الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الدليل الثالث:
(67)
ما رواه ابن ماجه، قال: حدثنا محمد بن يحيى، ثنا المعلى بن أسد، ثنا عبد العزيز بن المختار، ثنا عاصم الأحول،
عن عبد الله بن سرجس، قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغتسل الرجل بفضل المرأة والمرأة بفضل الرجل، ولكن يشرعان جميعًا.
= ابن حدير، عن سوادة بن عاصم، قال:
انتهيت إلى الحكم الغفاري، وهو بالمربد، وهو ينهاهم عن فضل طهور المرأة، فقلت: ألا حبذا صفرة ذراعيها، ألا حبذا كذا!! فأخذ شيئًا فرماه به، وقال: لك ولأصحابك. وهذا إسناد صحيح.
فالحديث علته والله أعلم الاختلاف في رفعه ووقفه، وأما كون الحديث ورد مرة بسؤر المرأة، ومرة بفضل المرأة، ومرة بالشك، هل يريد فضل شرابها أم فضل سؤرها، فممكن الجمع بين هذه الروايات.
فرواية أبي داود الطيالسي عن شعبة، رواه عن أبي داود ثلاثة:
محمد بن بشار، ويونس بن حبيب. وهذان متفقان على لفظ: فضل طهور المرأة.
ورواه محمود بن غيلان عن أبي داود بالشك: بفضل طهور المرأة، أو قال سؤرها.
والشك هنا من محمود، فيطرح الشك؛ لأنه قد رواه ثقتان عن أبي داود بدون شك.
وروى الحديث عبد الصمد، عن شعبة كما في مسند الإمام أحمد (4/ 213) ولفظه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ بفضلها، لا يدري بفضل وضوئها أو فضل سؤرها.
وهنا الشك ليس في اللفظ النبوي؛ لأن اللفظ النبوي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ بفضلها. هذا اللفظ النبوي ليس فيه شك. وإنما الشك في تفسير الراوي لفضل المرأة ما هو؟
والتفسير من قبل الراوي قد يصيب وقد يخطيء وإذا كان عبد الصمد في تفسيره لم يجزم فالروايات الأخرى تقضي على الشك.
وأما رواية وهب بن جرير عن شعبة عند أحمد، ورواية قيس بن الربيع عن عاصم. نهى أن يتوضأ الرجل من سؤر المرأة.
ولنا في هذه الرواية إما الجمع أو الترجيح، والجمع أولى بأن يقال: المراد بالسؤر هنا: هو فضل الطهور، لا فضل الشراب؛ لأن السؤر أصله: البقية من كل شيء، وهنا المراد البقية من طهورها كما في سائر الروايات الأخرى.
وإن قلنا بالترجيح، فلا شك أن لفظ (فضل المرأة) أكثر طرقًا من لفظ (سؤر المرأة) والله أعلم.
[المحفوظ وقفه على عبد الله بن سرجس]
(1)
.
الجمع بين حديث النهي عن الوضوء بفضل المرأة، وحديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل ميمونة.
• أجاب المانعون بأحد جوابين:
الجواب الأول:
قالوا: إن حديث ابن عباس غير محفوظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل ميمونة،
(1)
الحديث أخرجه الطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 24) من طريق محمد بن خزيمة. والدارقطني (1/ 116) من طريق أبي حاتم الرازي. وابن حزم في المحلى (1/ 212) من طريق على بن عبد العزيز، ثلاثتهم عن معلى بن أسد.
وأخرجه أبو يعلى (1564)، والبيهقي (1/ 192) من طريق إبراهيم بن الحجاج، كلاهما (معلى ابن أسد وإبراهيم بن الحجاج) عن عبد العزيز بن المختار، عن عاصم الأحول، عن عبد الله بن سرجس مرفوعًا.
وخالف شعبة عبد العزيز بن المختار، فرواه عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس، موقوفًا عليه.
أخرجه الدارقطني (1/ 117) من طريق وهب بن جرير، عن شعبة، عن عاصم، عن عبد الله ابن سرجس موقوفًا عليه، بلفظ: تتوضأ المرأة وتغتسل من فضل غسل الرجل وطهوره ولا يتوضأ الرجل بفضل غسل المرأة ولا طهورها. قال الدارقطني: هذا موقوف صحيح، وهو أولى بالصواب. وتبعه البيهقي في سننه (1/ 192).
وقال البخاري عن حديث عبد الله بن سرجس: الصحيح أنه موقوف، ومن رفعه فهو خطأ. سنن البيهقي (1/ 192).
وقال ابن ماجه: الصحيح الأول -يعني: حديث شعبة، عن عاصم، عن أبي حاجب، عن الحكم ابن عمرو- والثاني وهم. يعني حديث عاصم، عن عبد الله بن سرجس.
