المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

[2179]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن رَآنِي فِي المَنَامِ فَقَد رَآنِي فَإِنَّ الشَّيطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ بِي.

ــ

فِي أَعنَاقِهِم أَغلالا فَهِيَ إِلَى الأَذقَانِ فَهُم مُقمَحُونَ} وعلى الجملة: فهو مذموم شرعًا وعادة. فرؤيته في النوم (1) دليلٌ على وقوع حالة سيئة بالرائي تلازمه، ولا ينفك عنها، وقد يكون ذلك في دينه، كواجبات فرَّط فيها، أو معاصٍ ارتكبها، أو ديونٍ، وحقوقٍ لازمة له. وقد يكون ذلك في دنياه من شدائد تصيبه، أو أنكاد تلازمه. وبالجملة: فالمعتبر في أعظم أصول العبارة (2) النظر إلى أحوال الرائي واختلافها، فقد يرى الرائيان شيئًا واحدًا، ويدل في حق أحدهما على خلاف ما يدل عليه في حق الآخر.

(4)

ومن باب: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام

(قوله صلى الله عليه وسلم: من رآني في المنام فقد رآني فإنَّ الشيطان لا يتمثل بي، وفي أخرى: فإنَّ الشيطان لا ينبغي أن يتشبه بي، وفي أخرى: لا ينبغي أن يتمثل في صورتي)، وفي غير كتاب مسلم: لا يتكوَّنُني (3). اختلف في معنى هذا الحديث، فقالت طائفة من القاصرين: هو على ظاهره، فمن رآه في النوم رأى حقيقته، كما يرى في اليقظة. وهو قول يُدرَك فساده بأوائل العقول، فإنَّه يلزم عليه ألا يراه أحدٌ إلا على صورته التي توفي عليها، ويلزم عليه ألا يراه رائيان في وقت واحد في

(1) في (ج 2): العنق.

(2)

عبر الرؤيا عبرًا وعبارة: فسَّرها وأخبر بما يؤول إليه أمرُها.

(3)

قال في "النهاية": يتكونني: يتشبَّه بي.

ص: 22

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مكانين، ويلزم عليه أن يحيا الآن، ويخرج من قبره، ويمشي في الناس، ويخاطبهم، ويخاطبونه كحالته الأولى التي كان عليها، ويخلو قبره عنه، وعن جسده، فلا يبقى منه فيه شيء فيزار غير جدث، ويُسلَّم على غائب، لأنَّه يُرى في الليل والنهار مع اتصال الأوقات على حقيقته، في غير قبره. وهذه جهالات لا يبوء بالتزام شيء منها من له أدنى مسكة من المعقول، وملتزم شيء من ذلك مختل مخبول.

وقالت طائفة أخرى: إنما معناه: أن من رآه على صفته التي كان عليها في الدنيا فمنامه ذلك هو الصحيح، ورؤيته له حق، فإنَّ الشيطان لا يتصوَّر بصورته التي كان عليها.

قلت: وهذا يلزم منه: أن من رآه على غير صفته التي كان عليها في الدنيا لا تكون رؤيته حقًّا، ويكون من باب أضغاث الأحلام. ومن المعلوم: أنه يجوز أن يرى في النوم على حالة تخالف ما كان عليها في الوجود من الأحوال اللائقة به، ومع ذلك: فتقع تلك الرؤيا حقًّا كما إذا رؤي قد ملأ بلدة، أو دارًا بجسمه، فإنَّه يدلّ على امتلاء تلك البلدة بالحق والشرع، وتلك الدار بالبركة. وكثيرًا ما وقع نحو هذا، وأيضًا: فلو تمكَّن الشيطان من التمثُّل في شيء مما كان عليه، أو نسب إليه لما صدق مطلقًا قوله: فإنَّ الشيطان لا يتمثل بي، فإنَّه إذا تمثل ببعض صفاته وأحواله فقد تمثل به، فالأولى أن تنزه رؤية النبي صلى الله عليه وسلم أو رؤية شيء من أحواله، أو مما ينسب إليه عن تمكُّن الشيطان من شيء منه. ونفي جمي ذلك مطلقًا أبلغ في الحرمة، وأليق بالعصمة، وكما عصم من الشيطان في يقظته في كل أوقاته، كذلك عصم منه [في منامه] (1) مع اختلاف حالاته. فالصحيح في معنى هذا الحديث - إن شاء الله تعالى - أن يقال: إن مقصوده الشهادة منه صلى الله عليه وسلم بأن رؤيته في النوم على أي حال كان ليست باطلة، ولا من أضغاث الأحلام، بل هي حق في

(1) ما بين حاصرتين ليس في (م 2).

ص: 23

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

نفسها، وإن تصوير تلك الصورة، وتمثيل ذلك المثال ليس من قبل الشيطان، إذ لا سبيل له إلى ذلك، وإنما ذلك من قبل الله تعالى. وهذا مذهب القاضي أبي بكر وغيره من المحققين. وقد شهد لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: من رآني فقد رآني الحق، أي: الحق الذي قصد إعلام الرائي به، وإذا كانت تلك حقًّا فينبغي أن يبحث عن تأويلها، ولا يُهمل أمرها، فإنَّ الله تعالى إنما مثَّل ذلك للرائي بشرى، فينبسط للخير، أو إنذارًا لينزجر عن الشر. أو تنبيهًا على خير يحصل له في دين، أو دنيا. والله تعالى أعلم.

تنبيه: قد قررنا أن المدرك في المنام أمثلة للمرئيات لا أنفس المرئيات، غير أن تلك الأمثلة تارة تكون مطابقة لحقيقة المرئي، وقد لا تكون مطابقة. ثم المطابقة قد تظهر في اليقظة على نحو ما أدركت في النوم، كما قد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة: أريتك في سَرَقَةٍ (1) من حرير، فإذا هي أنت (2)، ومعناه: أنه رآها في نومه على نحو ما رآها في يقظته.

