الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس في الإخبار بنجاسة الماء
المبحث الأول إذا أخبره رجل أو امرأة بنجاسة الماء
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• هل الخبر بمنزلة النص يقدم على التحري والاجتهاد؟
• دلت الأدلة على قبول خبر العدل في أهم العبادات شأنًا، كتحول الصحابة عن القبلة وهم في الصلاة.
• خبر العدل في نجاسة الماء ليس من باب الشهادة، وإنما هو خبر يشبه الرواية فيقبل من الرجل والمرأة والحر والعبد.
• العدالة شرط في قبول الأخبار، فلا يقبل خبر الفاسق عند الجمهور خلافًا للحنفية.
• قبول الخبر بنجاسة الماء عند الحنفية مداره على أمرين العدالة، أو يقع في قلب السامع صدق المخبر، ولو كان فاسقًا؛ لأنه خبر خاص يتعذر الوقوف عليه من جهة غيره
(1)
.
(1)
عند الحنفية يختلف قبول خبر الفاسق في رواية الحديث عن الإخبار بنجاسة ماء أو طهارته، أو حرمة طعام أو حله، فنقل الفاسق للحديث غير مقبول أصلًا وقع في قلب السامع صدقه أم لا؛ لأن الخبر إنما يصير حجة بترجح الصدق فيه، وبالفسق يزول ترجيحه، بل يترجح جانب
…
الكذب فيه، بخلاف إخباره عن حرمة طعام أو حله، أو نجاسة ماء أو طهارته حيث يقبل إذا تأيد بأكبر الرأي؛ لأن ذلك أي الحرمة والحل والنجاسة والطهارة أمر خاص بالنسبة إلى رواية ربما يتعذر الوقوف عليه من جهة غيره لحصول العلم له بذلك دون غيره، فتقبل إذا انظم إليه التحري: أي تحكيم الرأي للضرورة. انظر كشف الأسرار شرح أصول البزدوي (3/ 21، 32). انظر فتح القدير لابن الهمام (10/ 11).
• قبول خبر الثقة بنجاسة الماء يدور عند الحنابلة على تعارض الأصل والظاهر، فإن كان الظاهر حجة وجب قبولها شرعًا كالشهادة والرواية والإخبار من الثقة فهو مقدم على الأصل، قال ابن رجب: بغير خلاف
(1)
.
وقيل:
• إذا أخبر الثقة بنجاسة الماء فإن قبول خبره عند الشافعية يعتمد على ما إذا بين السبب للاختلاف في الأعيان النجسة، قال بعضهم: إلا أن يكون فقيهًا موافقًا في المذهب
(2)
.
[م-36] إذا أخبر الرجل عن الماء، فإما أن يخبر عن طهارة الماء، أو يخبر عن نجاسته.
فإن أخبر عن طهارة الماء قبل خبره مطلقًا مسلمًا كان أو كافرًا، ولو صبيًا.
قال النفراوي من المالكية: «لو أخبرك شخص بطهارة ماء شككت في نجاسته
(1)
الأصل طهارة الماء، والظاهر أن الثقة صادق فيما يخبر به. قال ابن رجب في القواعد (ص: 338): «إذا تعارض الأصل والظاهر، فإن كان الظاهر حجة يجب قبولها شرعًا كالشهادة، والرواية، والإخبار فهو مقدم على الأصل بغير خلاف، وإن لم يكن كذلك بل كان مستنده العرف، أو العادة الغالبة، أو القرائن، أو غلبة الظن ونحو ذلك، فتارة يعمل بالأصل، ولا يلتفت إلى الظاهر، وتارة يعمل بالظاهر ولا يلتفت إلى الأصل، وتارة يخرج في المسألة خلاف
…
ثم ذكر من فروع هذه المسألة
…
منها: إخبار الثقة العدل بأن كلبا ولغ في هذه الإناء».
(2)
وإنما اشترط أن يبين السبب؛ لأنه قد ينجسه بما لا يتنجس به شرعًا، فإن بين السبب قبل كما يقبل ممن يخبره بالقبلة، ويزول هذا المحذور بكون المخبر فقيهًا، إلا أن يشترط أن يكون موافقًا في المذهب، فقد ينجسه بشيء لا يلتزمه المتطهر، انظر المجموع (1/ 234)، المهذب (1/ 8).
لوجب عليك الرجوع إلى خبره، ولو كافرًا، أو صبيًا؛ لأنه أقر بما يحمل عليه الماء، اللهم إلا أن يظهر في الماء ما يقتضي نجاسته، أو يسلب طهوريته
(1)
.
والحقيقة أن العمل في هذه الحال ليس بسبب خبر الكافر، وإنما العمل بالأصل، وهو أن الأصل في الماء الطهارة، ومجرد الشك لا ينقل الماء عن الطهورية، ولذلك قال بقبول خبر الكافر، مع أن الكافر ليس ممن يقبل خبره؛ لانتفاء العدالة في حقه ظاهرًا وباطنًا.
وأما إذا أخبر عن نجاسة الماء: فإما أن يبين سبب النجاسة أو لا.
فإن بين سبب النجاسة، فقد حكي الإجماع على وجوب قبول خبره.
(2)
.
