الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني في التماس العلة في غسل اليد قبل إدخالها الإناء
مدخل في ذكر الضوابط الفقهية:
• غسل اليد قبل إدخالها الإناء، هل هو تعبدي للتفريق بين نوم الليل ونوم النهار، وهو غير معقول المعنى، ولغسلها ثلاثًا، والنجاسات يكفي فيها غسلة واحدة تذهب بعينها؟
أو أن الحكم معقول المعنى لظاهر التعليل بقوله: فإنه لا يدري أين باتت يده؟
• التعليل بأن الغسل لمبيت الشيطان على يده لا يصح؛ لأنه لا ذكر للشيطان في الحديث، ولا يتأتى القياس على الخيشوم لكون مثل هذا يحتاج إلى توقيف، والخيشوم طريق إلى قلب الآدمي وجوفه بخلاف اليد، فإنها عضو خارجي كسائر الأعضاء.
[م-24] إذا تيقن المسلم طهارة اليد فهل يؤمر بغسلها؟
وللجواب على ذلك نقول: هذا يرجع إلى الخلاف في علة الأمر بغسلها، فإن كان غسلها لتوهم النجاسة لم يؤمر بغسلها إذا تيقن طهارتها، وإن كانت العلة غير النجاسة كان مأمورًا بغسلها، لهذا اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
فقيل: لا يسن غسلها، بل يغمسها بدون غسل، اختاره بعض الحنفية
(1)
.
(1)
شرح فتح القدير (1/ 21).
وقيل: يسن مطلقًا، وتقييده بالمستيقظ بالحديث لا ينافي غيره، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية
(1)
.
وقيل: هو بالخيار، إن شاء غسل يده قبل غمسها، وإن شاء غمس يده، ولو لم يغسلها. وهذا مذهب الشافعية
(2)
.
وقيل: يجب غسلها حتى ولو كانت يده في جراب، أو كانت مكتوفة، وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة
(3)
.
• وسبب اختلافهم في هذه المسألة اختلافهم في علة الأمر بغسل اليد:
فقيل: إن العلة هي الشك في نجاسة اليد، حتى قيد بعض الحنفية حديث النهي عن غمس اليد في الإناء حتى يغسلها بما إذا نام مستنجيًا بالأحجار، أو متنجس البدن، لا إذا نام متيقنًا طهارتها، أو مستنجيًا بالماء
(4)
.
وذكر الشافعية أن أهل الحجاز كانوا يستعملون الأحجار في الاستجمار، وكانت البلاد حارة، فيعرقون، وربما طافت أيديهم في موضع النجاسة فتنجست
(5)
.
والصحيح: أن الحديث مطلق، وهو عام لمن استنجى بالماء أو بالأحجار، عليه سراويل أم لا، ولا يقيد النص إلا نص مثله، أو إجماع، أو قياس صحيح.
وقيل: إن العلة تعبدية، وهو المشهور من مذهب الحنابلة، فيجب الامتثال دون النظر إلى سبب الوجوب.
وقيل: إن العلة مبيت الشيطان على يده، وهذا اختيار الشيخين ابن تيمية
(1)
تبيين الحقائق (1/ 4)، حاشية ابن عابدين (1/ 111)، المنتقى للباجي (1/ 48)، شرح الزرقاني على الموطأ (1/ 128)، البيان والتحصيل (1/ 68).
(2)
المجموع (1/ 389)، شرح النووي لصحيح مسلم (1/ 232).
(3)
الإنصاف (1/ 41).
(4)
شرح فتح القدير (1/ 21).
(5)
الحاوي (1/ 102).
وابن القيم رحمهما الله. قالا: هذه العلة نظير تعليل الشارع الاستنشاق بمبيت الشيطان على الخيشوم في قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليستنشق بمنخريه من الماء، فإن الشيطان يبيت على خيشومه) متفق عليه، وسبق تخريجه في المسألة التي قبل هذه. فأمر بالغسل معللًا بمبيت الشيطان على خيشومه، فعلم أن ذلك سبب الغسل، والحديث معروف. وقوله:(فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) يمكن أن يراد به ذلك، فتكون هذه العلة من العلل المؤثرة التي شهد لها النص بالاعتبار، وأما ملابسته ليده خاصة؛ فلأنها أعم الجوارح كسبًا وتصرفًا ومباشرة لما يأمر به الشيطان من المعصية، فصاحبها كثير التصرف والعمل بها، ولهذا سميت جارحة؛ لأنه يجترح بها: أي يكسب، والله أعلم
(1)
.
• ونوقش هذا:
بأن التعليل من أجل مبيت الشيطان على يده لا يصح؛ لأنه لا ذكر للشيطان في الحديث، وقوله:(باتت يده) الفعل أسند إلى اليد، ولم يسند إلى الشيطان، ولا يتأتى القياس على الخيشوم لكون مثل هذا يحتاج إلى توقيف، والخيشوم طريق إلى قلب الآدمي وجوفه بخلاف اليد، فإنها عضو خارجي كسائر الأعضاء، وعلى التنزل فإن الاستنشاق للقيام من النوم ليس بواجب، فإذا كان الأصل ليس واجبًا فإن الفرع أضعف من الأصل، والله أعلم.
* * *
(1)
تهذيب السنن (1/ 69، 70)، ومجموع الفتاوى (21/ 44).