الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عليه في التيه). أما وصفه بأنه كالعسل يصبحون فيجدونه بأفنيتهم وعلى أسطح منازلهم فإن هذا يصور حالًا إعجازية، وكأنهم كانوا في الجنة ولم يكونوا في التيه بعصيانهم، فيكفيهم أن يجدوا ما يغذوهم في تلك الصحراء كالكمأة والسلوى (العسل الجبليّ) ليعيشوا. ولعل المفسرين اعتمدوا على التعبير بأنزلنا ونزلنا للقول بالسقوط من السماء. في حين أن الإنزال يصدق بالإخراج- كقوله تعالى:{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} [الحديد: 25]. {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر 6].
•
(منو- منى):
{أَمْ لِلْإِنْسَانِ مَا تَمَنَّى (24) فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى} [النجم: 24 - 25]
"المَنيّ- كغَنِي: ماءُ الرجل: والمَنَا: كَيْل يكيلون به السَمْنَ وغيَره أو وزن ".
° المعنى المحوري
توقيت لإمساك الباطن ما ينضمّ عليه فيخرج شيئًا بعد شيء. كالمكيل في المكيال. مرة بعد أخرى، وكالمَنِيّ يخرج دفْقًا (لا يتوقف إذا بدأ، أو لأن خروجه موقوت بداعيه){أَفَرَأَيتُمْ مَا تُمْنُونَ} [الواقعة: 58 وكذا ما في النجم: 46، القيامة: 37] وقد سميت مِنَى "لإراقة دماء الهدْى فيها "(1). (أي لكثرة ذلك، والكثرة هنا مقابل التوالي، ثم إن ذلك مؤقت بموسم الحج كل عام).
ومن مادي ذلك أيضًا "المُنْية- بالضم: (مدة سبعة إلى خمسة عشر يومًا تبدأ من ضرب الفحل الناقة يتبين بعدها حقيقة باطنها أَلَقِحَت أم لا بأن تُردّ إلى الفحل فإن قرّت عُلِم أنها لم تحمل. ينظر [تاج] (فهذا توقيت إمساك النطفة، فإن
(1) المزهر 1/ 205.
عبرتْها عُلِم أن النطفة قرّت وأنها لقِحت).
"والتمني: القراءة ". إذ القراءة بمعنى النطق بكلام إما عن حفظ في القلب أو إعدادٍ فيه لما يُراد إخراجه كلامًا، أو تجميع في القلب لمعاني الرمرز المكتوبة بعد الاطلاع عليها مكتوبة، ثم النطق بها (كما في تركيب قرأ، ومنه القَرْء: الحيض)، {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إلا أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] قراءة فقط بلا فِقْه. وجعله [طب 2/ 262، وكذا قر 2/ 5] من التخرُّص وخلق الكذب. {إلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ} [الحج: 52]: ما قيل في سبب نزولها من أنه في أثناء قراءة النبي صلى الله عليه وسلم في سورة النجم {أَفَرَأَيتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (19) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} أضاف صلى الله عليه وسلم مدْحا لهذه الأصنام أو أن الشيطان أوهم ذلك، فلما سجد النبي صلى الله عليه وسلم سجد الكفار الحاضرون مع المسلمين رضا بذكره صلى الله عليه وسلم أصنامهم= أقول هذا الذي قيل باطل تمامًا. فإن هذه الأصنام ذُكرت هنا في سياق الإزراء بها وأنها لا شيء. ثم إن آيتي ذكر الأصنام رقم 19، 20، وآية السجدة رقم 62، وهي {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} وهم كانوا يعلمون أن الله هو الإله الخالق. كما في [العنكبوت: 61، 63، لقمان: 25، الزمر: 38، الزخرف: 9، 78] فسجدوا لله عز وجل لا لذكر آلهتهم (بسوء)، وكان ذلك بعد نزول زهاء عشرين سورة من السور المكية القصيرة. وأنا أرى أن قصة التنويه بشأن الأصنام تلك اختُرِعت ورُكَبت على واقعة السجود، إذ لم يذكر البخاري غير السجود [باب سجود القرآن أرقام 1067، 1070، 1071، 4862] في هذا الموضوع كله، فالقصة مكذوبة. والقصة
برواياتها في [تفسير طب التركي 16/ 602 - 611] وتكذيبها في [قر 12/ 79 - 86، بحر 6/ 351 - 352] وأَبْكَرُ تكذيب لها هو قول محمد بن إسحاق صاحب السيرة (ت 151 هـ) إنها من وضع الزنادقة، وألف في ذلك كتابًا [بحر]. والغريب أن بعض روايات هذه القصة المكذوبة مسندة في الطبري إلى محمد بن إسحاق هذا، وأن اثنتين من رواياتها فيه جاءتا بسندين من سلاسل الإسناد التي نبه د. التركي في أول تحقيقه للطبري إلى أنها ضعيفة. فالقصة مكذوبة. وعلى علماء الحديث أن يبينوا حقيقتها. وقال البيهقي إنها مما يجب إطراحه. وفي البحر مزيد تفنيد. وعند أبي حيان أن التمني على معناه المشهور وهو تمني النبي صلى الله عليه وسلم نجاح دعوته. وأن شياطين الجن والإنس يزيّنون الكفر ويلقُون الشُبَه للصدّ عن سبيل الله، ثم يزيلها الله وينصر رسله ودينه. ولختم بملحظين: أ- أن الآية هنا تذكر شأنًا للرسل قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فليس فيها ما يقتضي هذه القصة ضرورة [بحر]. ب- أن الإلقاء هو من كيد الشيطان وأن الله تعالى ينسخه ويحكم آياته.
ومن ذلك المعنى الأصلي "مانيته: طاولته وانتظرته ". فهذه ممادّة مما في الباطن من صَبْر وقوة. وكذا "درايته. ومانيته: جازيته "(بذلٌ له مما في الحوزة ما يقابل ما فعل).
ومن ذلك: "مَنَى اللهُ لنا ما يَسُرُّنا أي قَدَّرَه "(فالتقدير والتدبير جمعٌ: إحاطةٌ بالأمر أَوَّلِه وآخره غيبية مؤقتة، ثم ترتيبٌ لخروجه ونفاذه حينًا بعد حين). ومنه "المنية: الموت "لأنه أهم المقادير الغيبية الموقوتة. و "مُنِيَ ببلية: ابْتُليَ بها. ومَنَاه الله بحبها يَمْنيه ويَمْنوه: ابتلاه "ومنه "التمني: تشهى حصول الأمر المرغوب فيه "