الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقيل: إن كانت النجاسة بول آدمي أو عذرته المائعة فإنه ينجس ولو كان كثيرًا إلا أن يشق نزحه.
وإن كانت النجاسة غيرها فإنه ينجس إذا كان دون القلتين، فإن كان قلتين فأكثر لم ينجس إلا بالتغير، وهذا مذهب المتقدمين من الحنابلة
(1)
.
•
دليل الحنفية على اعتبار الخلوص
.
قالوا: إن الله سبحانه وتعالى حرم علينا الخبائث، ولم يفرق بين حال انفرادها واختلاطها بالماء، فإذا غلب على ظننا أن النجاسة تخلص إلى الطرف الآخر، فإن من استعمل الماء يكون قد استعمل النجاسة، واستعمال النجاسة لا يجوز، والأخذ بغلبة الظن طريق شرعي، فإن كثيرًا من الأحكام الشرعية مبنية على الظن، وليس على اليقين.
وأما الدليل على تقدير الخلوص بالحركة أو بالمساحة أو بغيرهما فلا دليل خاص عليها، وإنما رأى بعض الحنفية أن غلبة الظن قد لا تنضبط، فاجتهدوا في تحديد مقدار الماء الذي تخلص النجاسة إلى طرفه الآخر، لكن الأصل هو غلبة الظن.
• وأما الدليل على إن الماء القليل ينجس ولو لم يتغير:
فهناك مجموعة أدلة منها:
الدليل الأول:
(79)
ما رواه ابن أبي شيبة، قال: حدثنا أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن
(1)
التفريق بين بول الآدمي وعذرته، وبين سائر النجاسات، فالأول إذا وقع في الماء فإنه ينجس الماء الكثير ولو لم يتغير إلا أن يشق نزحه، والثاني: إذا وقع في الماء تنجس ما كان دون القلتين فقط، هذا مذهب المتقدمين من الحنابلة، أما مذهب المتأخرين فلا فرق عندهم بين البول والعذرة، وبين سائر النجاسات، فإذا وقعت في ماء قليل دون القلتين نجس، ولو لم يتغير، وإذا وقعت في ماء كثير لم ينجس الماء إلا بالتغير. انظر الإنصاف (1/ 60)، الفروع (1/ 85)، كشاف القناع (1/ 38)، المبدع (1/ 57)، الكافي (1/ 8)، المحرر (1/ 2)، المغني (1/ 31).
محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله بن عبد الله،
عن ابن عمر، قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الماء يكون بأرض الفلاة وما ينوبه من السباع والدواب، فقال: إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث
(1)
.
[صحيح إن شاء الله]
(2)
.
(1)
المصنف (1/ 133) رقم 1526.
(2)
الحديث قد ضعف بأمور منها:
الأول: الاضطراب في السند والمتن.
الثاني: الشذوذ.
الثالث: الوقف.
…
الرابع: الجهل بمقدار القلة.
أما الجواب عن اضطراب السند:
فالحديث رواه الوليد بن كثير، واختلف عليه:
فقيل: الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر، عن عبد الله المكبر، عن أبيه عبد الله بن عمر.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 133) وأبو داود (63)، والنسائي في الكبرى (50)، وفي الصغرى (52)، وابن الجارود في المنتقى (45)، وعبد بن حميد في المسند كما في المنتخب (817)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 15)، والدارقطني (1/ 14، 15)، وابن حبان (1249)، والحاكم في المستدرك (1/ 132)، والبيهقي في السنن (1/ 260، 261) وفي المعرفة (2/ 85)، وفي الخلافيات (3/ 146)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 34)، من طرق كثيرة، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبدالله - المكبر - ابن عبد الله ابن عمر عن أبيه.
ورجاله ثقات.
وقيل: الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر، عن عبيد الله المصغر، عن أبيه عبد الله بن عمر.
أخرجه النسائي (328)، والدارمي (732)، وابن خزيمة (1/ 49)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 15) وفي مشكل الآثار (3/ 266)، وابن حبان في الصحيح من طريق أبي أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله -المصغر- ابن عبد الله بن عمر عن أبيه. وهذا إسناد صحيح أيضًا.
