الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عن أيوب، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة، فأي ذلك وجد علم أن له أصلًا يرجع إليه، فهذا النظر والتفتيش يسمى اعتبارًا.
وأما المتابعة: فأن يرويه عن أيوب غير حماد، أو عن ابن سيرين غير أيوب، أو عن أبي هريرة غير ابن سيرين، أو عن النبي صلى الله عليه وسلم غير أبي هريرة، فكل واحد من هذه الأقسام يسمى متابعة، وأعلاها الأولى، وهي متابعة حماد في الرواية عن أيوب ثم ما بعدها على الترتيب.
وأما الشاهد: فأن يروى حديث آخر بمعناه، ويسمى المتابعة شاهدًا ولا يسمى الشاهد متابعة، وإذا قالوا تفرد به أبو هريرة، أو ابن سيرين، أو أيوب، أو حماد، كان مشعرًا بانتفاء المتابعات كلها.
الفصل الثالث: قال البغوي:
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، والصلاة التامة الدائمة على رسوله المجتبى، محمد سيد الورى، وعلى آله نجوم الهدى، أما بعد:
فهذه ألفاظ صدرت عن صدر النبوة، وسنن سارت عن معدن الرسالة، وأحاديث جاءت عن سيد المرسلين، وخاتم النبيين، هن مصابيح الدجى خرجت عن مشكاة التقوى، مما أوردها الأئمة في كتبهم. جمعتها للمنقطعين إلى العبادة، لتكون لهم بعد كتاب الله حظًّا من السنن، وعونًا على ما هم فيه من الطاعة، وتركت ذكر أسانيدها حذرًا من الإطالة عليهم، واعتمادًا على نقل الأئمة، وربما سميت في بعضها الصحابي الذي يرويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعنى دعا إليه (1) وتجد أحاديث كل باب منها تنقسم إلى
(1) يقصد المؤلف بهذا الكلام: أن الحديث الواحد ربما روي عن جمع من الصحابة بطرق شتى وألفاظ مختلفة، يرويه كل واحد منهم على سياق آخر، فإذا حدث المحدث به وساقه على سياق واحد ذكر الصحابي الذي يرويه على ذلك السياق لتمييز حديث بعضهم عن البعض، وقد يروي أحد الصحابة حكمًا مطلقًا ويرويه الآخر مقيدًا فيذكر الراوي حينئذ رفعًا للخلاف ودفعًا للالتباس. وقد يسند =
صحاح وحسان، أعني بالصحاح: ما أخرجه الشيخان أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي البخاري، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، رحمهما الله، في جامعهما، أو أحدهما. وأعني بالحسان: ما أورده أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني، وأبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، وغيرهما من الأئمة في تصانيفهم رحمهم الله، وأكثرها صحاح، بنقل العدل عن العدل، غير أنها لم تبلغ غاية شرط الشيخين في علو الدرجة من صحة الإسناد إذ أكثر الأحكام ثبوتها بطريق حسن.
وما كان فيها من ضعيف أو غريب أشرت إليه، وأعرضت عن ذكر ما كان منكرًا أو موضوعًا، والله المستعان، وعليه التكلان.
روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالنية وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله وإلى رسوله فهجرته إلى الله وإلى رسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
قلت: رواه الجماعة: البخاري في سبعة مواضع: في بدء الوحي، وفي الإيمان، وفي العتق، وفي الهجرة، وفي النكاح، وفي النذور. وبلفظه فيه رواه المصنف، إلا أن البخاري قال: عن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قريب من لفظ المصنف، وترك الحيل، ومسلم في الجهاد، وأبو داود في الطلاق، والترمذي في الحدود، والنسائي في مواضع منها في الأيمان والنذور، وابن ماجه في الزهد، كلهم من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي المدني عن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أمير المؤمنين يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. (1)
= الحديث إلى جمع من الصحابة بروايات مختلفة وبعضها لا يكاد يصح إما لضعف في الرجال أو خلل في الإسناد، فيعين الصحابي إزالة للشبهة وقطعًا للاعتراض.
(1)
أخرجه البخاري في بدء الوحي (1)، وفي الإيمان (54) وفي العتق (2529)، وفي الهجرة (3898)، وفي النكاح (5070)، وفي ترك الحيل (1907)، وفي الأيمان (6689)، ومسلم (1907)، والنسائي (1/ 58)، وأبو داود (2201)، والترمذي (1647)، وابن ماجه (4227).
وهذا الحديث أحد الأحاديث الأربعة التي نقل عن أبي داود أنه قال: إنها تكفي الإنسان لدينه، نقل ذلك عنه صاحبه أبو بكر محمد بن بكر بن داسة قال: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مائة ألف حديث انتخبت منها ما تضمنه هذا الكتاب يعني كتاب السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث، ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ويكفي الإنسان لدينه، من ذلك أربعة أحاديث أحدها: قوله صلى الله عليه وسلم إنما الأعمال بالنيات، والثاني: قوله صلى الله عليه وسلم من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، والثالث: قوله صلى الله عليه وسلم لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضى لنفسه، والرابع: قوله صلى الله عليه وسلم الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات. الحديث.
قوله: وإنما لامرئ ما نوى، فائدة ذكره بعد ذكره إنما الأعمال بالنيات بيان أن تعيين المنوي شرط فلو كان على إنسان صلاة مقضية لا يكفيه أن ينوي الصلاة الفائتة بل يشترط أن ينوي كونها ظهرًا أو عصرًا، ولولا اللفظ الثاني لاقتضى الأول صحة النية بلا تعيين أو أوهم ذلك.
والهجرة: أصلها الترك، والمراد هنا ترك الوطن، ومعناه: من قصد بهجرته وجه الله وقع أجره على الله ومن قصد دنيا، أو امرأة، فهي حظه ولا نصيب له في الآخرة، وهذا قيل إنه جاء على سبب وهو أن رجلًا هاجر ليتزوج امرأة يقال لها أم قيس، فقيل: مهاجر أم قيس. والله أعلم. (1)
(1) انظر فتح الباري شرح صحيح البخاري (1/ 10 - 18).