المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

(32) كتاب الرؤيا

(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

[2173]

عَن أَبِي سَلَمَةَ بنَ عَبدِ الرَّحمَنِ قال: سَمِعتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الرُّؤيَا مِن اللَّهِ وَالحُلمُ مِن الشَّيطَانِ، فَإِن رَأَى أَحَدُكُم شَيئًا يَكرَهُهُ فَليَنفُث عَن يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَليَتَعَوَّذ بِاللَّهِ

ــ

(32)

كتاب الرؤيا

[(1) باب: الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره](1)

(قوله: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان)، الرؤيا: مصدر رأى في المنام رؤيا، على وزن فعلى، وألفه للتأنيث؛ ولذلك لم ينصرف. والرؤية: مصدر رأى بعينه في اليقظة رؤية. هذا المعروف من لسان العرب، وقال بعض العلماء: إن

(1) ما بين حاصرتين ليس في الأصول، واستدرك من التلخيص.

ص: 5

مِن شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَن تَضُرَّهُ، فَقَالَ: إِن كُنتُ لَأَرَى الرُّؤيَا أَثقَلَ عَلَيَّ مِن الجَبَلٍ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن سَمِعتُ بِهَا الحَدِيث فَمَا أُبَالِيهَا.

زاد في رواية: وليتحول عن جنبه الذي كان عليه.

ــ

الرؤيا قد تجيء بمعنى الرؤية، وحمل عليه قوله تعالى:{وَمَا جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إِلا فِتنَةً لِلنَّاسِ} وقال: إنما يعني بها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء لما أراه من عجائب السماوات والملكوت، وكان الإسراء من أوله إلى آخره في اليقظة. وقد ذكرنا هذا في باب الإسراء من كتاب: الإيمان.

والحُلم - بضم الحاء، وسكون اللام - مصدر حَلَمت - بفتح الحاء واللام - إذا رأى في منامه رؤيا، وتُجمع على أحلام في القلَّة، وفي الكثرة حلوم، وإنَّما جمع وإن كان مصدرًا لاختلاف أنواعه، وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسنًا كان أو مكروها. وأراد به النبي صلى الله عليه وسلم هنا ما يكره، أو ما لا ينتظم، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

فأمَّا الحِلم - بكسر الحاء -، فهو مصدر حَلُمَ - بضم اللام- يَحلِمُ: إذا صفح وتجاوز حتى صار له ذلك كالغريزة. وتحلَّم: تكلف الحلم. والحَلم - بفتح الحاء - هو فساد الإهاب من الدباغ، وتثقيبه فيه، يقال منه: حَلِم الأديم- بكسر اللام - يحلم - بفتحها -: إذا صار كذلك.

وقد اختلف الناس في كيفية الرؤيا قديمًا وحديثًا، فقال غير المتشرعين أقوالًا كثيرة مختلفة، وصاروا فيها إلى مذاهب مضطربة قد عَرِيت عن البرهان فأشبهت الهذيان. وسبب ذلك التخليط العظيم: الإعراض عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم.

وبيان ذلك: أن حقيقة الرؤيا إنما هي من إدراكات النفس، وقد غُيِّب عنا علم حقيقتها. وإذا لم يعلم ذلك لعدم الطريق الموصل إليه؛ كان أحرى، وأولى ألا نعلم ما غيب عنا من إدراكاتها، بل نقول: إنا لا نعلم حقيقة كثير مما قد انكشفت لنا جملته من إدراكاتها، كحس السمع، والعين، والأذن، وغير ذلك، فإنا إنما نعلم منها أمورًا جملية، لا تفصيلية، وأوصافًا لازمة، أو عرضية، لا حقيقية، وسبيل العاقل ألا يطمع في

ص: 6

وفي أخرى: الرُّؤيَا الصَّالِحَةُ مِن اللَّهِ، ورؤيَا السَّوءُ مِن الشَّيطَانِ، فَمَن رَأَى رُؤيَا يَكَرِهَ مِنهَا شَيئًا فَليَنفُث عَن يَسَارِهِ، وَليَتَعَوَّذ بِاللَّهِ مِن

ــ

معرفة ما لم يُنصَب له عليه دليل عقلي، ولا حسي، ولا مركب منهما، إلا أن يخبر بذلك صادق، وهو الذي دلَّ الدليل القطعي على صدقه، وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فإنَّهم دلت على صدقهم دلائل المعجزات. وإذا كان كذلك: فسبيلنا أن نعرض عن أحوال المعرضين، ونتشاغل بالبحث عن ذلك في كلام الشارع والمتشرعين.

قال الإمام أبو عبد الله (1): المذهب الصحيح ما عليه أهل السُّنَّة، وهو: أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان. وهو تبارك اسمه يفعل ما يشاء، وما يمنعه من فعله نوم، ولا يقظة، وكأنه سبحانه جعل هذه الاعتقادات علمًا على أمور أخر يخلقها في ثاني حال، أو كان قد خلقها.