وتابع عباد بن صهيب أبا أسامة، فرواه الدارقطني (1/ 18 - 19) ومن طريقه البيهقي في الخلافيات (3/ 165 - 166) فرواه عن الوليد بن كثير به، بذكر عبيد الله -المصغر- إلا أن عباد ابن صهيب مجروح، جاء في ترجمته: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال على بن المديني: عباد بن صهيب ذهب حديثه. الجرح والتعديل (6/ 81).
وقال أبو بكر بن أبي شيبة: تركنا حديث عباد بن صهيب قبل أن يموت بعشرين سنة. المرجع السابق.
وقال أبو حاتم الرازي: ضعيف الحديث، منكر الحديث، ترك حديثه. المرجع السابق.
وبناءً على ما سبق يتضح لنا من الأسانيد، أنه قد اختلف على محمد بن جعفر بن الزبير فيه: فتارة يرويه أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الله - المكبر ـ عن أبيه.
وتارة يرويه أبو أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله ـ المصغر ـ عن أبيه وقد توبع الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر عن عبيد الله ـ المصغر ـ عن أبيه.
تابعه محمد بن إسحاق، قال: حدثني محمد بن جعفر به.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 133)، وأحمد (2/ 12، 27)، أبو داود (64)، والترمذى (67)،
وابن ماجه (517)، والدارمي (731)، وأبو يعلى في المسند (5590)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 15، 16)، والدار قطنى (1/ 19، 21) والحاكم في المستدرك (1/ 133، 134)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 26، 261)، وابن الجوزي في التحقيق (1/ 33)، وقد صرح محمد بن إسحاق بالتحديث عند جماعة من المذكورين فانتفت شبهة التدليس.
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات إلا محمد بن إسحاق، فإنه صدوق.
الطريق الثالث: الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد، عن عبد الله المكبر، عن أبيه عبد الله بن عمر. فاستبدل محمد بن جعفر بمحمد بن عباد.
أخرج الحديث أبوداود (63)، وابن الجارود في المنتقى (44)، وابن حبان (1253)، والدارقطنى (1/ 15، 16، 17)، والحاكم (1/ 133)، والبيهقي في السنن الكبرى (1/ 260)، من طريق أبي أسامة، عن الوليد، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله -المكبر- بن عبد الله بن عمر، عن أبيه.
وبناء عليه فيكون الحديث قد اختلف فيه على الوليد بن كثير، فصار تارة يرويه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وتارة يرويه عن محمد بن عباد بن جعفر، ومحمد بن عباد لا يرويه إلا عن عبدالله المكبر، عن أبيه، بينما محمد بن جعفر بن الزبير تارة يرويه عن عبد الله وتارة يرويه عن عبيدالله.
ووقف العلماء من هذا ثلاثة مواقف:
الموقف الأول: بعضهم حكم عليه بالاضطراب في سنده، وبالتالي ضعف الحديث
منهم الإمام عبد الله بن المبارك كما في الأوسط (1/ 271). =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وابن عبد البر كما في التمهيد (1/ 335)، والاستذكار (1/ 204).
وابن العربي كما في القبس (1/ 130)، والعارضة (1/ 84).
وابن القيم كما في تهذيب السنن (1/ 62).
الموقف الثاني: الترجيح بين هذه الطرق.
وممن سلك مسلك الترجيح أبو داود في سننه وأبو حاتم وابن منده.
فرجح أبو داود طريق محمد بن عباد فقال رحمه الله (63): حدثنا محمد بن العلاء وعثمان بن أبي شيبة والحسن بن علي وغيرهم، قالوا: حدثنا أبو أسامة عن الوليد بن كثير عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه وساق الحديث.
قال أبو داود: هذا لفظ ابن العلاء، وقال عثمان والحسن بن علي، عن محمد بن عباد بن جعفر، وهو الصواب. اهـ
وخالف أبا داود أبو حاتم وابن منده، فرجحا رواية محمد بن جعفر بن الزبير.
