الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
من حيث الشمول: القواعد المستمدة من شرع الله أشمل وأعم وأصلح، لكونها ترمي إلى تهذيب سلوك الإنسان مع خالقه، وسلوكه مع الأفراد والجماعة؛ وترسم طريق الإصلاح والصلاح للإنسان في العاجل والآجل
…
بينما قواعد التشريع الحديث لا تهتم إلا بتنظيم علاقة الأفراد فيما بينهم، وعلاقتهم بالجماعة، وبالمصلحة الدنيوية فقط.
3 -
من حيث الغاية: القواعد المستنبطة من تشريع الله غايتها تحقيق العدل والعدالة معا، لذا نراها تخاطب وجدان الإنسان، - في حين قواعد التشريع الحديث هدفها تحقيق العدل فقط: إلى غيرها من الامتيازات التي امتازت بها القواعد الفقهية المستنبطة من الشريعة المحمدية، التي سادت جميع الأقطار الإسلامية، وقامت في ظلها حضارة فريدة، لم تعرفها الإنسانية من قبل؛ - علاوة على ما امتازت به مسطرتها القضائية من التبسيط وعدم التعقيد، وما تميز به قضاؤها من سرعة البت والتنفيذ.
ب - أثر القواعد الفقهية في التشريعات الحديثة:
لقد استمر التشريع الإسلامي متبوئًا عرش القضاء - في البلدان الإسلامية - خلال قرون طويلة، من غير أن ينافسه قانون سابق، أو لاحق، ولم يتزحزح عن مركزه القيادي، إلا بعد الاحتلالات السياسية والعسكرية للأقطار الإسلامية، ومنذئذ
انسحب التشريع الإسلامي من ميدان القضاء، إلا فيما يسمى بالأحوال الشخصية، وترك المجال فسيحًا - قهرًا - للقانون الفرنسي في بعض البلدان، وللقانون الإنجليزي في بعضها الآخر.
ولقد حاولت كثير من الدول الإسلامية - بعد أن من الله عليها بالاستقلال - أن تشرع قانونا يلبي احتياجاتها، وضمنته كثيرًا من الأحكام الفقهية؛ إلا تلك التشريعات جاءت على وتيرة الأسلوب الغربي - غالبًا - بحيث لم تتضمن القواعد الفقهية الإسلامية - كمواد تشريعية إلا نادرا، واستثناء من هذه الحالة، نجد بعض التشريعات الحديثة تضمنت قواعد فقهية بنفس الصيفة التي صاغها بها الفقهاء؛ ولعل أول محاولة - من هذا النوع - بدأت بإصدار مجلة الأحكام العدلية، في عهد الدولة العثمانية سنة (1286 هـ) لكانت شبه قانون مدني، يحتوي على (1851) مادة، تتصدرها (99) قاعدة من القواعد الفقهية، في شكل مواد ذات أرقام متسلسلة كالقوانين الحديثة، ثم صدر مرسوم سنة (1293 هـ) يلزم العمل بها، وتطبيق أحكامها في محاكم الدولة؛ وبذلك أصبحت المجلة قانونًا مدنيا عاما منتخبا من الأحكام الفقهية، (40) تتوجه القواعد الفقهية بصيغها المأثورة.
(40) انظر "المدخل الفقهي العام" ج 1 - ص: 210 للدكتور مصطفى أحمد الزرقاء - المطبعة التاسعة. مطبعة طربين - دمشق سنة 1387 هـ - 1968 م.
إن الشريعة الإسلامية التي ختم الله بها الشرائع السماوية - ما ضاقت نصوصها - يوما - ولن تضيق عن تلبية حاجات الناس كافة، ولا وقفت عقبة في سبيل تحقيق مصلحة أو عدالة، بل نراها وسعت مصالح الناس على اختلافهم، وكفى دليلا على ذلك أن الدولة الإسلامية استظلت برايتها - في عصورها الذهبية - أمم متباينة الأجناس والأديان، ومختلفة العادات والأعراف والأوطان، ورغم ذلك استطاعت أن تنظم شؤون تلك الأمم على أحسن ما يرام، وأوجدت حلولا لكل نزاع أو خصام، وما حدثنا التاريخ - قط - أن المسلمين اضطروا إلى الالتجاء إلى تشريع غيرهم، بل كانوا كلما فتح الله لهم أرضا؛ إلا وفتع العلماء أبوابا من الاجتهاد والاستنباط، وما عجزوا - قط - عن إيجاد حلول لكل ما استجد من مشاكل الحياة، ولا وجدوا أن الشريعة السمحة - أهملت مصلحة من مصالح العباد. فالتشريع الإسلامي الَّذي أصلح أول الأمة - وجعلها خير أمة أخرجت للناس - كفيل أن يصلح آخرها - إن هي عادت إلى كتاب الله، واستلهمته في وضع قوانينها وأحكامها، وآمنت إيمانا عمليا بقول الله عز وجل:{وَأَنِ احْكُمْ بَينَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ} (44) "، وقوله:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَينَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (45)
…
" وقوله: "{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَينَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (46)
…
".
(44) الآية 49 - سورة المائدة.
(45)
الآية 105 - سورة النساء.
(46)
الآية 56 - سورة النور.