الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(54) باب فضائل أبي بن كعب
[2375]
عن أنس قال: جَمَعَ القُرآنَ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَربَعَةٌ - كُلُّهُم مِن الأَنصَارِ -: مُعَاذُ بنُ جَبَلٍ، وَأُبَيُّ بنُ كَعبٍ، وَزَيدُ بنُ
ــ
فضلاء الموالي، ومن خيار الصحابة وكبرائهم، وهو معدودٌ في المهاجرين، لأنَّه لما أعتقته مولاته زوج أبي حذيفة، وهي عمرة بنت يعار. وقيل: سلمى، وقيل: غير ذلك، تولى أبا حذيفة فتبنَّاه أبو حذيفة، وهو أيضًا معدودٌ في الأنصار، لعتق مولاته المذكورة له وهي أنصارية، وهو معدودٌ في القرَّاء، قيل: إنه هاجر مع عمر بن الخطاب ونفر من الصحابة من مكة رضي الله عنهم، فكان يؤمهم، لأنَّه كان أكثرهم قرآنًا، وكان يؤم المهاجرين بقباء فيهم عمر بن الخطاب، شهد سالم بدرًا، وقتل يوم اليمامة ومولاه أبو حذيفة. فوجد رأس أحدهما عند رجلي الآخر، وذلك سنة اثنتي عشرة.
(54)
ومن باب: فضائل أبي بن كعب رضي الله عنه
هو ابن قيس بن عبيد بن زيد بن النجار الخزرجي رضي الله عنه أسلم قديمًا، وشهد العقبة الثانية، وبايع النبي صلى الله عليه وسلم فيها، ثم شهد بدرًا، وجميع المشاهد، وهو أول من كتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان من فقهاء الصحابة وقرائهم رضي الله عنهم، وكفى بذلك أن الله تعالى: أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يقرأ عليه القرآن، وقد بيَّنَّا وجه ذلك فيما تقدَّم، وقد تقدَّم قوله صلى الله عليه وسلم: أقرؤكم أبي. وقال فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إنه سيد المسلمين، وتوفي في خلافة عمر على الأكثر. قيل: سنة تسع عشرة، وقيل: سنة عشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وقد قيل: إنه مات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين. وجملة ما روي عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين ثلاثة عشر.
و(قول أنس رضي الله عنه: جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من الأنصار: معاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، وأبو زيد. قد استشكل ظاهر هذا الحديث كثير من الناس حتى ظنوا أنه مما يطرق الطعن والقدح في تواتر القرآن، وهذا إنما نشأ ممن يظن أن لهذا الحديث دليل خطاب، فإنَّه لا يتم له ذلك حتى يقول بتخصيص هؤلاء الأربعة بالذكر يدلّ على أنه لم يجمعه أحدٌ غيرهم، فمن ينفي القول بدليل الخطاب قد سلم من ذلك، ومن (1) يقول به فأكثرهم يقول: إن أسماء الأعداد لا دليل خطاب لها، فإنَّها تجري مجرى الألقاب، والألقاب لا دليل خطاب لها باتفاق أئمة أهل الأصول. ولا يلتفت لقول الدقاق في ذلك فإنَّه واضح الفساد كما بيَّنَّاه في الأصول، ولئن سلَّمنا أن لأسماء الأعداد دليل خطاب، فدليل الخطاب إنما يُصار إليه إذا لم يعارضه منطوق به، فإنه أضعف وجوه الأدلة عند القائلين به، وهنا أمران هما أولى منه - بالاتفاق -:
أحدهما: النقل الصحيح.
والثاني: ما يعلم من ضرورة العادة.
فأمَّا النقل فقد ذكر القاضي أبو بكر وغيره جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة. وقد سَمَّى أبو عبد الله المازري منهم خمسة عشر.