جاء في العلل (1 رقم 96) قال ابن أبي حاتم: «قال أبي: محمد بن عباد بن جعفر ثقة، ومحمد بن جعفر بن الزبير ثقة، ولمحمد بن جعفر بن الزبير أشبه» .
وقال ابن منده فيما نقله عنه الزيلعي في نصب الراية (1/ 106)«واختلف على أبي أسامة، فروي عنه، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر. وقال مرة: عن محمد بن جعفر بن الزبير وهو الصواب؛ لأن عيسى بن يونس رواه عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل فذكره» . اهـ.
الموقف الثالث: من رجح الجمع بين هذه الطرق، وهو الصواب.
فقد أخرج الدارقطني (1/ 18)، والحاكم (1/ 133)، والبيهقي (1/ 260، 261) من طريق علي بن عبد الله بن مبشر الواسطي.
وأخرجه الدارقطني (1/ 18) ومن طريقه البيقهي في السنن (1/ 260) والخلافيات (3/ 157) من طريق ابن سعدان، كلاهما عن شعيب بن أيوب، عن أبي أسامة، عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر ومحمد بن عباد، عن عبدالله -المكبر- ابن عبد الله بن عمر عن أبيه.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال الحاكم (1/ 133)«قد صح وثبت بهذه الرواية صحة الحديث، وظهر أن أبا أسامة ساق الحديث عن الوليد بن كثير عنهما جميعًا، فإن شعيب بن أيوب ثقة مأمون، وكذلك الطريق إليه، وقد تابع الوليد بن كثير على روايته عن محمد بن جعفر بن الزبير تابعه محمد بن إسحاق بن يسار القرشي» . اهـ
وصححه العلائي في جزئه (ص: 35)، وقال:«نعلم بهذا أن الراوي الواحد إذا كان ضابطًا متقنًا، وروى الحديث على الوجهين المختلفين أن كلا منهما صحيح» . اهـ
كما صححه على الوجهين عبد الحق الإشبيلي في الأحكام الوسطى (1/ 154 - 155).
وقال الحافظ في تلخيص الحبير (1/ 17): «والجواب أن هذا ليس اضطرابا قادحًا فيه، فإنه على تقدير أن يكون الجميع محفوظًا. انتقال من ثقة إلى ثقة، وعند التحقيق فالصواب أنه:
عن الوليد بن كثير، عن محمد بن عباد بن جعفر، عن عبد الله بن عبد الله بن عمر المكبر.
وعن محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر المصغر ومن رواه على غير هذا الوجه فقد وهم.
قلت: لم أدر لما لم يعتمد الحافظ رواية محمد بن جعفر بن الزبير عن عبد الله المكبر، واعتبرها وهمًا؟
فقد أخرج الحديث كما سبق: ابن أبي شيبة (1/ 133)، وأبو داود (63) وابن الجارود فى المنتقى (45)، والدارقطنى (1/ 14، 15)، وابن حبان (1249)، والبيهقى (1/ 260/261) من طرق عن أبي أسامة عن الوليد بن كثير، عن محمد بن جعفر، عن عبد الله -المكبر- عن أبيه.
ولهذا قال أحمد شاكر في تحقيقه لسنن الترمذي (1/ 99) متعقبًا كلام الحافظ: «وما قاله الحافظ من التحقيق غير جيد، والذي يظهر من تتبع الروايات أن الوليد بن كثير رواه عن محمد بن جعفر بن الزبير، وعن محمد بن عباد بن جعفر، وأنهما كليهما روياه عن عبد الله وعبيد الله ابني عبد الله عن عمر عن أبيهما» .
وهذا الكلام من العلامة أحمد شاكر جيد إلا أن محمد بن جعفر بن الزبير هو الذي روى الحديث عن ابني عبد الله بن عمر عن أبيهما، وأما محمد بن عباد فلم يروه إلا عن عبد الله المكبر فقط. والله أعلم. وبهذا يندفع الاضطراب في السند.
