الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني إذا اشتبه الماء الطهور بالماء النجس
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• إذا اشتبه الطهور بالنجس هل يتحرى مطلقًا كقول المالكية، أو لا يتحرى مطلقًا كقول الحنابلة، أو يتحرى بشرط غلبة المباح، أو يتحرى بشرط نفي البدل فلا يتحرى للوضوء لوجود بدله وهو التيمم بخلاف الشرب، وهذا قول الحنفية
(1)
.
(1)
ليست المسائل الفقهية واحدة، منها ما يكون التحري فيها واجبًا كتحري القبلة، واختلاط الطهور بالطاهر على القول بوجود قسم الطاهر في المياه.
ومنها ما يكون التحري محرمًا كاشتباه الميتة بمذكاة، والأخت بأجنبية.
ومنها ما هو محل نظر واجتهاد، كمسألة اشتباه الماء الطهور بالنجس، هل تلحق بالأولى، أو تلحق بالثانية؟
قال ابن رجب: إذا اشتبه الماء الطاهر بالنجس، وكان الطاهر أكثر، فإن في جواز التحري روايتين، وظاهر كلام أحمد في رواية المروذي جوازه، واختاره أبو بكر، وابن شاقلا، وأبو علي النجاد، وصححه ابن عقيل، لكن هنا اعتضد أصل الطهارة فإن الظاهر إصابة الطاهر لكثرته.
وقال ابن اللحام في القواعد والفوائد (ص: 18): «لم يطرد أصل أصحابنا في ذلك ففي بعض الأماكن قالوا: يعمل بالظن وفي بعضها قالوا: لابد من اليقين وطرد أبو العباس أصله وقال: يعمل بالظن في عامة أمور الشرع والله أعلم.
مسائل من ذلك، منها: إذا أجزنا له التحري في الماء والثياب المشتبهة على مقالة ضعيفة أو في القبلة على الصحيح فانه يعمل بما غلب على ظنه».
وانظر اللمع في أصول الفقه (ص: 19)، شرح التلويح على التوضيح (2/ 310)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام (2/ 22)، شرح مختصر الروضة (1/ 345)، الأشباه والنظائر للسبكي (1/ 380)، تقويم النظر في مسائل خلافية ذائعة (1/ 195)، التبصرة في أصول الفقه (ص: 484)، القواعد لابن رجب (ص: 241).
إذا علم الموقف من التحري، نأتي إلى ذكر بعض الضوابط:
• الطهارة عبادة تؤدى تارة بيقين، وتارة بظاهر، لذا جاز دخول التحري عند الاشتباه.
• إذا تعذر اليقين قام الظن مقامه كالاجتهاد في تحري القبلة.
• إذا تيسر اليقين امتنع التحري
(1)
.
وقيل:
• التحري مظنة الشك، فلا يبنى عليه، كما لو اختلطت أخته بأجنبية، والميتة بمذكاة حرم الجميع.
• ما اجتمع الحلال والحرام إلا غلب جانب الحرام.
• ترك النجاسة واجب ولا يتأتى ذلك بيقين إلا بترك الجميع.
• التحري يجوز في كل ما جازت فيه الضرورة، ولا ضرورة في اشتباه الطهور بالنجس للانتقال إلى البدل وهو التيمم بخلاف الشرب.
[م-33] إذا اشتبه الماء الطهور بالماء النجس، كما لو كان هناك أوان فيها ماء طهور، بأوان فيها ماء نجس، واشتبها عليه، فقد اختلف العلماء فيها على أقوال.
القول الأول:
العمل بالتحري، سواء قلنا: يتحرى مطلقًا كما هو اختيار ابن المواز وابن العربي من المالكية
(2)
.
أو يتحرى بشرط أن تكون الغلبة للأواني الطاهرة، كما هو مذهب الحنفية، فإن
(1)
إذا كان يقدر على اليقين فلا يذهب إلى التحري، وذلك كما لو كان معه ما يتيقن به طهارته، أو كان قريبًا من شط نهر، فلا يجوز له التحري حينئذ، انظر مواهب الجليل (1/ 172).
(2)
التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 75)، حاشية الدسوقي (1/ 83).
كانت الغلبة للأواني النجسة، أو كانا سواء، وجب تركهما
(1)
.
أو قلنا: يتحرى بشرط أن تكثر الأواني كالثلاثين مثلًا، فإن قلت الأواني صلى بعدد الأواني النجسة، وزيادة إناء، اختاره ابن القصار من المالكية
(2)
.
أو قلنا: يتحرى بشرط أن يغلب على ظنه طهارته بعلامة تظهر له، فإن ظنه بغير علامة تظهر لم تجز الطهارة به كما هو مذهب الشافعية
(3)
.
