الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع في آنية الكفار
ضابط المسألة لدى الفقهاء:
• غسل آنية الكفار قبل استعمالها مبني على تعارض الأصل والظاهر، فالإباحة ترجيحًا للأصل وهو الطهارة، والكراهة ترجيحًا للظاهر؛ لعدم توقيهم النجاسة
(1)
.
(1)
الفرق بين الأصل والظاهر: يختلف الأصل عن الظاهر بأمور منها:
1 -
من حيث المصدر: فالأصل غالبًا ما يستمد من الأدلة الشرعية، وما يوافقها من الأدلة العقلية، ولذلك فإن العلماء يقولون: لا أصل في شيء إلا ما أصله الشرع بتبيان حكمه، وإيضاح الدليل عليه من حل أو تحريم، ووجوب أو ندب، أو كراهة، كقولك: الأصل في البيوع الإباحة، وفي المياه الطهارة، وفي الفروج التحريم.
أما الظاهر: فكثيرًا ما يستمد من الأمور المشاهدة والمحسوسة، وهي الأمور التي يعبر عنها العلماء بالعادات الغالبة، أو الأعراف السائدة، أو القرائن الدالة على شيء معين.
2 -
ومن الفروق بينهما: لما كانت الأصول تستمد من النصوص، والنصوص قد تخفى على بعض العلماء، وقد لا يتفق على صحتها أو على دلالتها على المقصود وغير ذلك من الأمور التي تعرض للنصوص كانت محل خلاف بين العلماء.
أما الظاهر فالخلاف فيه نادر؛ لأنه مبني على الملاحظة والمشاهدة، وهي من الأمور الواضحة التي لا تحتمل الخلاف.
3 -
ومن الفروق بينهما أن الحكم على شيء ما بأنه من الأصول الشرعية عملية صعبة وشاقة لا يتمكن منها إلا من أعطاه الله رسوخًا في العلم وسعة في الاطلاع، ودقة في الفهم؛ لأن هذه الأصول مبنية على الأدلة الشرعية، وهي متعددة ومتنوعة، فيحتاج من يقوم بعملية التأصيل أن يقوم باستقراء الأدلة الشرعية لئلا يستنبط من بعض هذه الأدلة أصولًا تخالف ما لم يقم باستقرائه بخلاف الظاهر، فإن الحكم بظهور أمر ما لا يحتاج إلى مثل هذا، إنما إذا شاهد
…
الإنسان شيئًا ولاحظ فيه الدلالة على حكم معين فإنه يصفه بالظهور.
4 -
ومنها: أن كثيرًا من الأصول لها صفة العموم والشمول، فتجد كثيرًا من الأصول يندرج تحتها أصول عديدة، فمثلًا: كقولنا: الأصل السلامة، والأصل الطهارة، والأصل براءة الذمة، فهذه الأصول تندرج تحتها ما لا يمكن حصره من الأصول التي تتفق معها في أحكامها، ولذلك كانت هذه الأصول من قبل القواعد الفقهية التي يصح الاستدلال بها على الأحكام، أما الظاهر فإنه غالبًا ما يكون مختصًا بمسألة معينة أو حادثة محددة.
5 -
ومنها أن الأصول ثابتة لا تتغير، ولا تتبدل، بل هي باقية على أصالتها؛ لأنها مبنية على الأدلة الشرعية، وهي ثابتة باقية، وما بني على الثابت ثابت، فإذا قلت: الأصل الإباحة، أو البراءة، أو الصحة، أو غير ذلك من الأصول، فإنها باقية على حالها في كل زمان ومكان، وليس الأمر كذلك بالنسبة للظاهر، فإنه قابل للتغير والتبدل، فقد يظهر في المشرق ما لم يكن ظاهرًا في المغرب، وقد يظهر اليوم ما لم يكن ظاهرًا بالأمس، أو ما لا يكون ظاهرًا بالغد، فمثلًا إذا خرج الرجل، وهو حاسر الرأس في الزمن الماضي فإن الظاهر أنه ناقص المروءة، أما إذا خرج اليوم، وهو كذلك فإنه ليس من الظاهر نقص مروءته؛ لأن الأمور الظاهرة مبنية على الأعراف، والعادات والقرائن، وهي قابلة للتبدل والتغير. انظر في هذا كتاب الأصل والظاهر في القواعد الفقهية (ص: 107 - 110).
[م-57] اختلف الفقهاء في حكم آنية الكفار ومثلها ثيابهم:
فقيل: يكره استعمالها قبل غسلها، وهو مذهب الحنفية
(1)
.
وقيل: يجب غسل ما استعملوه، ولا يجب غسل ما صنعوه ولم يستعملوه، وهو مذهب مالك
(2)
.
(1)
البحر الرائق (8/ 232)، والمبسوط (1/ 97)، وتارة يعبر الحنفية بقولهم: ولا بأس بالأكل في أنية المجوس، وغسلها أفضل، انظر المبسوط (24/ 27)، وعمدة القارئ (21/ 96).
(2)
الكافي في فقه أهل المدينة (ص: 187)، التاج والإكليل (1/ 121)، مختصر خليل (ص: 11)، مواهب الجليل (1/ 121).
وجاء في البيان والتحصيل (1/ 50، 51): وسئل -يعني: مالكًا- عن الرجل يشتري من النصراني الخفين أيلبسهما؟ قال: لا حتى يغسله. قيل له: فما ينسجون، فإنه يبلون الخمر، ويحركونه بأيديهم، ويسقون به الثياب قبل أن تنسج، وهم أهل نجاسة؟ قال: لا بأس بذلك، ولم يزل الناس يلبسونها قديمًا. وانظر الخرشي (1/ 97)، والشرح الكبير (1/ 61).
فيجب الغسل عند مالك إذا جزم أو ظن أو شك عدم طهارتها، ولا يجب الغسل إذا تيقن أو ظن طهارتها. انظر حاشية الدسوقي (1/ 61).