الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(32) كتاب الرؤيا
(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره
[2173]
عَن أَبِي سَلَمَةَ بنَ عَبدِ الرَّحمَنِ قال: سَمِعتُ أَبَا قَتَادَةَ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الرُّؤيَا مِن اللَّهِ وَالحُلمُ مِن الشَّيطَانِ، فَإِن رَأَى أَحَدُكُم شَيئًا يَكرَهُهُ فَليَنفُث عَن يَسَارِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَليَتَعَوَّذ بِاللَّهِ
ــ
(32)
كتاب الرؤيا
[(1) باب: الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره](1)
(قوله: الرؤيا من الله، والحلم من الشيطان)، الرؤيا: مصدر رأى في المنام رؤيا، على وزن فعلى، وألفه للتأنيث؛ ولذلك لم ينصرف. والرؤية: مصدر رأى بعينه في اليقظة رؤية. هذا المعروف من لسان العرب، وقال بعض العلماء: إن
(1) ما بين حاصرتين ليس في الأصول، واستدرك من التلخيص.
مِن شَرِّهَا فَإِنَّهَا لَن تَضُرَّهُ، فَقَالَ: إِن كُنتُ لَأَرَى الرُّؤيَا أَثقَلَ عَلَيَّ مِن الجَبَلٍ، فَمَا هُوَ إِلَّا أَن سَمِعتُ بِهَا الحَدِيث فَمَا أُبَالِيهَا.
زاد في رواية: وليتحول عن جنبه الذي كان عليه.
ــ
الرؤيا قد تجيء بمعنى الرؤية، وحمل عليه قوله تعالى:{وَمَا جَعَلنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَينَاكَ إِلا فِتنَةً لِلنَّاسِ} وقال: إنما يعني بها رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في الإسراء لما أراه من عجائب السماوات والملكوت، وكان الإسراء من أوله إلى آخره في اليقظة. وقد ذكرنا هذا في باب الإسراء من كتاب: الإيمان.
والحُلم - بضم الحاء، وسكون اللام - مصدر حَلَمت - بفتح الحاء واللام - إذا رأى في منامه رؤيا، وتُجمع على أحلام في القلَّة، وفي الكثرة حلوم، وإنَّما جمع وإن كان مصدرًا لاختلاف أنواعه، وهو في الأصل عبارة عما يراه الرائي في منامه حسنًا كان أو مكروها. وأراد به النبي صلى الله عليه وسلم هنا ما يكره، أو ما لا ينتظم، على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
فأمَّا الحِلم - بكسر الحاء -، فهو مصدر حَلُمَ - بضم اللام- يَحلِمُ: إذا صفح وتجاوز حتى صار له ذلك كالغريزة. وتحلَّم: تكلف الحلم. والحَلم - بفتح الحاء - هو فساد الإهاب من الدباغ، وتثقيبه فيه، يقال منه: حَلِم الأديم- بكسر اللام - يحلم - بفتحها -: إذا صار كذلك.
وقد اختلف الناس في كيفية الرؤيا قديمًا وحديثًا، فقال غير المتشرعين أقوالًا كثيرة مختلفة، وصاروا فيها إلى مذاهب مضطربة قد عَرِيت عن البرهان فأشبهت الهذيان. وسبب ذلك التخليط العظيم: الإعراض عما جاءت به الأنبياء من الطريق المستقيم.
وبيان ذلك: أن حقيقة الرؤيا إنما هي من إدراكات النفس، وقد غُيِّب عنا علم حقيقتها. وإذا لم يعلم ذلك لعدم الطريق الموصل إليه؛ كان أحرى، وأولى ألا نعلم ما غيب عنا من إدراكاتها، بل نقول: إنا لا نعلم حقيقة كثير مما قد انكشفت لنا جملته من إدراكاتها، كحس السمع، والعين، والأذن، وغير ذلك، فإنا إنما نعلم منها أمورًا جملية، لا تفصيلية، وأوصافًا لازمة، أو عرضية، لا حقيقية، وسبيل العاقل ألا يطمع في
وفي أخرى: الرُّؤيَا الصَّالِحَةُ مِن اللَّهِ، ورؤيَا السَّوءُ مِن الشَّيطَانِ، فَمَن رَأَى رُؤيَا يَكَرِهَ مِنهَا شَيئًا فَليَنفُث عَن يَسَارِهِ، وَليَتَعَوَّذ بِاللَّهِ مِن
ــ
معرفة ما لم يُنصَب له عليه دليل عقلي، ولا حسي، ولا مركب منهما، إلا أن يخبر بذلك صادق، وهو الذي دلَّ الدليل القطعي على صدقه، وهم الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، فإنَّهم دلت على صدقهم دلائل المعجزات. وإذا كان كذلك: فسبيلنا أن نعرض عن أحوال المعرضين، ونتشاغل بالبحث عن ذلك في كلام الشارع والمتشرعين.
قال الإمام أبو عبد الله (1): المذهب الصحيح ما عليه أهل السُّنَّة، وهو: أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات، كما يخلقها في قلب اليقظان. وهو تبارك اسمه يفعل ما يشاء، وما يمنعه من فعله نوم، ولا يقظة، وكأنه سبحانه جعل هذه الاعتقادات علمًا على أمور أخر يخلقها في ثاني حال، أو كان قد خلقها.
