الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع في الماء المسخن
المبحث الأول في الماء المسخن بنجاسة
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• الحكم بنجاسة الماء هو تغيره بالنجاسة لا اتصاله بها على الصحيح؟
• كل عين نجسة فإنه يجوز الانتفاع بها في غير الأكل على الصحيح على وجه لا يتعدى
(1)
.
• الاستحالة لها تأثير في الأحكام على الصحيح، فاستحالة الطيب إلى خبيث تجعله خبيثًا، كذا استحالة الخبيث إلى طاهر تجعله طاهرًا.
[م-46] اختلف العلماء في الماء المسخن بالنجاسة:
فقيل: طهور بلا كراهة، وهو مذهب الحنفية
(2)
، والشافعية
(3)
.
(1)
الانتفاع بالنجس محل خلاف بين العلماء، فالانتفاع بالنجس في الأكل محرم بالاتفاق، وأما في البيع، فالجمهور على المنع خلافًا للحنفية، وقد بسطت الكلام في اشتراط طهارة المبيع في كتابي المعاملات المالية أصالة ومعاصرة، ولله الحمد.
وذهب المالكية إلى أنه لا يجوز الانتفاع بالنجس، ويجوز الانتفاع بالمتنجس، ولهذا أجازوا جعل العذرة النجسة في الماء، ثم يسقى به الزرع.
(2)
جاء في حاشية ابن عابدين (1/ 80) قوله: «وكره أحمد المسخن بالنجاسة» .اهـ فلو كان للحنفية قول في المسألة لما نسب القول فيه إلى أحمد.
(3)
روضة الطالبين (1/ 119)، المجموع (1/ 137)، أسنى المطالب (1/ 9)، تحفة المحتاج (9/ 387)، حاشية البجيرمي (1/ 80).
وقيل: يكره، وهو مذهب المالكية
(1)
.
وأما الحنابلة فجعلوا الماء المسخن بالنجس له ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: أن يتحقق وصول شيء من الدخان أو الرماد إلى الماء.
فالمشهور من مذهب الحنابلة: أنه نجس سواء تغير أو لم يتغير.
(2)
التعليل: لأنه ماء يسير لاقى نجاسة، والماء اليسير إذا لاقى نجاسة فإنه ينجس ولو لم يتغير. وحد اليسير هو أن يكون الماء دون القلتين أي أقل من خمس قرب تقريبًا.
والصحيح هنا أن الماء إذا وقعت فيه نجاسة فلم تغيره فإنه طهور سواء كان يسيرًا أو كثيرًا، وقد سبق بحث هذه المسألة، ولله الحمد.
مع أن هذا الماء في الحقيقة لم تقع فيه نجاسة وإنما وقع فيه دخان النجاسة، والروث النجس إذا تحول إلى دخان أصبح له حكم الدخان على الصحيح، والدخان كله طاهر، كما أنكم ترون نجاسة الخمرة، وإذا تحولت بنفسها إلى خل طهرت، حتى لو قيل: إنه لا يسلم من صعود أجزاء لطيفة مع الدخان تقع في الماء.
فالجواب: أن هذه الأجزاء اللطيفة قد تحولت إلى رماد، فيكون لها حكم الرماد.
الحالة الثانية: أن يكون الحائل حصينًا بحيث يعلم أن الدخان لم ينفذ إلى الماء.
فالمشهور من المذهب أنه طهور مكروه.
طهور: لأنه لم يقع فيه شيء، لا طاهر، ولا نجس.
ومكروه: وللكراهة مأخذان عندهم:
أحدهما: استعمال النجاسة، فحرارة الماء كانت عن طريق استعمال النجاسة، واستعمال النجاسة مكروه عندهم، وما ترتب على المكروه يكون مكروهًا.
(1)
مواهب الجليل (1/ 80).
(2)
شرح منتهى الإرادات (1/ 16)، والمغني (1/ 29).
والثاني: احتمال وصول النجاسة.
الحالة الثالثة: أن يكون الحائل غير حصين، ولكنه لم يعلم وصول النجاسة إليه، فحكمه عند الحنابلة: طهور مكروه.
طهور: لأن طهارة الماء متيقنة، والنجاسة مشكوك فيها.
ومكروه؛ للتعليل السابق، وهي أن حرارة الماء جاءت عن طريق استعمال النجاسة، واستعمال النجاسة مكروه، فيكون ما ترتب على المكروه يكون مكروهًا
(1)
.
والصواب: مذهب الحنفية والشافعية أن الماء طهور بلا كراهة.
قال ابن تيمية: وأما المسخن بالنجاسة فليس بنجس باتفاق الأئمة إذا لم يحصل له ما ينجسه وأما كراهته ففيها نزاع
(2)
. اهـ
وأين الدليل على كراهة استعمال النجاسة في أمر لا تتعدى فيه النجاسة إلى غيرها، والمشهور من مذهب الحنابلة والمالكية أن جلد الميتة عندهم لا يطهر بالدباغ، ومع ذلك يقولون بجواز الانتفاع به في يابس.
بل جاء الدليل على جواز الانتفاع بالنجاسة على وجه لا يتعدى كما في حديث جابر رضي الله عنه.
(89)
فقد روى البخاري من طريق الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عطاء ابن أبي رباح،
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح، وهو بمكة: إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام. فقيل:
(1)
شرح منتهى الإرادات (1/ 16)، الإنصاف (1/ 30)، المحرر (1/ 2)، كشاف القناع (1/ 27)، مجموع الفتاوى (21/ 69)، المغني (1/ 27)، المبدع (1/ 39، 40).
(2)
مجموع الفتاوى (21/ 69).
يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة، فإنها يطلى بها السفن، ويدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: لا، هو حرام، ثم قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه، فأكلوا ثمنه، ورواه مسلم
(1)
.
* * *
(1)
البخاري (2236)، ومسلم (1581).