قلت: وقد وقع لي هذا مرات. منها: أني لما وصلت إلى تونس قاصدًا إلى الحج سمعت أخبارًا سيِّئةٍ عن البلاد المصرية من جهة العدو الذي غلب على دمياط، فعزمت على المقام بتونس إلى أن ينجلي أمر العدو، فأُريت في النوم كأني في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وأنا جالس قريبًا من منبره، وأُناس يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم، فجاءني بعض من سلَّم عليه، فانتهرني وقال: قم فسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقمت فشرعت في السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فاستيقظت، وأنا أسلِّم عليه، فجدَّد الله لي عزمًا، ويَسَّر عليَّ فيما كان قد صعب من أسبابي، وأزال عني ما كنت أتخوَّفه من أمر العدو، وسافرت إلى أن وصلت إلى الإسكندرية عن مدة مقدارها ثلاثون يومًا

(1) أي: في قطعةٍ من جيِّد الحرير، وجمعها: سَرَق.

(2)

رواه أحمد (6/ 41 و 128 و 161)، والبخاري (3895)، ومسلم (2438).

ص: 24

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

في كتف السلامة، فوجدتها والديار المصرية على أشد خوف، وأعظم كرب، والعدو قد استفحل أمره، وعظمت شوكته، فلم أكمل في الإسكندرية عشرة أيام حتى كسر الله العدو، ومكن منه من غير صُنع أحد من المخلوقين، بل: بلطف أكرم الأكرمين، وأرحم الراحمين (1). ثم: إن الله تعالى كمَّل عليَّ إحسانه، وإنعامه، وأوصلني بعد حجِّ بيته إلى قبر نبيه ومسجده، فرأيته والله في اليقظة على النحو الذي رأيته في المنام من غير زيادة ولا نقصان.

ومنها: أني تزوجت امرأة، وقبل الدخول بها حدثت عن صفتها ما أوقع في قلبي نُفرة، فأريتها في النوم على الصفة التي كانت عليها في بيتها، ثم إني لما اجتمعت بها وجدتها هي التي أريتها في النوم. ونحو هذا كثير.

وأما إذا لم يظهر في اليقظة كذلك، فيعلم أن المقصود بتلك الصورة معناها لا عينها، وكذلك الحكم إذا خالف ذلك المثال صورة المرئي نفسه إما بزيادة، أو نقصان، أو تغيُّر لون، أو حدوث عيب، أو زيادة عضو، أو عين، أو غير ذلك. والمقصود بذلك أيضًا: التنبيه على معاني تلك الأمور، وإذا تقرر هذا فيجوز أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم على صفته التي كان عليها في الوجود، ويكون من فوائد ذلك: تسكين شوق الرائي، لكونه مُستهتِرًا (2) بمحبته، وليعمل على مشاهدته وهذا هو الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قال: من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أي: من رآني رؤية معظِّمٍ لحرمتي، ومُشتاقٍ لمشاهدتي، وصل إلى رؤية محبوبه، وظفر بكل مطلوبه.

ويجوز أن يكون مقصود ذلك المنام معنى صورته، وهو دينه وشريعته،

(1) كانت هذه الأحداث في عام (647 هـ) وهو تاريخ دخول الفرنج الصليبيين إلى دمياط وخروجهم. انظر البداية والنهاية (13/ 177).

(2)

أي: مولعًا.

ص: 25

وفي رواية: مَن رَآنِي فِي المَنَامِ فسيراني في اليقظة، أو: لكأنما رآني في اليقظة؛ لا يتمثل الشيطان بي.

وفي أخرى: من رآني فقد رأى الحق.

رواه أحمد (2/ 261 و 342)، والبخاريُّ (6993)، ومسلم (2266)(10 و 11) و (2267) من طريق محمد بن عبدالله بن أخي الزُّهري، وأبو داود (5123)، والترمذيُّ (2280)، وابن ماجه (3901 و 3904).

ــ

فيعبَّر بحسب ما رآه الرائي من زيادة، أو نقصان، أو إساءة، أو إحسان، وكذلك الحكم إذا رأى على خلاف الصورة التي كان عليها مما يجوز عليه.

فأمَّا رؤية الله تعالى في النوم: فقد قال القاضي عياض: لم يختلف العلماء في جواز صحة رؤية الله تعالى في المنام. وإن رئي على صفة لا تليق بجلاله من صفات الأجسام، يتحقق أن ذلك المرئي غير ذات الله تعالى، إذ لا يجوز عليه التجسيم، ولا اختلاف الحالات، بخلاف رؤية النبي صلى الله عليه وسلم فكانت رؤيته تبارك وتعالى في النوم من باب التمثيل والتخييل. وقال القاضي أبو بكر رحمه الله: رؤية الله تعالى في النوم أوهام وخواطر في القلب بأمثال لا تليق به بالحقيقة، ويتعالى سبحانه وتعالى عنها، وهي دلالات للرائي على أمر مما كان أو يكون، كسائر المرئيات. وقال غيره: رؤية الله في المنام حقٌّ وصدقٌ لا كذب فيها، لا في قول ولا في فعل.

و(قوله (1): من رآني في المنام فسيراني في اليقظة، أو: لكأنما رآني في اليقظة)، هذا شكٌّ من الراوي، فإنَّ كان اللفظ الأول هو الصحيح، فتأويله ما

(1) ورد في جميع النسخ: (ومن باب) والصواب ما أثبتناه ليتناسب السياقُ مع ما ورد في أحاديث هذا الباب في التلخيص.

ص: 26