الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تمهيد
المبحث الأول تعريف الطهارة
تعريف الطهارة اصطلاحًا
(1)
:
(1)
أما تعريف الطهارة لغةً، فسوف أذكر من التعريفات اللغوية ما يحتاج إليها في الفقه، وما يعين على ضبط الشكل، وأما بقي المعاني اللغوية فيجدها القارئ في كتب اللغة، وليس هذا من مظان بحثها طلبًا للاختصار.
الفعل: (طهر) فعل ماض على وزن (فَعَل وفَعُل) بفتح العين وضمها من بابي قتل وقرب. والمصدر: طَهَارة. والاسم: الطُّهر بضم الطاء: وهو النقاء من الدنس والنجس.
قال أهل اللغة: الطُهور بالضم التطهر (الفعل)، وبالفتح اسم ما يتطهر به من الماء أو الصعيد، قال تعالى:(وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)[الفرقان: 48] وقال صلى الله عليه وسلم: التراب طَهور المسلم. ومثله: الوَضُوء اسم للماء والوُضُوء الفعل. والسَحُور اسم لما يتسحر به من طعام وشراب، والسُحُور الفعل. ومثله السَّعوط. قال تعالى:(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً)[الإنسان: 21]. اسم للماء وقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة امرئ بغير طُهور. اسم للفعل.
قال الأزهري: الطَهور في اللغة: هو الطاهر المطهر؛ لأنه لا يكون طَهُورًا إلا وهو يتطهر به، كالوضوء: لما يتوضأ به، والفَطور لما يفطر به، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر، فقال: هو الطَهور ماؤه، الحل ميتته: أي الطاهر المطهر.
وقال سيبويه: الطَهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معًا.
وامرأة: طاهر: أي من الحيض، وإذا قيل: طاهرة أي من الأدناس، كما يقال: امرأة حامل وحائض فيما لا يشاركها فيه الرجل فلا يحتاج إلى تاء التأنيث، بخلاف حاملة أي لمتاعها فرقًا بين المذكر والمؤنث. انظر لسان العرب (4/ 504، 505)، تاج العروس (12/ 446)، القاموس المحيط (ص: 554)، العين (4/ 18، 19)، مختار الصحاح (2/ 379)، المصباح المنير (ص: 169)، وانظر أنيس الفقهاء (ص: 46)، طلبة الطلبة (ص: 24).
• تعريف الحنفية:
قال في الجوهرة النيرة: الطهارة: عبارة عن رفع حدث وإزالة نجس، حتى يسمى الدباغ والتيمم طهارة
(1)
.
فشمل التعريف طهارتين: طهارة الحدث بالماء والتراب، كالوضوء والتيمم.
وطهارة الخبث وذلك بإزالة النجاسة بمطهر، كالاستنجاء والدباغ.
• تعريف المالكية:
جاء في مواهب الجليل: تطلق الطهارة في الشرع على معنيين:
أحدهما: الصفة الحكمية القائمة بالأعيان التي توجب لموصوفها استباحة الصلاة به أو فيه أوله، كما يقال: هذا الشيء طاهر.
والمعنى الثاني: إطلاق الطهارة على التطهير، وهو رفع الحدث وإزالة النجاسة، كما في قولهم: الطهارة واجبة.
وفي كلام القرافي: أن المعنى الأول حقيقة، والثاني مجاز
(2)
.
واعترض ابن عرفة على من عرف الطهارة بالمعنى الثاني فقال: وقول المازري وغيره: الطهارة إزالة النجس، أو رفع مانع الصلاة بالماء أو في معناه، إنما يتناول التطهير، والطهارة غير التطهير لثبوتها فيما لم يتنجس، وفي المطهر بعد الإزالة
(3)
.
والصحيح أن الطهارة كما تكون صفة للأعيان الطاهرة، تكون نتيجة للتطهير أيضًا. قال تعالى:(وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)[الفرقان: 48]. أي طاهر. وقال تعالى: (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاءِ مَاءً لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ)[الأنفال: 11]. فالماء كما يوصف بأنه طهور في ذاته كذلك يحصل منه الطهارة بالتطهير.
(1)
الجوهرة النيرة (1/ 3)، وانظر البحر الرائق (1/ 8)، والعناية شرح الهداية (1/ 12).
(2)
مواهب الجليل (1/ 43).
(3)
مواهب الجليل (1/ 43، 44)، وانظر شرح حدود ابن عرفة (ص: 12)، الخرشي (1/ 60، 61)، الفواكه الدواني (1/ 122).
