الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الماء من أعجب الأشياء
…
وفي الصحيح: (إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله) فلو أمر غيره فغسله، إن قال داود: لا يطهر لكونه ما غسله هو: خرق الإجماع، وإن قال: يطهر فقد نظر إلى المعنى وناقض، والله أعلم»
(1)
.
• فإن قيل ما الحكمة إذًا من النهي عن البول في الماء الدائم؟
فالجواب:
أولًا: سدًا للذريعة، لأنه قد يفضي الإذن بالبول فيه إلى تنجسه، وليس مجرد البول فيه ينجسه، ولكن إذا تكاثر البول في الماء الدائم قد يتنجس، فمنع سدًا للذريعة.
ثانيًا: أن الطباع مجبولة على كراهية استعمال الماء الدائم الذي يبال فيه، ولذلك نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجنب عن الاغتسال فيه، وإن كان بدن الجنب طاهرًا، فيكون النهي من أجل استقذار النفس له.
ثالثًا: أن البول في الماء الدائم، ثم استعماله بعد ذلك قد يصيب الإنسان بنوع من الوساوس، هل استعمل البول باستعمال الماء أم لا؟ فأحب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يقطع وساوس الشيطان، فنهى عن البول في الماء الدائم، لا أن مجرد البول القليل يكفي لتنجيسه، والله أعلم
(2)
.
الدليل الثالث:
(81)
ما رواه مسلم من طريق هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب.
ورواه مسلم من طريق علي بن مسهر، عن الأعمش، عن أبي رزين وأبي صالح،
(1)
المجموع (1/ 169).
(2)
المراجع السابقة.
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه، ثم ليغسله سبع مرار
(1)
.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء من ولوغ الكلب، وجعله طهارة لهذا الإناء، كما أمر بإراقة سؤره، ولم يفرق بين ما تغير وما لم يتغير، وهذا دليل على أن النجاسة تؤثر في الماء ولو لم يتغير الماء.
• وأجيب بأحد جوابين.
أولًا: زيادة (فليرقه) زيادة شاذة
(2)
.
(1)
صحيح مسلم (279).
(2)
قال النسائي في السنن (1/ 53): لا أعلم أحدًا تابع علي بن مسهر على قوله: فليرقه.
وقال ابن عبد البر في التمهيد (18/ 273): «وأما هذا اللفظ من حديث الأعمش (فليهرقه) فلم يذكره أصحاب الأعمش الثقات الحفاظ مثل شعبة وغيره.
وقال ابن منده كما في فتح الباري (1/ 331)، وتلخيص الحبير (1/ 23):«لا تعرف عن النبي صلى الله عليه وسلم بوجه من الوجوه إلا من روايته» .
وقال حمزة الكناني كما في فتح الباري (1/ 330): «إنها غير محفوظة» .
ومعلوم أن علي بن مسهر رواه عن الأعمش، عن أبي صالح وأبي رزين، عن أبي هريرة، والذين رووه عن الأعمش ولم يذكروا هذه الزيادة جماعة، منهم:
الأول: إسماعيل بن زكريا عند مسلم (279).
الثاني: أبو معاوية عند أحمد (2/ 253).
الثالث: عبد الرحمن بن زياد عند الدارقطني (1/ 63) وإن كان ضعيفًا.
الرابع: شعبة عند أحمد (2/ 480) والطيالسي (2417) والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 21) والتمهيد لابن عبد البر (18/ 267).
الخامس: أبو أسامة عند ابن أبي شيبة (14/ 204) وهو حماد بن أسامة.
السادس: حفص بن غياث، كما في شرح معاني الآثار (1/ 21).
السابع: جرير كما في مسند إسحاق بن راهوية (1/ 283).
الثامن: عبد الرحمن بن حميد الرؤاسي كما في المعجم الصغير للطبراني (1/ 164). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= التاسع: أبان بن تغلب، كما في المعجم الصغير (2/ 149)، إلا أن هؤلاء منهم من رواه عن الأعمش عن أبي صالح وأبي رزين، كإسماعيل بن زكريا، وأبي معاوية، وعبد الرحمن بن زياد، وعبد الرحمن بن حميد، ومنهم من رواه عن الأعمش عن أبي رزين وذلك كأبي معاوية، وأبي أسامة، وجرير، وأبان بن تغلب، ومنهم من رواه عن الأعمش عن أبي صالح كشعبة، فصار الأعمش تارة يجمع شيخيه وتارة يفرقهما، فهؤلاء تسعة رووه عن الأعمش، ولم يذكروا ما ذكره علي بن مسهر عن الأعمش.
ولا يقارن علي بن مسهر بشعبة فكيف بمن معه، وقد وافق شعبة عن الأعمش أبو معاوية، وقد سئل يحيى بن معين: من أثبت أصحاب الأعمش؟ قال: بعد سفيان وشعبة أبو معاوية.