وقال غيره: إن لله تعالى ملكًا موكلًا يعرض المرئيَّات على المحل المدرك من النائم، فيمثل له صورًا محسوسة، فتارة تكون تلك الصور أمثلة موافقة لما يقع في الوجود، وتارة تكون أمثلة لمعان معقولة غير محسوسة. وفي الحالتين تكون مبشرة ومنذرة.
قلت: وهذا مثل الأول في المعنى، غير أنه زاد فيه قضية المَلَك، ويحتاج في ذلك إلى توقيف من الشرع، إذ يجوز أن يخلق الله تعالى تلك التمثيلات من غير مَلَك.
وقيل: إن الرؤيا إدراك أمثلة منضبطة في التخيل جعلها الله إعلامًا على ما كان، أو يكون، [وهو أشبهها] (2). فإنَّ قيل: كيف يقال: إن الرؤيا إدراك مع أن
(1) انظر: المعلم بفوائد مسلم (3/ 115).
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (ج 2).
الشَّيطَانِ، لَا تَضُرُّهُ وَلَا يُخبِر بِهَا أَحَدًا، فَإِن رَأَى رُؤيَا حَسَنَةً فَليُبشِر وَلَا يُخبِر بها إِلَّا مَن يُحِبُّ.
رواه أحمد (5/ 310)، والبخاريّ (3392)، ومسلم (2261)(2 و 3)، وأبو داود (5021)، والترمذيُّ (2277)، وابن ماجه (3909).
ــ
النوم ضد الإدراك، فإنه من الأضداد العامة، كالموت، فلا يجتمع معه إدراك؟ فالجواب: أن الجزء المدرك من النائم لم يحلَّه النوم، فلم يجتمع معه، فقد تكون العين نائمة، والقلب يقظان، كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: إن عيني تنامان، ولا ينام قلبي (1). وإنما قال: منضبطة في التخيل، لأنَّ الرائي لا يرى في منامه إلا من نوع ما أدركه في اليقظة بحسِّه، غير أنه قد تركب المتخيَّلات في النوم تركيبًا يحصل من مجموعها صورة لم يوجد لها مثال في الخارج، تكون علمًا على أمر نادر، كمن يرى في نومه موجودًا رأسه رأس الإنسان وجسده جسد الفرس مثلًا، وله جناحان، إلى غير ذلك مما يمكن من التركيبات التي لا يوجد مثلها في الوجود، وإن كانت آحادُ أجزائها في الوجود الخارجي. وإنَّما قال: جعلها الله إعلامًا على ما كان، أو يكون، لأنَّه يعني به: الرؤيا الصحيحة المنتظمة الواقعة على شروطها على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
ثم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد ذكر أنواع الرؤيا هنا. وفيما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الرؤيا ثلاث: فرؤيا حق، ورؤيا يحدِّث المرء بها نفسه، ورؤيا تحزين من الشيطان. (2) وذكر الحديث. فرؤيا الحق: هي المنتظمة التي لا تخليط فيها، وقد سَمَّاها في رواية أخرى: الصادقة. وفي أخرى: الصالحة، وهي التي يحصل بها التنبيه على أمر في
(1) رواه البخاري (2013)، ومسلم (736 و 737).
(2)
رواه الترمذي (2280).
[2174]
وعَن جَابِرٍ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: إِذَا رَأَى أَحَدُكُم الرُّؤيَا يَكرَهُهَا فَليَبصُق عَن يَسَارِهِ ثَلَاثًا، وَليَستَعِذ بِاللَّهِ مِن الشَّيطَانِ ثَلَاثًا، وَليَتَحَوَّل عَن جَنبِهِ الَّذِي كَانَ عَلَيهِ.
رواه أحمد (3/ 350)، ومسلم (2262)(5)، وأبو داود (5022)، وابن ماجه (3908).
* * *
ــ
اليقظة صحيح، وهي - التي إذا صدرت من الإنسان الصالح - جزء من أجزاء النبوة، أي: خصلة من خصال الأنبياء التي بها يعلمون الوحي من الله تعالى. وأما الثانية: فهي التي تكون عن أحاديث نفس متوالية، وشهواتٍ غالبة، وهموم لازمة، ينام عليها، فيرى ذلك في نومه، فلا التفات إلى هذا، وكذلك الثالثة. فإنها تحزين، وتهويل، وتخويف، يدخل كل ذلك الشيطان على الإنسان في نومه ليشوش يقظته. وقد يجتمع هذان السببان، أعني: هموم النفس، وألقيات الشيطان في منام واحد، فتكون أضغاث أحلام لاختلاطها.
والضغث: هي القبضة من الحشيش المختلط.
و(قوله: الرؤيا من الله)، أي: بشرى من الله، أو تحذير وإنذار.
و(قوله: والحلم من الشيطان)، يعني به: ما يلقيه مما يهوِّل، أو يخوف، أو يحزن به. وهذا النوع هو المأمور بالاستعاذة منه، لأنَّه من تخييلات الشيطان وتشويشاته، فإذا استعاذ الرائي منه صادقًا في التجائه إلى الله تعالى، ونفث عن يساره ثلاثًا، وتحوَّل عن جنبه كما أمره النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، وصلى (1)، أذهب الله عنه ما أصابه، وما يخافه من مكروه ذلك، ولم يصبه منه شيء ببركة صدق الالتجاء إلى الله تعالى، وامتثال أوامر رسوله صلى الله عليه وسلم. وعلى هذا فيكون قوله: فإذا رأى أحدكم ما يكره، إنَّما يعني به: ما يكون سببه الشيطان. وقيل: بل الخبر
(1) من (م 2) و (ع).