الجواب عن اضطراب المتن:
أعله قوم باضطراب المتن انظر تهذيب السنن (1/ 62)، فقال بعضهم: روي إذا بلغ الماء قلتين أو ثلاثًا على الشك، وروي إذا بلغ الماء قلتين بلا شك، وروى إذا بلغ الماء أربعين قلة.
والجواب على ذلك أن يقال: إن رواية الشك مدارها على حماد بن سلمة، عن عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا كان الماء قلتين أو ثلاثًا لم ينجسه شيء.
وقد اختلف على حماد فيه، فرواه عنه جماعة بالشك منهم: =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= 1 - وكيع عند ابن ماجه (518) وأحمد (2/ 23).
2 -
عفان بن مسلم عند الإمام أحمد (2/ 107)، وروي عنه بدون شك كما سيأتي.
3 -
زيد بن الحباب عند أبى عبيد بن القاسم بن سلام فى كتاب الطهور (ص: 226).
4 -
يزيد بن هارون عند الدارقطنى (1/ 22).
5 -
إبراهيم بن الحجاج عند الدارقطنى (1/ 22) والبيهقى (1/ 262)
6 -
هدبة بن خالد عند الدارقطنى (1/ 22) والبيهقى (1/ 262).
7 -
كامل بن طلحة عند الدارقطنى (1/ 22).
8 -
أبو الوليد الطيالسي، كما في المنتخب من مسند عبد بن حميد (818).
وخالفهم جماعة من أصحاب حماد فرووه عنه بدون شك منهم:
1 -
موسى بن إسماعيل عند أبي داود (65)، والدار قطنى (1/ 23)، والبيهقي (1/ 262).
2 -
عفان بن مسلم في إحدى روايتيه عن حماد، عند ابن الجارود في المنتقى (46)، والدارقطني (1/ 23).
3 -
يعقوب بن إسحاق الحضرمي عند الدارقطنى (1/ 23).
4 -
العلاء بن عبدالجبار المكي، عند الدارقطني (1/ 23).
5 -
عبيد الله بن محمد العيشي عند الدارقطنى (1/ 23)، والبيهقي (1/ 261).
6 -
الطيالسي كما في مسنده (1954).
7 -
يزيد بن هارون عند الدارقطني في السنن (1/ 22).
8 -
يحيى بن حسان عند الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 16).
وهذا الشك والاختلاف لعله من قبل حماد بن سلمة. قال عنه الحافظ (1499): ثقة عابد أثبت الناس في ثابت، وتغير حفظه بآخرة.
والرواية التي بدون شك أرجح لموافقتها رواية الجماعة.
قال البيهقى رحمه الله (1/ 162): «ورواية الجماعة الذين لم يشكوا أولى» .
وأما رواية أربعين قلة، فجاءت من حديث جابر مرفوعًا، أخرجها ابن عدي في الكامل (6/ 34) ومن طريقه الدارقطني (1/ 26)، والبيهقي (1/ 262)، من طريق القاسم بن عبد الله العمري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا بلغ الماء أربعين قلة لايحمل الخبث.
والقاسم بن عبد الله العمري، قال فيه أحمد: ليس بشيء كان يكذب ويضع الحديث.
وقال يحيى وابن المديني أبو زرعة: ليس بشيء. زاد أبو زرعة: متروك الحديث، منكر الحديث.
وقال يحيى مرة: كذاب.
وقال أبو حاتم والنسائي: متروك. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= وقال البخاري: سكتوا عنه.
وقال الدارقطني (1/ 26، 27): «كذا رواه القاسم العمري، عن ابن المنكدر، عن جابر، ووهم في إسناده، وكان ضعيفًا كثير الخطأ، وخالفه روح بن القاسم، وسفيان الثوري، ومعمر بن راشد، رووه عن محمد بن المنكدر، عن عبد الله بن عمرو موقوفًا.
ورواه أيوب السختياني، عن ابن المنكدر من قوله، لم يجاوزه.
وجاء عن أبي هريرة موقوفًا عليه عند الدارقطني (1/ 27)، وأبي عبيد القاسم بن سلام في كتاب الطهور (ص 231)، من طريق ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن سليمان بن سنان، عن عبد الرحمن بن أبي هريرة، عن أبيه: إذا بلغ الماء أربعين قلة لم يحمل خبثًا.