القول الثاني:
يتوضأ بعدد الأواني النجسة، ويصلي كل صلاة بوضوء، وزيادة وضوء وصلاة،
(1)
البحر الرائق (2/ 267)، حاشية ابن عابدين (6/ 347)، المبسوط للسرخسي (10/ 201)، الدر المختار (6/ 347)، شرح فتح القدير (2/ 276)، الفتاوى الهندية (5/ 384). وقال ابن عابدين (6/ 736):«إذا غلب النجس يتحرى للشرب إجماعًا، ولا يتحرى للوضوء، بل يتيمم، والأولى أن يريق الماء قبله، أو يخلطه بالنجس» ، وانظر قول ابن المواز من المالكية في: التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 75).
وانظر قول ابن القصار من المالكية: التوضيح (1/ 75)، وحاشية الدسوقي (1/ 83).
(2)
التوضيح شرح مختصر ابن الحاجب (1/ 75)، حاشية الدسوقي (1/ 83).
(3)
مذهب الشافعية: انظر الأم (1/ 24، 25)، روضة الطالبين (1/ 35)، وقال النووي في المجموع (1/ 239):«وسواء كان عدد الطاهر أكثر أو أقل، حتى لو اشتبه إناء طاهر بمائة إناء نجسة تحرى، وكذلك الأطعمة والثياب، هذا مذهبنا» . اهـ
وجاء في مغني المحتاج (1/ 88): أنه يجوز له الاجتهاد، حتى ولو أمكنه أن يتطهر بغيرهما، كما لو كان على شط نهر، أو بلغ الماءان المشتبهان قلتين بخلطهما بلا تغير؛ إذ العدول إلى المظنون مع وجود المتيقن جائز؛ لأن بعض الصحابة كان يسمع من بعض، مع قدرته على المتيقن، وهو سماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي مذهب الشافعية وجهان آخران:
الأول: يجوز له الطهارة به إذا ظن طهارته، وإن لم تظهر علامة، بل وقع في نفسه طهارته، فإن لم يظن لم تجز الطهارة، حكاه الخرسانيون، وصاحب البيان.
الثاني: يجوز استعمال أحدهما بلا اجتهاد، ولا ظن؛ لأن الأصل طهارته، حكاه الخرسانيون أيضًا. قال إمام الحرمين وغيره: الوجهان ضعيفان. المجموع (1/ 233، 234)، مغني المحتاج (1/ 26)، المهذب (1/ 9)، حلية العلماء (1/ 103، 104).
وحينئذ تبرأ ذمته بيقين، وهذا هو المعتمد في مذهب المالكية
(1)
.
القول الثالث:
قالوا: يهرق الإناء الواحد، ثم يحصل الثاني ماء مشكوكًا فيه، فلا يؤثر فيه الشك؛ لأن الأصل في الماء الطهارة، ورجحه ابن عبد البر في الكافي
(2)
.
القول الرابع:
يتوضأ بأيهما شاء؛ لأن الماء ما دام لم يتغير بنجاسة فهو طهور، ذكره ابن الجلاب في التفريع
(3)
، واختاره ابن حزم
(4)
.
القول الخامس:
المشهور من مذهب الحنابلة أنه يحرم استعمالهما، ولا يجوز التحري، ولا يشترط للتيمم إراقتهما ولا خلطهما، وبه قال سحنون من المالكية
(5)
.
(1)
جاء في حاشية الدسوقي (1/ 83): «سواء قلت الأواني أو كثرت، وهو كذلك على المعتمد، ومقابله ما عزاه في التوضيح وابن عرفة لابن القصار من التفصيل: بين أن تقل الأواني، فيتوضأ بعدد النجس وزيادة إناء، وبين أن تكثر الأواني كالثلاثين، فيتحرى واحدًا منها يتوضأ به إن اتسع الوقت للتحري وإلا تيمم ..... » إلخ كلامه رحمه الله. وانظر: المنتقى للباجي (1/ 59، 60)، التفريع (1/ 217)، الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 17)، حاشية الدسوقي (1/ 182)، مواهب الجليل (1/ 170، 172)، القوانين الفقهية (ص: 26)، التاج والإكليل (1/ 170)، مختصر خليل (1/ 12).
(2)
الكافي لابن عبد البر (ص: 17).
(3)
التفريع (1/ 217).
(4)
قال في المحلى (1/ 428): «فإن كان بين يديه إناءان فصاعدًا، في أحدهما ماء طاهر بيقين، وسائرها مما ولغ فيه الكلب، أو فيها واحد ولغ فيه كلب، وسائرها طاهر، ولا يميز من ذلك شيئًا، فله أن يتوضأ بأيها شاء، ما لم يكن على يقين من أنه قد تجاوز عدد الطاهرات، وتوضأ بما لا يحل الوضوء به» . اهـ
(5)
ومحل الخلاف إذا لم يمكن تطهير أحدهما بالآخر، فإن أمكن تطهير أحدهما بالآخر امتنع من التيمم؛ لأنهم إنما أجازوا التيمم هنا بشرط عدم القدرة على استعمال الطهور، وفي هذه الحالة هو قادر على استعماله. =