• تعريف الشافعية والحنابلة:
قالوا: الطهارة: هي ارتفاع الحدث، وما في معناه، وزوال الخبث
(1)
.
وقد اشتمل التعريف على ثلاثة أقسام، كل منها يطلق عليه طهارة شرعية.
الأول: رفع الحدث.
الثاني: إزالة النجاسة.
الثالث: ما في معناهما.
فأما رفع الحدث: فلا شك أن ارتفاع الحدث يسمى طهارة شرعية، سواء كان الحدث أصغر أو أكبر، فإذا توضأ الإنسان أو اغتسل من الحدث فقد تطهر، قال تعالى، بعد أن ذكر طهارة الوضوء من الحدث الأصغر والأكبر، في طهارة الماء والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) [المائدة: 6].
وفي مسلم من حديث ابن عمر: لا تقبل صلاة بغير طهور
(2)
.
والذي لم يتطهر يقال له محدث بنص السنة.
(1)
فقد جاء في الصحيحين من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن همام،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ
(3)
.
الثاني من أقسام الطهارة: إزالة النجاسة.
فإذا أزيلت النجاسة عن المحل فقد حصلت له طهارة شرعية من هذه النجاسة.
(1)
انظر في كتب الشافعية: المجموع (1/ 123)، أسنى المطالب (1/ 4)، شرح البهجة (1/ 13)، حاشيتا قليوبي وعميرة (1/ 19)، وانظر في كتب الحنابلة: كشاف القناع (1/ 23)، المطلع على أبواب المقنع (ص: 5).
(2)
مسلم (224).
(3)
البخاري (135)، ومسلم (2/ 225).
(2)
روى مسلم في صحيحه من طريق محمد بن سيرين، وهمام بن منبه كلاهما
عن أبي هريرة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب
(1)
.
فالطهارة التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا الإناء ليست من الحدث، ولكنها طهارة من الخبث، وهي النجاسة، ومع ذلك اعتبرها الشارع طهارة شرعية، بل لو قيل: إن الطهارة من النجاسة هي الأصل في إطلاق الطهارة لم يكن القول بعيدًا من حيث اللغة؛ لأن الطاهر عكس النجس، بخلاف طهارة الحدث فإنها ليست عن نجاسة، وقد لا يزال بها وساخة.
وبهذه الأدلة تبين لنا أن رفع الحدث طهارة، وزوال النجاسة طهارة أيضًا. وقد جمع الله سبحانه وتعالى طهارة الحدث، وطهارة النجاسة في آية واحدة في سورة البقرة على القول الصحيح. قال تعالى:(وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ)[البقرة: 122].
فقوله سبحانه: (حَتَّى يَطْهُرْنَ). أي من النجاسة، التي هي انقطاع دم الحيض. وقوله:(فَإِذَا تَطَهَّرْنَ): أي من الحدث الأكبر بالغسل بعد الطهارة من الحيض.
النوع الثالث: هناك طهارة لا يرتفع بها الحدث، ولا تزال بها النجاسة، وهي مع ذلك طهارة شرعية. سماها الفقهاء:(في معنى ارتفاع الحدث)، وفي معنى إزالة النجاسة.
فالطهارة التي في معنى ارتفاع الحدث كتجديد الوضوء، فهو طهارة شرعية، ومع ذلك لم يرتفع بها الحدث؛ لأن الحدث قد ارتفع، ومثله الأغسال المستحبة شرعًا، ومثله الغسلة الثانية والثالثة في الوضوء، ومثله تغسيل الميت.
والطهارة التي في معنى إزالة النجاسة طهارة المستحاضة، فإنه يحكم لها بالطهارة
(1)
مسلم (91، 29 - 279).
وإن كان الحدث مستمرًا، ومثله من به سلس بول، ومن قال: إن هذه استباحة وليست طهارة فالخلاف معه قريب من اللفظي
(1)
؛ لأننا إذا أبحنا له فعل الصلاة، فقد حكمنا له بالطهارة. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: لا يقبل الله صلاة بغير طهور.
وقد سبق تخريجه
(2)
. فلما أذن له شرعًا بالصلاة علم أنها هذه طهارته.
* * *
(1)
وقد يقال: إنه خلاف معنوي، وله ثمرة، حيث إنهم يوجبون على المتيمم التيمم لكل صلاة، ولو لم يحدث، والمخالف لهم يبيح له الصلاة بتيممه ما لم يحدث، أو يمكنه استعمال الماء.
(2)
انظر تخريجه في صفحة (19).