وهذا مع كونه موقوفًا على أبي هريرة، ففي إسناده ابن لهيعة وقد خالفه غير واحد.
قال الدارقطني: وخالفه غير واحد، رووه عن أبي هريرة فقالوا: أربعين غربًا، ومنهم من قال: أربعين دلوًا».
وعلى هذا فلا يمكن أن يقال باضطراب متنه؛ لأنه روي أربعين قلة حيث تبين أن المرفوع في إسناده القاسم العمري متهم بالكذب، وأما الموقوف على الصحابي، فإنه مع ضعفه، لا يعارض المرفوع من حديث ابن عمر وقد جاء بسند رجاله رجال الصحيح، وهذا ما يمكن أن يقال جوابًا على من ادعى اضطراب المتن والله أعلم.
وأما الجواب عن قولهم: بأنه شاذ.
قال ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 62): «لا يلزم من مجرد صحة السند صحة الحديث، ما لم ينتف عنه الشذوذ والعلة، ولم ينتفيا عن هذا الحديث.
أما الشذوذ: فإن هذا الحديث فاصل بين الحلال والحرام، والطاهر والنجس، وهو في المياه كالأوسق في الزكاة والنصب في الزكاة، فكيف لا يكون مشهورًا شائعًا بين الصحابة، ينقله خلف عن سلف؟ لشدة حاجة الأمة إليه؛ فإن حاجتهم إليه أعظم من حاجتهم إلى نصب الزكاة؛ لأن أكثر الناس لا تجب عليهم الزكاة، والوضوء بالماء الطاهر فرض على كل مسلم، فيكون الواجب نقل هذا الحديث كنقل نجاسة البول، ووجوب غسله، ونقل عدد الركعات ونظائر ذلك.
ومن المعلوم أن هذا لم يروه غير ابن عمر، ولا عن ابن عمر غير عبيد الله وعبد الله، فأين نافع، وسالم، وأيوب، وسعيد بن جبير؟ وأين أهل المدينة وعلماؤهم عن هذه السنة التي مخرجها من عندهم، وهم إليها أحوج الخلق؛ لعزة الماء عندهم؟ ومن البعيد جدًّا أن تكون هذه السنة عند ابن عمر، وتخفى على علماء أصحابه وأهل بلدته، ولا يذهب إليها أحد منهم، ولا يروونها ويديرونها بينهم. ومن أنصف لم يخف عليه امتناع هذا، فلو كانت هذه السنة العظيمة المقدار عند ابن عمر، لكان أصحابه، وأهل المدينة أقول الناس بها، وأرواهم لها، فأي شذوذ أبلغ من =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= هذا، وحيث لم يقل بهذا التحديد أحد من أصحاب ابن عمر علم أنه لم يكن فيه سنة من النبي صلى الله عليه وسلم فهذا وجه شذوذه».اهـ
والجواب عن ذلك:
أولًا: فهم ابن القيم رحمه الله أنه يلزم من تصحيح الحديث، القول بنجاسة الماء القليل إذا وقعت فيه نجاسة، ولو لم تغيره، عملًا بمفهوم هذا الحديث، فأطنب رحمه الله في بيان أن هذا لو كان صحيحًا لكانت الأمة في حاجته أكثر من حاجتها لبيان أنصباء الزكاة
…
إلخ كلامه المتقدم. ولا يلزم من تصحيح الحديث القول بمفهومه على ما سيأتي بيانه، ومنطوق حديث القلتين موافق لمنطوق حديث أبي سعيد الخدري: الماء طهور لا ينجسه شيء.
