الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثاني على وجوب النضح:
(71)
ما رواه البخاري من طريق مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة،
عن أنس بن مالك، أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام صنعته له، فأكل منه، ثم قال: قوموا فلأصل لكم، قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا، فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين، ثم انصرف
(1)
.
• وأجيب:
بأن النضح هنا ليس عن نجاسة؛ إذ لو كان عن نجاسة لانتشرت النجاسة بالنضح، ولكن النضح حتى يلين الحصير لاستعماله، وقد نقل ابن عبد البر مثل ذلك عن إسماعيل بن إسحاق من المالكية
(2)
، وهو الراجح؛ لأن ثوب المسلم ونحوه محمول على طهارته، ولا يؤثر الشك فيه حتى تستيقن النجاسة.
•
دليل المالكية على وجوب الغسل إذا شك في نجاسة البدن:
(72)
استدلوا بما رواه مسلم من طريق خالد، عن عبد الله بن شقيق،
عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثًا؛ فإنه لا يدري أين باتت يده. وهو في البخاري دون قوله: ثلاثًا
(3)
.
وجه الاستدلال:
أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بغسل اليد للشك في نجاستها، فهذا يقتضي وجوب غسل البدن إذا شك في نجاسته.
(1)
البخاري (380)، ومسلم (658).
(2)
الاستذكار (1/ 153).
(3)
صحيح مسلم (278)، وانظر صحيح البخاري (162).
قالوا: وإنما لم نقل بالنضح؛ لأن النضح خلاف القياس، فيقتصر فيه على ما ورد، وهو الحصير والثوب والخف، وجعل ابن رشد هذا القول هو المذهب
(1)
.
وقد ناقشت الحديث فيما سبق، وبينت العلة من الأمر، وأنها ليست للنجاسة، ولو كان الغسل من النجاسة لكفى في ذلك غسلة واحدة، كما في نجاسة دم الحيض يصيب الثوب.
• وأما دليل المالكية على أن الشك في الحدث ينقض الطهارة:
قالوا: إنما أوجب الوضوء بالشك؛ لأن الطهارة شرط، والشك في الشرط مؤثر، بخلاف الشك في طلاق زوجته، أو عتق أمته، أو شك في الرضاع لا يؤثر؛ لأنه شك في المانع، وهو لا يؤثر، وإنما أثر في الشرط دون المانع، لأن العبادة محققة في الذمة فلا تبرأ منها إلا بطهارة محققة، والمانع يطرأ على أمر محقق وهو الإباحة أو الملك من الرقيق، فلا تنقطع بأمر مشكوك فيه
(2)
.
ولأن الشك في الشرط وهو الطهارة يوجب الشك في المشروط وهو الصلاة، والشك في أحد المتقابلين يوجب الشك في الآخر، فالشك في الحدث يوجب الشك في الوضوء.
• وأما وجه الفرق بين الحدث داخل الصلاة وخارج الصلاة:
(73)
فقد أخذوا ذلك من ظاهر الحديث، فقد روى البخاري، قال: حدثنا علي، قال: حدثنا سفيان، قال: حدثنا الزهري، عن سعيد بن المسيب (ح) وعن عباد ابن تميم،
عن عمه، أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: لا ينفتل أو لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا، ورواه مسلم
(3)
.
(1)
البيان والتحصيل (1/ 81).
(2)
الفواكه الدواني (1/ 237).
(3)
صحيح البخاري (137)، ومسلم (361).
فأمره الرسول صلى الله عليه وسلم إذا شك في الصلاة أن يستمر فيها، ولا ينصرف عنها إلا بيقين، قالوا: وأما إذا شك خارج الصلاة، فالحكم مختلف، فيلزمه أن يأتي بالطهارة بيقين.
قال الدسوقي في حاشيته: «من شك، وهو في الصلاة طرأ عليه الشك فيها بعد دخوله، فوجب أن لا ينصرف عنها إلا بيقين، ومن شك خارجها طرأ عليه الشك في طهارته قبل الدخول في الصلاة، فوجب أن لا يدخلها إلا بطهارة متيقنة»
(1)
.
وتعليل آخر: قالوا: قياسًا على النوم، فإن وجوب الوضوء من النوم لوجود الشك في الحدث، فكذلك إذا شك في الحدث بدون نوم فإنه يوجب الوضوء.
قال ابن حجر تعليقًا على ذلك: إن كان ناقضًا خارج الصلاة فينبغي أن يكون كذلك في الصلاة كبقية النواقض
(2)
.
هذا محصل مذهب مالك في الشك سواء كان في الماء أم في الثوب، أم في البدن، أم في الحدث، وله تفصيل في كل مسألة، ومذهبه لا يطرد، وما كان قولًا له موافقًا للجمهور تركت ذكر دليله اكتفاء بذكر دليل الجمهور، وما خالف فيه ذكرت وجه الدليل عنده. والله أعلم.
• الراجح:
الراجح هو قول الجمهور، وهو العمل باليقين، إلا أني أرى إن أمكن العمل بالظن عمل به؛ لأننا قد تعبدنا بالظن إذا تعذر اليقين، إلا في مسألة الماء إذا شك في طهارته أو نجاسته، فإن هذه المسألة نادرة الوقوع خاصة إذا رجحنا أن الماء لا ينجس إلا بالتغير، فإن تغير الماء حكمنا عليه بالنجاسة وهو أمر محسوس مشاهد، وإن لم يتغير فهو طهور، والله أعلم.
* * *
(1)
حاشية الدسوقي (1/ 124).
(2)
فتح الباري (1/ 238).