وهل يجوز الاجتهاد في مثل هذه الحالة، وقد أخبره عدل، وبين سبب النجاسة؟
قال النووي: «قال أصحابنا: إذا أخبره مقبول الخبر بالنجاسة، وجب قبوله، ولا
(1)
الفواكه الدواني (1/ 125).
(2)
المجموع (1/ 228)، وقال في المهذب (1/ 9): وإن ورد على ماء، فأخبره رجل بنجاسته لم يقبل حتى يبين بأي شيء نجس؛ لجواز أن يكون قد رأى سبعًا ولغ فيه، فاعتقد أنه نجس بذلك، فإن بين النجاسة قبل منه كما يقبل ممن يخبره بالقبلة، ويقبل في ذلك قول الرجل والمرأة والحر والعبد؛ لأن أخبارهم مقبولة، ويقبل خبر الأعمى فيه؛ لأن له طريقًا إلى العلم به بالحس والخبر، ولا يقبل فيه قول صبي ولا فاسق ولا كافر؛ لأن أخبارهم لا تقبل. اهـ
يجوز الاجتهاد بلا خلاف، كما لا يجتهد المفتي إذا وجد النص، وكما لا يجتهد إذا أخبره ثقة عن علم بالقبلة ووقت الصلاة، وغير ذلك»
(1)
.
• وأما إذا لم يبين سبب النجاسة ففيه ثلاثة أقوال:
قيل: يجب قبول خبره مطلقًا، وهو مذهب الحنفية، وقول في مذهب الحنابلة
(2)
.
وقيل: لا يجب مطلقًا، وهو مذهب الحنابلة
(3)
.
وقال المرداوي في الإنصاف: «لو أخبره عدل بنجاسة الماء قبل قوله، إن عين السبب على الصحيح من المذهب وإلا فلا»
(4)
.
وقال ابن قدامة: «إذا لم يعين سببها، فقال القاضي: لا يلزم قبول خبره؛ لاحتمال اعتقاده نجاسة الماء بسبب لا يعتقده المخبر، كالحنفي يرى نجاسة الماء الكثير، والشافعي يرى نجاسة الماء اليسير بما لا نفس له سائلة، والموسوس الذي يعتقد نجاسته بما لا ينجسه.
ويحتمل أن يلزم قبول خبره، إذا انتفت هذه الاحتمالات في حقه»
(5)
.
وقيل: يجب قبول خبره إن كان فقيهًا موافقًا للمذهب، فإن اختلفا مذهبًا لم يجب، لكن الأحسن ترك الماء؛ لتعارض الأصل، وهو الطهورية، وإخبار المخبر بتنجيسه، وهذا عند وجود غيره، وإلا تعين استعمال الماء، وهذا مذهب المالكية، ومذهب الشافعية قريب منه
(6)
.
(1)
المجموع (1/ 229).
(2)
درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 311)، الفتاوى الهندية (5/ 308)، مجمع الأنهر شرح ملتقى الأبحر (2/ 531)، حاشية ابن عابدين (6/ 346)، الأنصاف (1/ 71).
(3)
شرح منتهى الإرادات (1/ 26)، الإنصاف (1/ 71)، المغني (1/ 52).
(4)
الإنصاف (1/ 71).
(5)
المغني (1/ 52).
(6)
الفواكه الدواني (1/ 125)، منح الجليل (1/ 44)، حاشية الدسوقي (1/ 47)، التاج والإكليل (1/ 86).
جاء في مغني المحتاج: «أو كان فقيها بما ينجس موافقًا للمخبر في مذهبه في ذلك، وإن لم يبين السبب اعتمده؛ لأنه خبر يغلب على الظن التنجيس»
(1)
.
قال النووي: «قال القاضي أبو الطيب في تعليقه، والمحاملي وغيرهما: قال الشافعي: فإن كان يعلم من حال المخبر أنه يعلم أن سؤر السباع طاهر، وأن الماء إذا بلغ قلتين لا ينجس، قبل قوله عند الإطلاق- أي وإن لم يبين سبب النجاسة- هكذا نقل هؤلاء نص الشافعي، وكذا قطع بهذا التفصيل الذي نص عليه جماعات من أصحابنا المصنفين، منهم: الشيخ أبو محمد الجويني في الفروق، والبغوي والروياني وغيرهم، ونقله صاحب العدة عن أصحابنا العراقيين، ونقل صاحب البيان عن الشيخ
أبي حامد أنه نقله عن نص الشافعي، ولم أر لأحد من أصحابنا تصريحًا بمخالفته، فهو إذن متفق عليه»
(2)
.
قلت: هذا الكلام إنما يتمشى على رأي من يرى نجاسة الماء، ولو لم يتغير، أما من يرى أن الماء لا ينجس إلا بالتغير فلا يحتاج إلى هذا التفصيل؛ لأن الماء إذا لم يتغير فهو طهور، نعم لو أخبره بولوغ الكلب في إناء، قبل هذا التفصيل؛ لأنه والحالة هذه قد ينجس الماء ولو لم يتغير، لكنه خاص في هذه الصورة فقط.
قال في حاشية الدسوقي: فإن كان الماء غير متغير، وأخبر بالنجاسة، فلا يقبل خبره؛ لأن الأصل الطهارة
(3)
.
* * *
(1)
مغني المحتاج (1/ 28).
(2)
المجموع (1/ 229).
(3)
حاشية الدسوقي (1/ 47).