ثانيًا: أن قوله رحمه الله: إن هذا الحديث لم يروه إلا ابن عمر، ولا عن ابن عمر غير عبيد الله وعبد الله، فأين نافع وسالم وأيوب وسعيد بن جبير؟
فالجواب عليه أن يقال: إن حديث: (إنما الأعمال بالنيات) قد قال فيه علماء الإسلام كما في الفتح (1/ 17): إنه ثلث الإسلام، منهم عبد الرحمن بن مهدي، والشافعي، فيما نقله البويطي عنه، وأحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، وأبو داود، والترمذي، والدارقطني، وحمزة الكناني، ومع ذلك فقد تفرد به عمر بن الخطاب، ولم يروه عنه إلا علقمة بن وقاص، ولم يروه عن علقة إلا محمد بن إبراهيم التيمي، ولم يروه عن محمد إلا يحيى بن سعيد الأنصاري.
وقد قاله: عمر بن الخطاب على المنبر، وبحضور جمع كبير، ومع دواعي نقله، والحاجة إليه لم ينقله أحد إلا علقمة، ولم يضر تفرده بذلك.
فهذا ما يمكن أن يجاب عن دعوى الشذوذ والله أعلم، على أن أصحاب ابن عمر قد أخذوا بالحديث كسعيد بن جبير كما في الأوسط (1/ 261)، ومجموع الفتاوى (21/ 35)، المجموع (1/ 162)، والمغني. وأفتى به مجاهد كما في مصنف ابن أبي شيبة (1/ 133)، وكتاب الطهور لأبي عبيد (ص: 230)، ولعل ابن القيم لم يطلع على هذا.
وأما الجواب عن إعلاله بالوقف:
فقد ضعف جماعة رفع الحديث؛ لأن مجاهدًا، قد رواه موقوفًا على ابن عمر.
قال ابن القيم: رجح شيخا الإسلام: أبو الحجاج المزي، وأبوالعباس بن تيمية وقفه، ورجح البيهقي وقفه من طريق مجاهد وجعله هو الصواب انظر تهذيب السنن (1/ 62)، ومجموع الفتاوى (21/ 35).
فقد أخرج الدارقطني (1/ 23)، والبيهقي (1/ 262) من طريق معاوية بن عمرو، قال: أخبرنا زائدة بن قدامة، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عمر موقوفًا: إذا كان الماء قلتين لم يحمل خبثًا.
وقد روي مرفوعًا أخرجه الدارقطني (1/ 23) ومن طريقه البيقهي في السنن (1/ 262) من طريق عبد الله بن الحسين بن جابر، ثنا محمد بن كثير المصيصي، عن زائدة به مرفوعًا، ورجح=
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= الدارقطني رواية معاوية بن عمرو الموقوفة.
وفي كلا الطريقين ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف. قال فيه الحافظ في التقريب (5685):«صدوق اختلط جدًّا ولم يتميز حديثه فترك» .
فكيف يعارض به حديث عبد الله وعبيد الله ابني عمر، فإن السند إليهما رجالهما رجال الشيخين، وهما أولى بأبيهما من مجاهد، كيف وقد اختلف على مجاهد، فروى ابن أبي شيبة (1/ 133) الحديث من قول مجاهد، لا يبلغ به ابن عمر، قال في المصنف: حدثنا يزيد، عن أبي إسحاق - يعني السبيعي - عن مجاهد قال: إذا كان الماء قلتين لم ينجسه شيء.
واستدلوا أيضًا لترجيح الموقوف: بأن الحديث روي موقوفًا على ابن عمر من طريق ابن علية، فقد روى ابن أبي شيبة (1/ 144) قال: حدثنا ابن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل، عن ابن عمر قال: إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل نجسًا، أو كلمة نحوها.
ومن طريق ابن علية أخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار (2/ 223)، والدارقطني في السنن (1/ 22)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 329).
كما رواه حماد بن زيد، عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، عن أبيه موقوفًا أشار إليها أبو داود (65) عقب رواية حماد بن سلمة عن عاصم، إلا أنه خالف في شيخ عاصم بن المنذر.
والجواب: قد خالف حماد بن سلمة ابن علية، فقد أخرج أبو داود (65)، وابن الجارود (46)، والدارقطني (1/ 22) من طريق حماد بن سلمة، ثنا عاصم بن المنذر، عن عبيد الله بن عبد الله ابن عمر، عن أبيه مرفوعًا.