وقد لحظ ابن ماجه رحمه الله أن مخرج الحديثين واحد، وهو عاصم الأحول، فشعبة يجعله من مسند الحكم، وعبد العزيز بن المختار يجعله من مسند عبد الله بن سرجس، وشعبة أرجح من عبد العزيز بن المختار، لكن يعكر على هذا أن شعبة رواه عن عاصم، عن عبد الله بن سرجس موقوفًا عليه، فيبعد الوهم المطلق، وإنما الوهم في الرفع فقط، كما رجح ذلك البخاري والدارقطني والبيهقي، والله أعلم.
وأن المحفوظ ما جاء في الصحيحين من كون الرسول صلى الله عليه وسلم يغتسل هو وميمونة من إناء واحد
(1)
.
(1)
الحديث مداره على عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس.
واختلف على عمرو بن دينار، فرواه ابن جريج كما في مصنف عبد الرزاق (1037) وأحمد (1/ 366) ومسلم (323)، وابن خزيمة (108)، والدارقطني (1/ 53)، والبيهقي (1/ 188)، عن عمرو بن دينار، قال علمي والذي يخطر على بالي، أن أبا الشعثاء أخبرني، أن ابن عباس أخبره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بفضل ميمونة.
وخالفه سفيان بن عيينة، فرواه عبد الرزاق في المصنف (1032) وابن أبي شيبة (368)، والحميدي (1/ 148)، والشافعي في مسنده (ص: 9) وأحمد (6/ 329)، والبخاري (250)، ومسلم (322)، والترمذي (62)، والنسائي في الصغرى (236)، وفي الكبرى (238)، وابن ماجه (377)، وأبو يعلى (7080)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1/ 25)، والبيهقي (1/ 188) من طرق، عن سفيان، عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، عن ميمونة، قالت: كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد. وجعله البخاري من مسند ابن عباس. فيكون على هذا قد اختلف على ابن عيينة.
فرواه عنه الحميدي، وأحمد، وأبو بكر بن أبي شيبة، وقتيبة بن سعيد والشافعي، وابن أبي عمر، ويحيى بن موسى، ومحمد بن إسماعيل الأحمسي، كلهم رووه عن سفيان عن عمرو بن دينار، عن أبي الشعثاء، عن ابن عباس، فجعلوه من مسند ميمونة، كما سبق.
وخالفهم أبو نعيم، عند البخاري. قال البخاري (253) حدثنا أبو نعيم، قال حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن جابر بن زيد -وهو أبو الشعثاء- عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد. قال البخاري: كان ابن عيينة يقول أخيرًا، عن ابن عباس عن ميمونة، والصحيح ما روى أبو نعيم.
وقد يقال: إن الصحيح رواية الجماعة، خاصة أن فيهم من هو من أخص أصحاب سفيان كالحميدي، وفيه أئمة حفاظ كالإمام أحمد وابن أبي شيبة وقتيبة بن سعيد وغيرهم.
قال الحافظ في الفتح: إنما رحج البخاري رواية أبي نعيم جريًا على قاعدة المحدثين؛ لأن من جملة المرجحات عندهم قدم السماع، لأنه مظنة قوة حفظ الشيخ، ولرواية الآخرين من جهة أخرى من وجوه الترجيح وهي كونهم أكثر عددًا وملازمة لسفيان، ورجحها الإسماعيلي من جهة أخرى من حيث المعنى: وهي كون ابن عباس لا يطلع على النبي صلى الله عليه وسلم في حالة اغتساله مع ميمونة فيدل على أنه أخذه عنها، والله أعلم.
وقد أشار الحافظ إلى تعليل الحديث، وحكم عليه بالشذوذ، قال في الفتح (1/ 359): «أعله قوم لتردد وقع في رواية عمرو بن دينار، حيث قال: علمي والذي يخطر على بالي أن أبا الشعثاء
أخبرني
…
فذكر الحديث. وقد ورد من طريق أخرى بلا تردد لكن راويها غير ضابط وقد خولف. والمحفوظ ما أخرجه الشيخان بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم وميمونة كانا يغتسلان من إناء واحد. اهـ
وقد جاء عند أحمد زيادة في المتن قال ابن جريج بعد أن ساق الحديث بالغسل من فضل ميمونة، قال: وذلك أني سألته عن إخلاء الجنبين جميعًا. وفي أطراف مسند الإمام أحمد لابن حجر (3/ 46) عن اختلاء بدلًا من إخلاء. وفي مصنف عبد الرزاق: وذلك أني سألته عن الجنبين يغتسلان جميعًا. وهذا قد يرجح قول ابن حجر بأن المحفوظ أنه كان صلى الله عليه وسلم يغتسل هو وميمونة من إناء واحد؛ لأنه بهذا اللفظ يكون الحديث أكثر مطابقة للسؤال من أنه كان يغتسل بفضلها.
الجواب الثاني:
قالوا: حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ بفضل ميمونة يحتمل أن يكون مع المشاهدة. ولذلك يشترطون أن تخلو به المرأة لطهارة كاملة. ومعنى تخلو به عندهم ليس معناه أن تنفرد به ولكن معناه ألا يشاهدها مميز أثناء الطهارة
(1)
.