وقد تواترت الأخبار بأنه قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمع القرآن، [وكان ذلك في سنة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وأول سني خلافة أبي بكر رضي الله عنه، وإذا قتل في جيش واحد سبعون ممن جمع القرآن](2) فالذين بقوا في ذلك الجيش منهم لم يقتلوا أكثر من أولئك أضعافًا. وإذا كان ذلك في جيش واحد! فانظر كم بقي في مدن الإسلام - إذ ذاك - وفي عساكر أخر من الصحابة رضي الله عنهم ممن جمع القرآن. فيظهر
(1) في (ز): والذي.
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (م 4).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
من هذا أن الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يُحصيهم أحد، ولا يضبطهم عدد.
وأما الثاني وهو العادة: وذلك أنها تقتضي أن يجتمع العدد الكثير، والجم (1) الغفير على حِفظه ونقله، وذلك أن القرآن على نظم عجيب، وأسلوب غريب، مخالف لأساليب كلامهم في نثرهم ونظمهم مع ما تضمَّنه من العلوم والأحكام، ومعرفة الحلال والحرام، والقَصَص والأخبار، والتبشير والإنذار، والنبي صلى الله عليه وسلم مع ذلك يُشيعه في الناس، ويشافه به البلغاء الأكياس، وما كان هذا سبيله فالعادة تقتضي: أن تتوفر الدواعي على حفظ جميعه، والوقوف على ما تضمنه من أنواع حكمه وبدائعه، ومحاسن آدابه وشرائعه، ويحيل انفراد الآحاد بحفظه كما يحيل انفرادهم بنقله، فقد ظهر من هذه المباحث العجاب أن ذلك الحديث ليس له دليل خطاب، فإنَّ قيل: فإذا لم يكن له دليل خطاب فلأي شيء خصَّ هؤلاء الأربعة بالذكر دون غيرهم؟ فالجواب من أوجه:
أحدها: أنه يحتمل أن يكون ذلك لتعلُّق غَرَض المتكلم بهم دون غيرهم كالحال في ذكر الألقاب.
وثانيها: لحضور هؤلاء الأربعة في ذهنه دون غيرهم.
وثالثها: أن هؤلاء الأربعة قد اشتهروا بذلك في ذلك الوقت دون غيرهم ممن يحفظ جميعه.
ورابعها: لأن أنسًا سمع من هؤلاء الأربعة إخبارهم عن أنفسهم أنهم جمعوا القرآن، ولم يسمع مثل ذلك من غيرهم، وكلُّ ذلك محتمل، والله تعالى أعلم.
(1) في (ز): الجمع.
ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيدٍ. قَالَ قَتَادَةُ: قُلتُ لِأَنَسٍ: مَن أَبُو زَيدٍ؟ قَالَ: أَحَدُ عُمُومَتِي.
رواه أحمد (3/ 277)، والبخاريُّ (3810)، ومسلم (2465)(119 و 120)، والترمذيُّ (3794).
[2376]
وعنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُبَيِّ بنِ كَعبٍ: إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَن أَقرَأَ عَلَيكَ {لَم يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ} قَالَ: وَسَمَّانِي! ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَبَكَى.
رواه أحمد (3/ 130)، والبخاريُّ (3809)، ومسلم (799) في فضائل الصحابة (122)، والترمذيُّ (3792)، والنسائي في الكبرى (11691).
* * *
ــ
و(قول قتادة: قلت لأنسٍ: من أبو زيد؟ قال: أحد عُمومتي) أبو زيد هذا هو سعيد بن عبيد بن النعمان الأوسي من بني عمرو بن عوف، يعرف بسعد القارئ، توفي شهيدًا بالقادسية سنة خمس عشرة. قال أبو عمر: هذا قول أهل الكوفة، وخالفهم غيرهم، فقال أبو زيد: هذا هو قيس بن السكن الخزرجي من بني عدي بن النجار بدري. قال ابن شهاب: قُتِل أبو زيد قيس بن السَّكن الخزرجي (1) يوم جِسر أبي عبيد على رأس خمس عشرة. وقد تقدَّم القول على حديث قراءة النبي صلى الله عليه وسلم على أبي رضي الله عنه في كتاب الصلاة في باب: ترتيل القراءة وكيفية الأداء.
(1) ليست في (ز) ولا (م 4).