وقال غيره: إن لله تعالى ملكًا موكلًا يعرض المرئيَّات على المحل المدرك من النائم، فيمثل له صورًا محسوسة، فتارة تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة غير محسوسة. وفي الحالتين تكون مبشرة ومنذرة.

قلت: وهذا مثل الأول في المعنى، غير أنه زاد فيه قضية المَلَك، ويحتاج في ذلك إلى توقيف من الشرع، إذ يجوز أن يخلق الله تعالى تلك التمثيلات من غير مَلَك.

وقيل: إن الرؤيا إدراك أمثلة منضبطة في التخيل جعلها الله إعلامًا على ما كان، أو يكون، [وهو أشبهها] (2). فإنَّ قيل: كيف يقال: إن الرؤيا إدراك مع أن

(1) انظر: المعلم بفوائد مسلم (3/ 115).

(2)

ما بين حاصرتين سقط من (ج 2).

ص: 7

الشَّيطَانِ، لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخبِر بِهَا أَحَدًا، فَإِن رَأَى رُؤيَا حَسَنَةً فَليُبشِر وَلَا يُخبِر بها إِلَّا مَن يُحِبُّ.

رواه أحمد (5/ 310)، والبخاريّ (3392)، ومسلم (2261)(2 و 3)، وأبو داود (5021)، والترمذيُّ (2277)، وابن ماجه (3909).

ــ

النوم ضد الإدراك، فإنه من الأضداد العامة، كالموت، فلا يجتمع معه إدراك؟ فالجواب: أن الجزء المدرك من النائم لم يحلَّه النوم، فلم يجتمع معه، فقد تكون العين نائمة، والقلب يقظان، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي (1). وإنما قال: منضبطة في التخيل، لأنَّ الرائي لا يرى في منامه إلا من نوع ما أدركه في اليقظة بحسِّه، غير أنه قد تركب المتخيَّلات في النوم تركيبًا يحصل من مجموعها صورة لم يوجد لها مثال في الخارج، تكون علمًا على أمر نادر، كمن يرى في نومه موجودًا رأسه رأس الإنسان وجسده جسد الفرس مثلًا، وله جناحان، إلى غير ذلك مما يمكن من التركيبات التي لا يوجد مثلها في الوجود، وإن كانت آحادُ أجزائها في الوجود الخارجي. وإنَّما قال: جعلها الله إعلامًا على ما كان، أو يكون، لأنَّه يعني به: الرؤيا الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها على ما يأتي إن شاء الله تعالى.

ثم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر أنواع الرؤيا هنا. وفيما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق، ورؤيا يحدِّث المرء بها نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان. (2) وذكر الحديث. فرؤيا الحق: هي المنتظمة التي لا تخليط فيها، وقد سَمَّاها في رواية أخرى: الصادقة. وفي أخرى: الصالحة، وهي التي يحصل بها التنبيه على أمر في

(1) رواه البخاري (2013)، ومسلم (736 و 737).

(2)

رواه الترمذي (2280).

ص: 8

[2174]

وعَن جَابِرٍ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَى أَحَدُكُم الرُّؤيَا يَكرَهُهَا فَليَبصُق عَن يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَليَستَعِذ بِاللَّهِ مِن الشَّيطَانِ ثَلَاثًا، وَليَتَحَوَّل عَن جَنبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيهِ.

رواه أحمد (3/ 350)، ومسلم (2262)(5)، وأبو داود (5022)، وابن ماجه (3908).

* * *

ــ

اليقظة صحيح، وهي - التي إذا صدرت من الإنسان الصالح - جزء من أجزاء النبوة، أي: خصلة من خصال الأنبياء التي بها يعلمون الوحي من الله تعالى. وأما الثانية: فهي التي تكون عن أحاديث نفس متوالية، وشهواتٍ غالبة، وهموم لازمة، ينام عليها، فيرى ذلك في نومه، فلا التفات إلى هذا، وكذلك الثالثة. فإنها تحزين، وتهويل، وتخويف، يدخل كل ذلك الشيطان على الإنسان في نومه ليشوش يقظته. وقد يجتمع هذان السببان، أعني: هموم النفس، وألقيات الشيطان في منام واحد، فتكون أضغاث أحلام لاختلاطها.

والضغث: هي القبضة من الحشيش المختلط.

و(قوله: الرؤيا من الله)، أي: بشرى من الله، أو تحذير وإنذار.

و(قوله: والحلم من الشيطان)، يعني به: ما يلقيه مما يهوِّل، أو يخوف، أو يحزن به. وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه، لأنَّه من تخييلات الشيطان وتشويشاته، فإذا استعاذ الرائي منه صادقًا في التجائه إلى الله تعالى، ونفث عن يساره ثلاثًا، وتحوَّل عن جنبه كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وصلى (1)، أذهب الله عنه ما أصابه، وما يخافه من مكروه ذلك، ولم يصبه منه شيء ببركة صدق الالتجاء إلى الله تعالى، وامتثال أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فيكون قوله: فإذا رأى أحدكم ما يكره، إنَّما يعني به: ما يكون سببه الشيطان. وقيل: بل الخبر

(1) من (م 2) و (ع).

ص: 9