وهذا الكلام عليه مأخذان.
الأول: أنه يبعد أن تشاهد المرأة وهي تغتسل من الجنابة.
الثاني: أن اشتراط ألا يشاهدها أحد ليس ظاهرًا من الحديث، ولكن يكون الماء فضلها إذا انفردت باستعماله .. ولذا جاء في الحديث (وليغترفا جميعًا) ولو كان مجرد المشاهدة يؤثر ما أرشد إلى الاغتنراف جميعًا، وكان ممكن أن يقول نهى أن يتوضأ الرجل بما خلت به المرأة، وكان ممكن أن يقول: ولتغترف عند أحد.
القول الثاني في الجمع بين الحديثين:
أن النهي محمول على الكراهة، والفعل دال على الجواز
(2)
، وهذا هو الراجح على القاعدة الأصولية التي تقول: إن فعل النبي صلى الله عليه وسلم لا يعارض قوله.
(1)
تنقيح التحقيق (1/ 220)، المنتقى (1/ 12) ح 16.
(2)
شرح الزركشي (1/ 301)، وذكر أنه اختيار أبي الخطاب وابن عقيل، وإليها ميل المجد في المنتقى.
فإذا أمر بشيء وتركه دل ذلك على أن الأمر للاستحباب، وإذا نهى عن شيء وفعله دل على أن النهي للكراهة، إلا أن يقوم دليل خاص على أن المخالفة مختصة بالنبي صلى الله عليه وسلم، فيبقى الأمر على أصله للوجوب، والنهي على أصله للتحريم، وليس عندنا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حين اغتسل بفضل ميمونة أن هذا الحكم خاص به، بل عندنا دليل على أنه عام بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم علل الحكم بقوله (إن الماء لا ينجسه شيء) أو على اللفظ المرجوح (إن الماء لا يجنب) ولم يقل: إني لست كهيئتكم كما قال ذلك عند الوصال في الصيام.
القول الثالث في الجمع:
حملوا النهي عن فضل وضوء المرأة من الجنب والحائض وأما إذا كانت طاهرًا فلا بأس به
(1)
.
(68)
فقد روى مالك في الموطأ
(2)
، وعنه عبد الرزاق
(3)
، من طريق نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة ما لم تكن جنبًا أو حائضًا.
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق أيوب عن نافع به
(4)
.
وهذا القول ضعيف:
لأن اشتراط أن تكون المرأة حائضًا أو جنبًا لم يرد في شيء من الأحاديث.
وقد قال صلى الله عليه وسلم لعائشة وهي حائض: إن حيضتك ليست في يدك، رواه مسلم
(5)
.
فإذا كانت حيضتها ليست في يدها فهي كذلك ليست في وجهها ولا في رأسها
(1)
معالم السنن (1/ 80).
(2)
الموطأ (2/ 52).
(3)
المصنف (1/ 701).
(4)
المصنف (1/ 38) رقم 347.
(5)
رواه مسلم (298) من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة.
ولا في قدمها ولا في شيء من أعضائها سوى مكان الأذى. فلا دليل على اشتراط الحيض أو الجنابة، وبدن الجنب، وبدن الحائض سوى مكان الأذى لا فرق بينه وبين غيره إلا أن هذا محدث وهذا غير محدث.
القول الرابع في الجمع:
قيل: إن النهي عن استعمال ما تقاطر من أعضائه عند التطهر، والجواز وارد على ما بقى في الماء من الإناء.
وهذا القول قدمه الخطابي ورجحه على غيره في معالم السنن
(1)
، وهذا القول أيضًا ضعيف. فما كان من شأن الصحابة أن يجمعوا ما تقاطر من أعضائهم لاستعماله مرة أخرى حتى يفرق بين ما استعملته المرأة وبين ما استعمله الرجل.
• الراجح:
أن النهي لا يثبت، والقول بعدم الكراهة أقوى، وإذا كان الإمام أحمد يقول: إن المسألة ليس فيها حديث ثابت، وإنما العمل بقول بعض الصحابة، فالجواب أن الصحابة مختلفون، وابن عباس يرى جواز الوضوء من فضل المرأة، وابن عمر لا يرى به بأسًا إلا من الحائض والنفساء، وإذا كان الصحابة مختلفين كان السبيل طلب الترجيح من جهة الدليل. ولا دليل يسلم في المسألة.
وإذا كان سؤر بهيمة الأنعام لا يمنع من الوضوء منه، بل ولا الهرة مع أن طهارتها لعلة التطواف، وإلا فالأصل نجاستها، فسؤر المرأة أولى بالجواز، وانظر إلى فقه ابن عباس حين قال: هي ألطف بنانًا وأطيب ريحًا، ولو كان في المسألة نص سالم من النزاع لم أعارضه بالفهم القاصر، ولكن ما دامت النصوص لم تثبت، والصحابة مختلفين فينظر في أقربها للحق.
* * *
(1)
معالم السنن (1/ 80).