جاء في تلخيص الحبير (1/ 18) ومعالم السنن للخطابي (1/ 58، 59): «سئل ابن معين عن هذا الطريق فقال: إسنادها جيد. قيل: فإن ابن علية لم يرفعه، قال: وإن لم يحفظه ابن علية فالحديث جيد الإسناد» . اهـ
وقال العلائي في جزء تصحيح حديث القلتين (ص: 48 - 49): «هذا الحديث قد روي مرسلًا وموقوفًا، وكل منهما علة في صحته، فقد رواه حماد بن زيد، عن عاصم بن المنذر، عن أبي بكر بن عبيد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا، وروي أيضًا عنه موقوفًا على ابن عمر، رواه إسماعيل بن علية، عن عاصم بن المنذر، عن رجل لم يسمه، عن ابن عمر موقوفًا عليه» .
ثم قال: «إن هذا بعد التسليم كونه علة، وكون حماد بن زيد وابن علية أحفظ من حماد بن سلمة وأتقن، حتى يقدم قولهما على روايته لا تؤثر إلا في حديث عاصم بن المنذر فقط، وأما رواية أبي أسامة، ورواية محمد بن إسحاق، فهما صحيحتان، لا يقدم هذا فيهما لتباين الطرق» . إلخ كلامه رحمه الله.
وبهذا يتبين أن الحديث لا يعل بالوقف؛ لأن رواية الرفع أرجح وأكثر. =
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/ 41): «وأما حديث القلتين، فأكثر أهل العلم بالحديث على أنه حديث حسن يحتج به، وقد أجابوا عن كلام من طعن فيه، وصنف أبو عبيد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي جزءًا رد فيه ما ذكره ابن عبد البر وغيره.
الجواب عن الجهل بمقدار القلة:
ضعف الحديث جماعة للجهل بمقدار القلة كابن عبد البر في التمهيد (1/ 335) قال: «قد تكلم فيه جماعة من أهل العلم بالنقل؛ ولأن القلتين لم يوقف على حقيقة مبلغهما في أثر ثابت ولا إجماع» .
وكذلك قال الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 16) قال: «إن هاتين القلتين لم يبين لنا في هذه الآثار ما مقدارهما» . اهـ
ووافقهما ابن القيم في تهذيب السنن (1/ 63).
والجواب أن يقال:
أما الخلاف في مقدار القلة فلا يكفي في رد الحديث الصحيح، وقد اختلف العلماء في أبلغ من هذا. فقد اختلفوا هل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يجهر بالبسملة أم لا؟ مع أنها مسألة تتكرر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم خمس مرات ولم يكن هذا الاختلاف مانعًا من الترجيح بينها، وكذلك الحال في القلال، فقد اختار الشافعي كما في المجموع (1/ 165) وأبو عبيد، وابن تيمية وغيرهم أن المراد بالقلة قلال هجر، قال أبو عبيد في كتاب الطهور (ص 238):«وقد تكلم الناس في القلال فقال بعض أهل العلم: هي الجرار، وقال آخرون هي: الحباب، وهذا القول هو الذي اختاره وأذهب إليه، أنها الحباب، وهى قلال هجر، معروفة عندهم، وعند العرب مستفيضة، وقد سمعنا ذكرها في أشعارهم» .
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى (21/ 42): «وأما لفظ القلة فإنه معروف عندهم أنه الجرة الكبيرة، كالحب وكان صلى الله عليه وسلم يمثل بها كما في الصحيحين أنه قال في سدرة المنتهى: (وإذا أوراقها مثل آذان الفيلة، وإذا نبقها مثل قلال هجر)، وهى قلال معروفة الصفة والمقدار، فإن التمثيل لا يكون بمختلف متفاوت» .
هذا وقد صحح الحديث جماعة من أهل العلم منهم:
النووي فقد قال في المجموع (1/ 162): هذا الحديث حديث حسن ثابت، وابن حزم في المحلى (1/ 151)، وابن تيمية في الفتاوى (21/ 41، 42). وجاء في الفتاوى عنه أيضًا ترجيح كونه موقوفًا، وصححه الحاكم كما في المستدرك (1/ 132) وقال: على شرط الشيخين. وأقره الذهبي».