وقال أحمد بن حنبل: كان أبو معاوية إذا سئل عن أحاديث الأعمش يقول: قد صار حديث الأعمش في فمي علقمًا، أو هو أمر من العلقم لكثرة ما تردد عليه حديث الأعمش، وقال له شعبة: يا أبا معاوية، سمعت حديث كذا وكذا من الأعمش؟ قال: نعم. قال شعبة: هذا صاحب الأعمش، فاعرفوه، قال أبو معاوية عن نفسه: البصراء كانوا عليَّ عيالًا عند الأعمش، قال هذا؛ لأنه ضرير.
كما رواه جماعة عن أبي هريرة، من غير طريق الأعمش، وليس فيه ذكر هذه الزيادة، وهاك بعض من وقفت عليه.
الأول: الأعرج، كما في مسند الشافعي (ص: 7)، ومسند أحمد (2/ 245)، ومسند الحميدي (967)، وصحيح مسلم (279)، وسنن النسائي (63)، وابن ماجه (364)، والمنتقى لابن الجارود (50، 52)، ومسند أبي عوانة (1/ 176)، وصحيح ابن خزيمة (96)، وصحيح ابن حبان (1294)، والسنن الكبرى للبيهقي (1/ 240، 256).
الثاني: محمد بن سيرين، كما في مسند الشافعي (ص: 8)، ومصنف عبد الرزاق (330، 331)، ومصنف بن أبي شيبة (1/ 159)، ومسند أحمد (2/ 427، 508)، ومسلم (279)، وسنن أبي داود (71، 72، 73)، والنسائي في الكبرى (68)، وفي الصغرى (339)، ومسند أبي عوانة (1/ 177)، وشرح معاني الآثار (1/ 21)، والمعجم الأوسط للطبراني (946، 1326)، وصحيح ابن خزيمة (95، 97)، صحيح ابن حبان (1297)، سنن الدارقطني (1/ 64)، والحاكم (569، 570، 572)، السنن الصغرى للبيهقي (1/ 132)، والكبرى (1/ 240، 241، 247).
الثالث: همام بن منبه، كما في مصنف عبد الرزاق (329)، ومسند أحمد (2/ 314)، وصحيح مسلم (279)، صحيح ابن حبان (1295)، المسند المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم (1/ 335)، السنن الكبرى للبيهقي (1/ 240).
الرابع: أبو رافع، كما في مسند إسحاق بن راهوية (1/ 121)، والسنن الكبرى للنسائي (69)، =
ومع الحكم بشذوذ (فليرقه)، إلا أن المعنى يقتضي تنجس الماء، ولو لم يتغير؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغسل الإناء، وجعل ذلك طهارة للإناء.
(82)
فقد روى مسلم من طريق ابن سيرين وهمام بن منبه،
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب
(1)
.
ومعلوم أن نجاسة الإناء إنما جاءت من نجاسة الماء؛ لأن الولوغ إنما وقع على الماء، فتنجس الإناء لنجاسة الماء؛ ولأن النجاسة لو كانت للإناء وحده لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغسل من الإناء جهة الولوغ فقط، فلما أمر بغسل الإناء كله، علم أن النجاسة إنما سرت عن طريق الماء المتنجس. فإن قال قائل: إذًا كيف حكمتم على الأمر بالإراقة بالشذوذ؟
فالجواب: لا يلزم من الحكم بنجاسة الماء الحكم بوجوب إراقته؛ لأن الماء إذا تنجس لا يكون نجس العين؛ إذ يمكن تطهيره، وإذا أمكن تطهيره أمكن الانتفاع به بخلاف ما إذا أوجبنا إراقته.
= والصغرى (338)، والدارقطني (1/ 65)، والبيهقي الكبرى (1/ 241).
الخامس: الحسن، كما في سنن الدارقطني (1/ 64).
السادس: ثابت مولى عبد الرحمن بن زيد، كما في مصنف عبد الرزاق (335)، ومسند أحمد (2/ 271)، والسنن الكبرى للنسائي (66)، والصغرى (64).
السابع: أبو سلمة، عن أبي هريرة، كما في مصنف عبد الرزاق (335)، ومسند أحمد (2/ 271)، والسنن الكبرى للنسائي (67)، والصغرى (65).
الثامن: عطاء بن يسار، كما في المعجم الأوسط للطبراني (3719).
التاسع: عبد الرحمن بن أبي عمرة، كما في مسند أحمد (2/ 360، 482).
العاشر: عن عبيد بن حنين مولى بن زريق، كما في مسند أحمد (2/ 398)، ولا شك أن تفرد علي بن مسهر دون هؤلاء يوجب شذوذ هذه اللفظة؛ لأن علي بن مسهر قال فيه الحافظ في التقريب (4800) ثقة له غرائب بعد أن أضر. اهـ
(1)
صحيح مسلم (279).