الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب السابع في الشك والاشتباه
الفصل الأول في حكم الماء ونحوه إذا كان مشكوكًا فيه
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه أبدًا.
• الشك الطارئ لا يؤثر على اليقين السابق، سواء أطرأ الشك على أصل محرم، فيبقى محرمًا، أم طرأ على أصل مباح فيبقى مباحًا، أم شك فيما لا يعرف أصله، فتبقى الإباحة الأصلية
(1)
.
• التردد في الشيء يسمى شكًّا لدى الفقهاء، لا فرق بين المساوي والراجح.
وعند الأصوليين: إن كان التردد مع تساوي الاحتمالين فهو الشك، وإلا فالراجح
(1)
مثال الشك الذي طرأ على أصل حرام: أن يجد شاة مذبوحة في بلد فيها مسلمون ومجوس، ولا يغلب أحدهما على الآخر فلا تحل حتى يعلم أنها ذكاة مسلم؛ لأن الأصل فيها الحرمة؛ إذ حل الأكل يتوقف على تحقق الذكاة الشرعية، فصار حل الأكل مشكوكًا، فلو كان الغالب فيها المسلمين جاز الأكل عملًا بالغالب المفيد للحل.
ومثال الشك الذي طرأ على أصل مباح: أن يجد ماء متغيرًا، واحتمل أن يكون تغيره بنجاسة أو بطول المكث فإنه يجوز التطهير به مع الشك عملًا بأصل الطهارة.
ومثال الثالث: الشك الذي لا يعرف أصله، كمعاملة من أكثر ماله حرام، فلا يحرم لإمكان الحلال، حيث لم يتحقق حرمة ما أخذه منه، ويكره خوف الوقوع في الحرام.
ظن والمرجوح وهم
(1)
.
• إذا تعارض الأصل والظاهر قدم الأقوى منهما، وليس ثم قاعدة مطردة.
[م-31] ينبغي أن يعلم أنه ليس في الشريعة شيء مشكوك فيه البتة، وإنما يعرض الشك للمكلف بتعارض أمارتين فصاعدًا، فتصير المسألة مشكوكًا فيها بالنسبة إليه، فهي شكية عنده، وربما تكون ظنية عند غيره، وقطعية عند آخرين، فكون المسألة شكية أو ظنية أو قطعية ليس وصفًا ثابتًا لها، وإنما هو أمر يعرض لها عند إضافتها إلى حكم المكلف
(2)
.
وينبغي أن يعلم أن مراد كثير من الفقهاء بالشك في الماء والحدث والنجاسة والصلاة والصوم والطلاق والعتق وغيرها هو التردد بين وجود الشيء وعدمه، سواء كان الطرفان في التردد سواء، أو أحدهما راجحًا، فهذا معناه في استعمال الفقهاء في كتب الفقه خلافًا لأصحاب الأصول حيث قالوا: التردد بين الطرفين إن كان على السواء فهو الشك، وإلا فالراجح ظن والمرجوح وهم
(3)
.
وقد يجتمع في هذه المسائل أصل وظاهر، وذلك نحو آنية الكفار المتدينين باستعمال النجاسة، وثياب القصابين، والصبيان الذين لا يتقون النجاسة
فقيل: إنه محكوم بنجاستها عملًا بالظاهر.
وقيل: إنه محكوم بطهارتها عملًا بالأصل.
وقد يترجح الظاهر في بعض المسائل على الأصل فيؤخذ به، وقد يقدم الأصل،
(1)
ذكر بعض الفقهاء أن عدم التفريق بين الظن والشك عند الفقهاء إنما هو في باب الأحداث، أما في غيرها فقد فرقوا بينهما في مواضع كثيرة. انظر المنثور في القواعد للزركشي (2/ 255)، غمز عيون البصائر (1/ 193).
(2)
بدائع الفوائد (3/ 271).
(3)
حاشية الدسوقي (1/ 124)، والمجموع (1/ 220).
وقد يستوى الظاهر والأصل، وهذا هو السبب في عدم طرد فروع هذه المسائل عند بعض المذاهب
(1)
.
[م-32] إذا عرفنا هذا فقد اختلف العلماء في حكم الشيء إذا تيقن طهارته أو نجاسته، وشك في نقيض ذلك.
فقيل: يبني على اليقين، وهو مذهب الحنفية، والشافعية، والحنابلة
(2)
.
(1)
المجموع بتصرف (1/ 285، 259)، روضة الطالبين (1/ 146، 147).
(2)
انظر في مذهب الحنفية: حاشية ابن عابدين (1/ 186)، المبسوط (1/ 146، 147) و (30/ 28)، بريقة محمودية (4/ 212).
وهناك مسائل قد يعمل الحنفية بالظاهر ويقدمونه على الأصل لقرينة، فقد جاء في المبسوط (1/ 86): المتوضئ إذا تذكر أنه دخل الخلاء لقضاء حاجة وشك أنه خرج قبل أن يقضيها أو بعد ما قضاها فعليه أن يتوضأ؛ لأن الظاهر من حاله أنه ما خرج إلا بعد قضائها، وكذلك المحدث إذا علم أنه جلس للوضوء ومعه الماء، وشك في أنه قام قبل أن يتوضأ، أو بعد ما توضأ فلا وضوء عليه؛ لأن الظاهر أنه لا يقوم حتى يتوضأ، والبناء على الظاهر واجب ما لم يعلم خلافه».