وقال ابن منده كما في تلخيص الحبير (1/ 17): «صحيح على شرط مسلم» . =
وجه الاستدلال: من الحديث من وجهين:
الوجه الأول:
أن قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)، مفهومه أنه إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث.
الوجه الثاني:
لو كان الماء لا ينجس إلا بالتغير لم يكن للتحديد بالقلتين فائدة؛ لأن الماء إذا تغير بالنجاسة نجس، ولو كان مائة قلة.
• وأجيب من وجهين:
الوجه الأول:
أن يقال عندنا منطوق ومفهوم، والمنطوق مقدم على المفهوم.
فحديث: (الماء طهور لا ينجسه شيء) منطوقه يشمل القليل والكثير.
وحديث: (إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث) منطوقه موافق لحديث: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء)؛ لأن منطوقه أن الماء إذا بلغ قلتين لم ينجسه شيء.
ومفهومه: أن الماء إذا كان دون القلتين فإنه ينجس، وهذا المفهوم معارض لمنطوق حديث أبي سعيد، فيقدم المنطوق على المفهوم، فنأخذ من حديث القلتين منطوقه فقط، ولا نأخذ مفهومه؛ لأنه يعارض منطوق حديث أبي سعيد.
= وصححه ابن حبان (1249، 1253)، وابن خزيمة (92)، وأبو عبيد في كتاب الطهور (ص: 235)، وابن حجر في الفتح (1/ 408)، وقال: رواته ثقات، وصححه جماعة من الأئمة، وانظر تلخيص الحبير (1/ 17).
وقال الخطابي في معالم السنن (1/ 58): «يكفي شاهدًا على صحة هذا الحديث أن نجوم أهل الحديث صححوه، وقالوا به، وهم القدوة، وعليهم المعول في هذا الباب. وصححه الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 30، 31)، وأحمد شاكر كما في تحقيقه لسنن الترمذي (1/ 98). والله أعلم» .
قال ابن المنذر في الأوسط للتدليل على هذه القاعدة: «ونظير ذلك قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) [البقرة: 238]، فأمر بالمحافظة على الصلوات، والصلوات داخلة في جملة قوله: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ) [البقرة: 238]، ثم خص الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها، فقال: (والصَّلاةِ الْوُسْطَى) [البقرة: 238]، فلم تكن خصوصية الوسطى بالأمر بالمحافظة عليها مخرجًا سائر الصلوات من الأمر العام الذي أمر بالمحافظة على الصلوات» . اهـ
(1)
.
فكأن ابن المنذر يقول مفهوم (والصَّلاةِ الْوُسْطَى)[البقرة: 238] الآية، لم يؤخذ ويعارض به منطوق حافظوا على الصلوات.
أو نقول بتعبير آخر: إذا ذكر عموم، ثم ذكر فرد من أفراد العموم يوافق العموم في الحكم، فإن هذا الفرد لا يعتبر مخصصًا ولا مقيدًا للعموم.
مثال ذلك: إذا قلنا: أكرم طلبة العلم، فهذا لفظ يفيد عموم الطلبة، ثم قلنا: أكرم زيدًا، وكان زيد من طلبة العلم، فإنه لا يفهم منه تخصيص الإكرام لزيد وحده.
فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إن الماء طهور لا ينجسه شيء) هذا عام يشمل القليل والكثير، ثم أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بحديث القلتين، أن الماء الكثير لا ينجس، فهو فرد من أفراد قوله صلى الله عليه وسلم:(الماء طهور لا ينجسه شيء) فلا يقتضي تخصيصه ولا تقييده.
الوجه الثاني:
أن يقال إن الرسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يعطي حكمًا أغلبيًا وليس حكمًا مطردًا. فالرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن عمر: (إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث) هل معنى ذلك أنه لا ينجس أبدًا؟
الجواب: لا؛ إذ لو تغير بالنجاسة لنجس إجماعًا، ولكن معنى لم يحمل الخبث: أي غالبًا لا يتغير بالنجاسة.
(1)
الأوسط (1/ 270).