الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الميم والسين وما يثلثهما
•
(مسس- مسمس):
{فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ} [آل عمران: 174]
"كلأ مَسُوس: نَامٍ في الراعية ناجعٌ، والمَسُوسُ: التِرْياق. وماءٌ مَسوس: عذْبٌ صَاف يَشفِي الغليل، وَجَد مَسًّا من نَصَب وهو أول ما يُحِسّ به من التعب. ووجد مَسّ الحمى أي رَسَّها وبَدْأَها قبل أن تأخذه وتظهر "ومَسُّوا من الميضأة " (وهي المِطهَرة- وعاءٌ صغير لماء الوضوء) أي خُذُوا منها الماء وتوضئوا ".
° المعنى المحوري
سَرَيان في أثناء أو مخالطة دقيقة ذات أثَر (1) كهذا الكلأ
(1)(صوتيًّا): تعبر الميم عن تضامّ ظاهري، والصين عن نفاذ بدقة وامتداد، والفصل منهما يعبر عن مخالطة لأثناء شيء سريانًا وامتدادًا فيها بدقة- لطفٍ أو حِدَّة. كالمسوس الترياق وكالكلأ المسوس: الناجع في الراعية. وفي (مسو- مسي) تزيد الواو معنى الاشتمال والياء معى الاتصال، ويعبر التركيبان عن قوة الامتداد اشتمالا بالظلام كما في الماء أو بالجوف كما في المَسْي. وفي (أمس) تسبق الهمزة ويعبر التركيب بضغطها عن قوة مرور (: نفاذ) الشيء (الدقيق) من حيز أو مَعيِة كفوات الأمس. وفي (مسح) تعبر الحاء عن احتكاك بعِرَض وجفاف ويعبر التركيب عن استواء ظاهر بانبساط كالأرض المسحاء. وفي (مسخ) تعبر الخاء عن تخلخل الأثناء، ويعبر التركيب عن ذهاب ما هو قوام الشيء -من أثنائه- كالمسيخ من الطعام: الذي لا ملح له ولا طعم ولا لون. وفي (مسد) تعبر الدال عن احتباس وامتساك شديد، ويعبر التركيب عن لأمٍ وجَدْلٍ (حبس) لمادة الطويل الممتد كمَسْد الليف: فتْله. وفي (مسك) تعبر الكاف عن ضغط غثوري دقيق يؤدي إلى تماسك دقيق في الأثناء، ويعبر التركيب عن حبس الشيء شدًّا في الأثناء أو الجوف كالمَسْك: الجلد والمَسك: الأسورة والخلاخيل.
الناجع في الراعية وكما يخالط الماءُ الغُلّةَ والترياقُ الداءَ فيُشْفَيان. وكغمس اليد في المِطهرة لتناول قليل الماء. وكالذي يوجَد مِن مَسّ الحمى. والتعبُ يخالط البَدن ويَسْري فيه وهو ذو أثَرٍ قوي.
ومن هذه المخالطة الدقيقة القوية الأثر جاء "المسُّ: الجُنُون. رجل ممسوس به مَسٌّ من جنون. وقد مُسَّ: تُخُبِّطَ- للمفعول فيهما. {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: 275].
وقولهم "رحم ماسَّة أي قرابة قوية "من الأصل أي أنها تسري في أعماقهم وأثنائهم كما يعَبَّر عن عمق الصداقة بين اثنين بأنهما متداخلان. وكذلك "حاجة ماسَّة أي مهمة "وقد "مسّت إليه الحاجة "من الأصل بمعنى وجود إحساس حادّ بالحاجة إلى الشيء يخالط المس أو الحال.
ومن المخالطة الدقيقة القوية الأثر استعمل في الإصابة بمكروه (حدّة){إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آل عمران: 140]. وقد ورد المس بمعنى إيقاع الضُرّ ونحوه كالعذاب والنفحة منه، والنار، والسوء، والشَرّ، والضُر، والطائف الشيطاني، واللُغوب، والنَصَب في أكثر ما ورد في القرآن الكريم ما عدا {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيرُ مَنُوعًا} [المعارج: 21] وهذه قد تفسَّر بالمقابلة، وكذلك ما في [الأنعام: 17] لكن هذا لا يعني الاختصاص وإنما يعني قوة الأثر كما في {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ} [آل عمران: 120]، فالتي تسوء الأعداء لا بد أنها نعمة كبيرة، أو قوة المخالطة- مع الدقة الخفاء ونحوه كما كُني بالمَسّ عن الجماع: "المسَيس: جماع الرجل المرأة. {لَا جُنَاحَ عَلَيكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236]
وكذا ما في 237 منها، وما في الأحزاب: 49]، {أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران: 47] {قَالتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} أي على جهة تزوج - {وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم: 20] أي ولا قُرِبْت على غير حد تزوج. وقد قالوا أيضًا إنه استعارة من المس باليد [ل 102/ 18، 103/ 20]. وسياق ما ورد منه في القرآن يقطع بأنه النكاح كما في الآيات السابقة، وفي {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا} [المجادلة: 3، 4].
ومن تلك المخالطة الدقيقة -ربما مع التجاوز عن قيد القوة "مَسَّ الشيءَ: لمَسه باليد. وماسَ الشيءُ الشيءَ: لَقِيَه بذاته. وتماسَ الجِرْمان: مَسّ أحدِّهما الآخر "- وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إلا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 77 - 79] روى الفراء عن ابن عباس قال: "لا يمس ذلك اللوح المحفوظ إلا الملائكة الذين طُهِّروا من الشرك "اهـ ويقال "لا يَمَسَه "أي لا يجد طعمَه ونفعَه إلا المطَّهرون ممن آمن به. [معاني القرآن للفراء 3/ 129]، كما أعيد الضمير إلى القرآن. وفي المراد بالمس حينئذ ستة أقوال أولها المس باليد، وبالتطهير ثمانية أولها من الأحداث والأنجاس [ينظر قر 17/ 225 - 226]، {فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لَا مِسَاسَ} [طه: 97]، أي لا أَمَسّ ولا أُمَسّ- للمعلوم والمجهول، وَأُوِّل ذلك؛ بأن موسى أمرهم ألا يؤاكلوه ولا يخالطوه ولا يبايعوه. . . [المعاني للفراء 2/ 190].
أما قولهم "ماء مَسُوس: أي زُعاقٌ يُخرِق كلَّ شيء بملوحته "(وهذا ضد تفسيره بالعَذْب) فهو ينطبق عليه الأصل لهذه الحدة التي في أثنائه- فيكون بمعنى مفعول- ولكنهم لم يوردوا له شاهدًا. فإن صح فالوجه ما ذكرنا -كما أنه يمكن نقل هذه الصيغة بهذا المعنى أو ذاك إلى تركيب (سوس).