فهنا قدموا العمل بالظاهر على العمل بالأصل والمتيقن؛ لأن الظاهر قد يقوى فيترجح على الأصل، وقد يتعارضان بلا ترجيح وقد يضعف الظاهر فيقدم الأصل، والله أعلم.
وانظر في مذهب الشافعية: المجموع (1/ 219)، كفاية الأخيار (1/ 72)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 42)، شرح البهجة (1/ 145)، أسنى المطالب (1/ 58)، روضة الطالبين (1/ 77).
وفي مذهب الحنابلة: يقول ابن رجب في القواعد (ص: 339، 340): «إذا تيقن الطهارة أو النجاسة في ماء، أو ثوب، أو أرض، أو بدن وشك في زوالها فإنه يبني على الأصل إلى أن يتيقن زوالها، ولا يكتفي في ذلك بغلبة الظن ولا غيره، وكذلك لو تيقن حدثًا أو نجاسة، وغلب على ظنه زوالها فإنه يبني على الأصل، وكذلك في النكاح والطلاق وغيرهما. وانظر الإنصاف (1/ 221)، شرح منتهى الإرادات (1/ 75)، كشاف القناع (1/ 132)، المغني (1/ 126). إلا أن الحنابلة لم يطرد هذا الأصل عندهم، فهناك مسائل قالوا يعمل باليقين، ولا يلتفت إلى غلبة الظن لو وجد. وهناك مسائل قالوا: يكتفي فيها بغلبة الظن.
ومن المسائل التي قالوا: لابد فيها من اليقين، هذه المسائل التي مرت معنا. وهى إذا تيقن الطهارة وشك في الحدث أو العكس. ومنها اشتباه الماء الطهور بالنجس أو بلفظ أعم: اشتباه المحرم بالحلال، ومنها لو شك في طلوع الفجر فإنه يأكل حتى يستيقن، ومنها لو شك في عدد الطلاق أو الرضعات، أوشك في عدد الطواف أو السعي أو الرمي كل ذلك يعمل باليقين ويطرح الشك ولا ينظر إلى غلبة الظن.
…
وهناك مسائل قالوا: يكفي فيها غلبة الظن، كالاجتهاد في تحري القبلة، وكالمستجمر إذا أتى بالعدد المعتبر، ومنها الغسل من الجنابة يكفى فيه الظن بالإسباغ، ومنها إذا شك في صلاته فإنه يأخذ بالمتيقن مع إمكان غلبة الظن ومنها مسائل كثيرة ذكرها ابن اللحام في القواعد والفوائد الأصولية فلتراجع (ص: 5 - 15)، وأما ابن تيمية فقد طرد القاعدة، فيرى أنه إذا تعذر اليقين رجع إلى غلبة الظن في عامة أمور الشرع. انظر القواعد والفوائد الأصولية (ص: 4).
وقيل: يختلف الشك في الماء، عن الشك في نجاسة الثوب، عن الشك في الحدث، والشك في الحدث يختلف في داخل الصلاة، عنه في خارجها، وهذا مذهب المالكية وإليك بيان مذهبهم في هذه المسائل.
إذا شك في نجاسة الثوب ونحوه وجب نضحه
(1)
.
وإذا شك في نجاسة البدن وجب غسله
(2)
.
وإذا شك في حصول الحدث، ففيه قولان:
فقيل: ينقض مطلقًا، وهو رواية ابن القاسم عن مالك.
وقيل: الشك ينقض الوضوء خارج الصلاة، ولا ينقض داخلها، وهو المشهور من مذهب المالكية
(3)
، ونسب هذا القول للحسن رحمه الله
(4)
.
(1)
قال الدسوقي في حاشيته (1/ 81): «يجب غسل النجاسة في حالتين: إذا تحققت النجاسة، أو ظنها ظنًّا قويًّا، ويجب النضح في حالتين: إذا شك في إصابة النجاسة أو ظنها ظنًّا ضعيفًا» . اهـ وانظر مختصر خليل (ص: 9)، الخرشي (1/ 116)، البيان والتحصيل (1/ 85).
(2)
البيان والتحصيل (1/ 81).
(3)
جاء في تهذيب المدونة (ص: 181): «ولو أيقن بالوضوء، ثم شك في الحدث، فلم يدر أأحدث بعد الوضوء أم لا، فليعد وضوءه» . اهـ
وقال الخرشي في شرحه (1/ 157): «من شك في طريان الحدث له بعد علمه بطهر سابق، فإن وضوءه ينتقض إلا أن يكون مستنكحًا بأن يشك في كل وضوء أو صلاة أو يطرأ له في اليوم مرة أو أكثر فلا أثر لشكه الطارئ بعد علم الطهر .... وكلام المؤلف فيمن حصل له الشك في طرو الحدث قبل الدخول في الصلاة بخلاف من شك في طرو الحدث في الصلاة أو بعدها فلا يخرج منها ولا يعيدها إلا بيقين؛ لأنه شك طرأ بعد تيقن سلامة العبادة» . اهـ وانظر التاج والإكليل (1/ 301)، الثمر الداني (1/ 200)، القوانين الفقهية (ص: 21)، حاشية العدوي (1/ 431).
(4)
المغني (1/ 126).