الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة الطبعة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم، القائل في كتابه:
(وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[النحل: 79].
وأصلي وأسلم على عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، محمد بن عبد الله، وعلى آل بيته، وعلى صحابته، ومن اقتدى بهديهم إلى يوم الدين، أما بعد.
فقد كان كتابي أحكام الطهارة، أول كتبي تأليفًا، وكأي عمل تطرقه لأول مرة يكون فيه ما يوجب المراجعة، ذلك أن الإنسان كل ما كثرت ممارسته للكتابة زادت مهارته، وارتقت خبرته، لهذا كنت أمارس النقد على كتابتي، وأكتشف الأخطاء بنفسي، فكان ذلك يجمع في نفسي النقيضين: كراهة الخطأ والفرح بالتغير الذي يمن الله به على عبده، وكنت قد كتبت أحكام الطهارة وأنا شاب في منتصف الثلاثينيات من عمري، فكنت كل ما راجعت بعض مسائله التي بحثتها أدركت حاجة الكتاب إلى مراجعة شاملة، وكنت أعتذر لنفسي عن مراجعته بأني مشغول في كتاب المعاملات المالية، وحين من الله علي بإتمامه، وهممت أن أبدأ بكتاب الصلاة رأيت لزامًا علي أن أعيد النظر في كتاب الطهارة بعد سبع عشرة سنة من كتابة أغلب بحوثه، لهذا عملت مراجعة شاملة للكتاب اختلف فيها هذا الكتاب عن سابقه شكلًا ومضمونًا، مما جعلني أعتبر هذه الطبعة هي المعتمدة لكتابي أحكام الطهارة، وناسخة لغيرها، وقد اشتملت هذه المراجعة على الأمور التالية:
(1)
أضفت في مدخل كل مسألة مجموعة من الضوابط والقواعد الفقهية التي تعين على فهم الخلاف والوصول إلى الراجح، ليكون الكتاب شاملًا للأحاديث والآثار، والمسائل الفقهية، والضوابط والقواعد الفقهية والأصولية.
فما كان منها محل وفاق جزمت به، وما كان منها محل خلاف، ذكرت الصيغة إما على سبيل الاستفهام، وأغلب هذه الضوابط منقولة، وبعضها حورته ليناسب المسألة الفقهية، وفي قليل منها اجتهدت في صياغته، وفي حين أعرض هذه الضوابط على شكل سؤال لاستثارة الأفهام.
مثال:
• إذا اختلط طاهر بماء مطلق، فتغير به، فهل يسلبه الطهورية بمطلق التغير؟ أو لا حتى يغلب على أجزائه؟
• اختصاص الماء بالطهورية، هل هو تعبد لا يعقل معناه، أو لاختصاصه بنوع من الرقة واللطافة والنفوذ؟
• ما غلب على لون الماء، فإن كان موافقًا للماء في الطهارة والتطهير كالتغير بالتراب لم يسلبه واحدة منها، وإن كان مخالفًا للماء في الطهارة والتطهير كالتغير بالنجاسة سلبه الوصفين معًا، وإن كان موافقًا للماء في الطهارة دون التطهير لم يسلبه الطهارة لموافقته لها، وهل يسبله الطهورية بمطلق التغير، أو لا حتى يغلب على أجزائه؟
وربما أشرت إلى الخلاف بقولي: على الصحيح، أو في الأصح.
مثال ذلك:
-الحكم بنجاسة الماء هو تغيره بالنجاسة، لا اتصاله بها على الصحيح؟
- كل عين نجسة فإنه يجوز الانتفاع بها في غير الأكل على الصحيح على وجه لا يتعدى.
-الاستحالة لها تأثير في الأحكام على الصحيح، فاستحالة الطيب إلى خبيث تجعله خبيثًا، كذا استحالة الخبيث إلى طاهر تجعله طاهرًا.
وفي أحيان قليلة يكون الخلاف ضعيفًا فلا أشير إليه في ذكر القاعدة.
ولم أتعرض إلى شرح الضوابط والقواعد، ولا إلى توثيقها لأن ذلك سوف يزيد من حجم الكتاب، والكتاب لا يشكو من قلة حجمه، خاصة أن الكتاب لم يكتب في القواعد، وإنما أضيفت لتخدم المسألة الفقهية، فهي ثانوية في مادة الكتاب.
وقد أكرر القاعدة والضابط في أكثر من موضع؛ لأنه من المعلوم أن القاعدة والضابط يدخل فيهما فروع فقهية كثيرة، فقواعد الماء المتغير يشمل مسائل كثيرة، منها الماء المتغير بمكثه، والماء المتغير بما يشق صون الماء عنه، والماء المتغير بممازج وبغير ممازج، والماء المتغير بالمجاورة، وقواعد هذه المسائل متكررة، لهذا حاولت قدر الإمكان أن أقسم القواعد على تلك المسائل بعدًا عن التكرار، أو أن أغير من صيغة القاعدة عند التكرار بحيث تشتمل على زيادة معنى ليس في غيرها إن أمكن ذلك، وإلا أعدتها بصيغتها، ويدرك القارئ طبيعة تكرار القواعد للفروع المتشابهة.
(2)
أعدت تخريج جميع الأحاديث التي سبق أن خرجتها، فكان هناك مجموعة تراجعت فيها عن حكمي السابق، وما لم أراجع فيه حكمي فقد أعدت صياغته بطريقة تكون الصناعة الحديثية أوضح وأسهل للطالب.
(3)
راجعت بعض ترجيحاتي الفقهية السابقة اتباعًا للحق متى ما ظهر، وابتعادًا عن التعصب.
(4)
حاولت قدر الإمكان التقليل من الأخطاء، والتي كانت كثيرة في الطبعة السابقة.
وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل مني هذا العمل وأن يجعله خالصًا لوجهه على هدي نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يتجاوز سبحانه عن الخطأ والتقصير.
دبيان بن محمد الدبيان
المملكة العربية السعودية
القصيم ـ بريدة
* * *