة المستضعفة، التي لا حول لها ولا طول -كما زعم الكاتب- بل استثنتها كما استثناها القرآن الكريم بقوله:{إلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْولْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} (71) ".
وموضوع الفتوي -كما هو واضع جلي- تلك الكثرة الكاثرة المتواجدة بغرناطة وما حولها -بعد اتفاق الجماعة- العامة منهم والخاصة- علي التسليم لملك فشتالة في حدود
(70) انظر "صحيفة الدراسات الإسلامية" م 5 ع 1 - 2 ص: 144 - 145.
(71)
الآية 97 - 98 - سورة النساء.
سنة (896 - 1491)، (72) فوقعوا في حيص بيص، لا يدرون ما يفعلون، فوجه إليهم أبو العباس الونشريسي نداء الله، وقد استجاب إِليه الكثير - (73) رغم المغريات التي كانت تقدمها إليهم الكنيسة ليدخلوا في حظيرة الكفر وتنصيرهم، ورغم الامتيازات التي كانت تمنحها الدولة للمتنصرة منهم (74).
وقد توالت الهجرات في فترات من التاريخ، فكانت أول هجرة بعد سقوط غرناطة في حدود سنة (398 - 1492)(75)، وكان لها دورها الفعال في تاريخ المغرب البطولي، والحضاري، - ثم تصاعدت الهجرات فكان منها دفعة قوية سنة (902 - 1496)(76) توزعت في سائر أنحاء المغرب العربي، ثم تلتها دفعة أخرى عام (970 - 1563)(77).
والكاتب يعرف هذا جيدا، ولكنه مع ذلك أبى إلا أن يقول -في تعنت وإصرار- "ولقد كان لفتوى الونشريسي وأمثالها أسوأ الأثر علي مصير الجماعات الإسلامية الباقية في الأندلس (78)
…
".
(72) انظر "نهاية الأندلس" ص: 227 لمحمد عبد الله عنان- الطبعة 2.
(73)
"نبذة العصر" ص: 68.
(74)
انظر "نهاية الأندلس" ص: 296 - 297، وص: 303 - 304.
(75)
انظر أخبار العصر ص: 48 - 49، والنفح ج 4 ص:525.
(76)
خاتمة كتاب الأنوار السنية، في أنباء خير البرية، تأليف محمد بن عبد الرفيع الشريف الأندلسي، مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم: ك 1238.
(77)
نفس المصدر.
(78)
انظر "صحيفة الدراسات الإسلامية" م 5 ع 1 - 2 ص: 146.
وأما قوله: "
…
وهو -أي الشيخ الونشريسي- متبحبح في داره في فاس
…
" فهذا ليس هو الونشريسي الذي تذكره كتب التراجم بالزهد والورع، والدين المتين، عاش حياة التقشف يركب الحمار ويلبس الخشن، وظل يسكن دويرة للحبس، يؤدي كراءها إلي أن لقي ربه، وكان شديد الشكيمة، بعيدا عن أهل الجاه والسلطة والشهرة، صليبا في الحق، لا تأخذه في الله لومة لائم، -وإنما هو ونشريسي آخر- في مخيلة الكاتب، يصوره له وهمه -كما أراد! !
والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا
…
ما لم يروا عنده آثار إحسان