الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الخامس في الماء المستعمل
الفصل الأول حكم الماء المستعمل في رفع الحدث
المبحث الأول في تعريف الماء المستعمل
[م-16] متى يكون الماء مستعملًا؟
وللجواب على ذلك نقول: الماء المتقاطر من أعضاء الوضوء في رفع الحدث مستعمل بالاتفاق
(1)
.
وأما إذا غمس يده في ماء بنية رفع الحدث، فهل يكون مستعملًا؟
قالوا: إذا كان الماء قليلًا كان مستعملًا.
(1)
حاشية ابن عابدين (1/ 200)، البحر الرائق (1/ 97)، وجاء في البناية في شرح الهداية (1/ 352):«والماء المستعمل هو ماء أزيل به حدث، أو استعمل في البدن على وجه القربة» . يقصد كما لو نوى تجديدًا مسنونًا.
وانظر في مذهب المالكية: منح الجليل من المالكية (1/ 38)، حاشية الدسوقي (1/ 42).
وقال في شرح الخرشي (1/ 74): «ما تقاطر من العضو الذي تتم به الطهارة ماء مستعمل بلا نزاع» .
وانظر في مذهب الشافعية المجموع (1/ 215)، الحاوي الكبير (1/ 300).
وقال في شرح شرح منتهى الإرادات (1/ 18): «ولا يصير الماء مستعملًا إلا بانفصاله عن المغسول؛ لأنه حينئذ يصدق عليه أنه استعمل، وما دام الماء مترددًا على العضو فطهور» . وانظر الشرح الكبير (1/ 144).
[م-17] واختلفوا في حد القليل:
فيرى الحنفية أن الجنب إذا انغمس في البئر فسد الماء، وإن انغمس لطلب الدلو فسد الماء على رأي أبي حنيفة خلافًا لصاحبيه
(1)
.
ومعنى هذا أن البئر في حد القليل عندهم.
وأما المالكية فيرون اليسير كآنية الوضوء والغسل، فإن غمس يده فيها صار مستعملًا، وإن كان أكثر من ذلك لم يكن مستعملًا
(2)
.
والشافعية والحنابلة يحدون القليل بما دون القلتين، فإن انغمس في ماء دون القلتين صار مستعملًا، وإلا فلا
(3)
.
ولا يكون الماء مستعملًا إذا أدخل يده في الإناء بنية الاغتراف، وهو قول الأئمة الأربعة
(4)
.
(1)
البحر الرائق (1/ 95)، المبسوط (1/ 53).
(2)
انظر الشرح الصغير (1/ 37)، حاشية الدسوقي (41، 42)، الخرشي (1/ 75، 76) القوانين الفقهية (ص: 25)، الاستذكار (1/ 253)، التمهيد (4/ 43).
وقال في شرح الخرشي (1/ 74): «لو غمس يده في الإناء ولم يدلك يده إلا بعد ما أخرجها فالظاهر أنه غير مستعمل كما ظهر لي، ثم وجدت عج ذكره» .
وسبب هذا أن الدلك عندهم فرض، فإذا خرج يده ولم يدلكها لم يرتفع الحدث عن العضو في الماء، وإنما ارتفع خارج الماء فلم يتأثر الماء، والله أعلم.
(3)
المجموع (1/ 215)، الفتاوى الكبرى
انظر في المذهب الحنبلي المبدع (1/ 45، 46)، الكافي (1/ 6).
وقال ابن قدامة في المغني (1/ 30): «وإذا انغمس الجنب أو المحدث فيما دون القلتين ينوي رفع الحدث صار مستعملًا، ولم يرتفع حدثه. وقال الشافعي: يصير مستعملًا، ويرتفع حدثه؛ لأنه إنما صار مستعملًا بارتفاع حدثه فيه
…
». إلخ كلامه رحمه الله. وانظر الفتاوى الكبرى - ابن تيمية (1/ 421، 422).
(4)
انظر في مذهب الحنفية بدائع الصنائع (1/ 69)، البحر الرائق (1/ 19).
وقال في درر الحكام شرح غرر الأحكام (1/ 9): «قال القاضي خان: المحدث والجنب إذا أدخل يده في الماء للاغتراف، وليس عليها نجاسة، لا يفسد الماء، وكذا إذا وقع الكوز في الجب، وأدخل يده إلى المرفق لإخراج الكوز لا يصير الماء مستعملا» .
وفي مذهب المالكية: قال في مواهب الجليل (1/ 68): «قال ابن الإمام: والأظهر أن إدخال المحدث يده في الإناء بعد غسل الوجه ونية رفع الحدث لا يصير الماء مستعملًا إذا انفصلت اليد من الماء على أصلنا، ولم أر فيه نصًّا» .
وفي مذهب الشافعية، قال النووي في المجموع (1/ 215):«إذا غمس المتوضئ يده في إناء فيه دون القلتين، فإن كان قبل غسل الوجه لم يصر الماء مستعملًا سواء نوى رفع الحدث أم لا، وإن كان بعد غسل الوجه فهذا وقت غسل اليد، ففيه تفصيل: إن قصد غسل اليد صار مستعملًا، وارتفع الحدث عن الجزء الأول من اليد» .
وفي مذهب الحنابلة: قال ابن قدامة في المغني (1/ 86): «ومن كان يتوضأ من ماء يسير يغترف منه بيده، فغرف منه عند غسل يديه لم يؤثر ذلك في الماء
…
». إلخ كلامه رحمه الله.
وقال أيضًا (1/ 135): «وأما الجنب فإن لم ينو بغمس يده في الماء رفع الحدث منها، فهو باق على طهوريته» . وانظر الإنصاف (1/ 44).
هذا كلام أهل العلم في الماء متى يكون مستعملًا، وهو واضح في الماء المتقاطر من العضو، حيث استعمل في طهارة العضو، وأما الماء الذي وضع يده فيه فلم يتضح لي أن النية مؤثرة؛ لأن فساد الماء من الأحكام الوضعية، وهي لا تؤثر فيها النية، فمن غمس يده في الماء سواء كان مكلفًا أو غير مكلف، وسواء كان محدثًا أو كان عن الوضوء قربة كالتجديد، أو قصد به النظافة فالحكم واحد، فما انفصل من يده فهو مستعمل، وما كان في الإناء فهو غير مستعمل، ولا يؤخذ بحديث القلتين في تحديد الماء القليل؛ لأننا لو سلمنا بمفهوم حديث القلتين فإنه في معرض بيان وقوع النجاسات في الماء، وليس في بيان وقوع الأعيان الطاهرة فيه، والله أعلم.
* * *